قبل 4 سنە
شارل أبي نادر
580 قراءة

لن ينسحب الأميركيون من سوريا قبل انسحابهم من العراق.. الأسباب والمعطيات

 

من فترة إلى أخرى، يتم الحديث إعلامياً وديبلوماسياً على الصعيد الغربي والأميركي بالتحديد، أو على الصعيد الإقليمي، عن قرب انسحاب الأميركيين من سوريا، وخصوصاً بعد ادّعاء التحالف الغربي بقيادة واشنطن هزيمة داعش في كل من العراق وسوريا. وبالتالي، إذا اعتبرنا أن أساس قيام هذا التحالف هو محاربة داعش، وأن مهماته الميدانية في سوريا كانت مرتبطة "فقط" بهذا الإطار، فمن المفترض انسحاب وحداته من سوريا. 

وفي هذا الإطار، شهدت نهاية العام 2018 أكثر القرارات الأميركية جديةً أو اقتراباً من تنفيذ هذا الانسحاب، إذ بدأت حينها بعض الوحدات الأميركية بالانسحاب براً نحو العراق، مع إخلاء عدد غير بسيط من القواعد والثكنات في شمال شرق سوريا، وخصوصاً في المناطق القريبة من الحدود مع تركيا، بين عين عيسى وتل أبيض، أو بين عين العرب ومنبج.

في النهاية، لم يكتمل هذا الانسحاب، وعادت أغلب الوحدات الأميركية التي كانت قد تحركت إلى قواعدها الأساسية، كما عادت وانتشرت في مواقع أخرى استحدثتها لاحقاً، وخصوصاً في شرق دير الزور، حيث حقول النفط الأهم في سوريا.

عملياً وقانونياً، هذا الانسحاب مفروض، وكان يجب أن لا تكون هناك وحدات عسكرية أميركية في سوريا بالأساس، لكون هذا التواجد بمثابة احتلال بالكامل، ولا يحظى بشرطي مشروعيته المعروفين، بحسب القانون الدولي، الأول: لا طلب رسمياً من الحكومة السورية يسمح بتواجد الوحدات الأميركية على أرضها، والثاني: لا وجود لقرار من مجلس الأمن يغطي هذا التواجد العسكري الأميركي في دولة عضو في الأمم المتحدة وذات سيادة.

 من ناحية أخرى، عندما اتخذ الرئيس ترامب قراره المفاجئ في نهاية العام 2018، القاضي بسحب فوري لوحداته العسكرية من سوريا، لم يكن قد أشبع هذا القرار دراسةً لناحية المعطيات التي تسمح له بتنفيذه، الأمر الذي عاد واكتشفه لاحقاً، وبسرعة، بعد الاعتراضات الإقليمية الواسعة عليه؛ الإسرائيلية بالدرجة الأولى، والعربية الخليجية بالدرجة الثانية، وأيضاً بعد التحفظات التي صدرت من داخل إدارته ومساعديه، وعلى رأسهم وزير الدفاع الأسبق جايمس ماتيس، الذي كلَّفه اعتراضه على قرار الانسحاب حينها إزاحته من موقعه. 

 في الحقيقة، إذا قاربنا موضوع التواجد الأميركي العسكري في سوريا من عدة أبعاد، لا يمكن لهذا التواجد إلّا أن يكون مرتبطاً بالتواجد الأميركي العسكري في العراق، وذلك لعدة أسباب ومعطيات، يمكن تحديد أهمها بالتالي:

ميدانياً:

مبدئياً، ومن خلال دراسة أماكن التواجد العسكري الأميركي في كل من العراق وسوريا، يمكن ملاحظة وجود ارتباط ميداني جغرافي بين تلك المواقع، على الأقل بين أغلبها، مع بعض الاستثناءات البسيطة، فالتواجد الأميركي في الأنبار، في قاعدة عين الأسد بالتحديد، يرتبط بتواجد قوي في سنجار، جنوب غرب كردستان العراق، وفي الوقت نفسه بتواجدهم في التنف جنوب غرب القائم والبوكمال، حيث تشكل المواقع الثلاثة مثلثاً، مع إمكانية المساندة المتبادلة بين بعضها البعض.

أيضاً، نلاحظ ارتباطاً مماثلاً بين التواجد الأميركي في الرميلان شرق الحسكة مع قواعدهم في دهوك كردستان العراق، ومع قاعدة سنجار أيضاً، وعلى شكل مثلث مماثل للأول أعلاه، مع حرص دائم للوحدات الأميركية على إبقاء طريق الشرق السوري مع شمال العراق تحت رعايتها، بين المالكية في سوريا حتى زاخو شمال العراق، وبين اليعربية في سوريا حتى الموصل في العراق.

عسكرياً:

الارتباط الميداني المذكور أعلاه يؤمن من الناحية العمليّة ارتباطاً عسكرياً يقوم على وجود قدرة لكلّ موقع على تأمين دعم ومساندة للمركز الآخر، وخصوصاً عبر طوافات القتال الموجودة في أغلب تلك المراكز، حيث تبرز صعوبة من الناحية العسكرية، وبسبب قرب المسافة، لتأمين هذه المساندة عبر قاذفات القتال ("أف 15" و"أف 16" وغيرهما)، والتي تحتاج إلى قواعد أكثر تجهيزاً وتخصصاً لمناورة القاذفات، ولعدم وجود قواعد أميركية مناسبة لتلك القاذفات في سوريا، حيث تقتصر تلك القواعد على استقبال الطوافات وطائرات النقل فقط.

أمنياً:

يعرف الأميركيون جيداً، ومن خلال تجربة مرّة عاشوها عند احتلالهم العراق بعد العام 2003، أنه بعد بدء عمليات المقاومة ضدهم، ستكون هناك خطورة كبيرة على دورياتهم وتنقلاتهم البرية. لذلك، من الناحية الأمنية، ومن ناحية الإخلاء الصحي، سوف يحتاجون حكماً بعد بدء تلك العمليات إلى مواقع قريبة مرتبطة ببعضها البعض، قادرة على تأمين مساندة متبادلة، وفي الوقت نفسه، تكون مناسبة لتنفيذ أي إخلاء سريع وطارئ لموقع إلى موقع آخر، فمن الطبيعي أن تتشارك حينها عند تلك المواجهة مواقعُهم بين سوريا والعراق. 

 استراتيجياً:

تتكامل وتتداخل أهداف الأميركيين في العراق مع أهدافهم في سوريا بشكل كبير، لناحية استهداف محور المقاومة، أو عرقلة واستهداف سلطة كل من الدولتين وقراراتهما، أو حماية ورعاية التواجد الكردي غير الطبيعي أو الشاذ، والحالم دائماً بإدارة ذاتية أو باستقلال، أو في مكان ما، المؤثر سلباً في كل من العراق أو سوريا، لناحية السيادة الوطنية، أو التقارب مع العدو الإسرائيلي، أو إضعاف اقتصاد كل من الدولتين. لذلك، من الطبيعي أن يربط الأميركيون تواجدهم العسكري في العراق مع تواجدهم العسكري في سوريا، خدمة لأهدافهم المشتركة في الدولتين.

 انطلاقاً من كلّ هذه المعطيات الأمنية والميدانية والعسكرية والاستراتيجية، مع إمكانية حصول بعض عمليات إعادة الانتشار أو تبديل القواعد العسكرية الأميركية في سوريا، لأسباب أمنية أو لوجستية، كما حدث مؤخراً في العراق، فإن من الطبيعي أن لا نشهد أيّ انسحاب جدي للوحدات العسكرية الأميركية من سوريا، من دون انسحاب جدي لتلك الوحدات من العراق. ولن يكون مفتاح هذا الانسحاب المزدوج إلا عمليات المقاومة، وكما يبدو، فإنها لم تعد بعيدة. 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

 

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP