هل تحصل الإمارات على "أف 35" مخفَّضة أو على بديل يناسب "إسرائيل"؟
قد تكون القاذفة الأميركية المتطورة "أف 35" من أكثر الأسلحة النوعيّة التي أثارت جدلاً واسعاً في مفاوضات صفقات الأسلحة في العالم، فقد شهدنا خلافاً بين الأميركيين والأتراك حولها، بعد أن مُنعت أنقرة من امتلاكها، على خلفية حصولها على صواريخ "أس أس 400" الروسية من دون موافقة واشنطن، إضافةً إلى بروز بعض الخلافات التي لم تظهر بشكل واسع بين واشنطن والقاهرة، على خلفية محاولة مصرية أيضاً لم تكتمل حتى الآن، للحصول على القاذفة الروسية "سوخوي 35"، كبديل من "أف 35" التي تمنّعت واشنطن عن تزويدها بها، بناءً على طلب إسرائيلي طبعاً.
هذه التّباينات الواسعة حول القاذفة "أف 35" تعود إلى أسباب سياسية واستراتيجية طبعاً، ولكن يبقى للأسباب المتعلقة بمميزاتها التقنية والفنية دور أساسي في هذه التباينات، إذ يشكّل امتلاكها من دول معينة حساسية لدى دول أخرى، لكونها تُعتبر من القاذفات العالمية الأكثر تطوراً، الأمر الذي يغري الكثير من الدول للحصول عليها، وفي الوقت نفسه منع دول أخرى من ذلك.
في لمحة سريعة عن مميزات القاذفة "أف 35"، يمكن اختصارها بالتالي:
هي من إنتاج شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية. يتراوح سعرها بين 100 و120 مليون دولار أميركي، وتصل سرعتها إلى 1200 ميل في الساعة، وتتميَّز بالقدرة على الإقلاع والهبوط العمودي، وبالتالي لا تحتاج إلى مدرج.
تمتلك القاذفة أجهزة استشعار عن بعد متطورة جداً، كما تمتلك القدرة على حمل ذخائر يصل وزنها إلى 5700 باوند، وهي مجهزة بأسلحة للحرب الإلكترونية، مع قدرة على تبادل المعلومات مباشرة مع الوحدات البحرية والبرية الصديقة، وتتميز بخوذتها البالغة التطور، وبالقدرات الإلكترونية التي تمكّن الطيار من رؤية جميع الاتجاهات ضمناً أسفل حجرة القيادة، وهي ميزة فعالة جداً أثناء عمليات القتال الجوي.
تتميز القاذفة "أف 35" أيضاً بأنها قاذفة "شبحية" غير مرئية، ولا يمكن تعقّبها وكشفها بسهولة عبر رادارات العدو، ويؤدي شكلها وطلاء هيكلها الخاص دوراً أساسياً في الحفاظ على صفة "الشبح"، وهي مزودة بجناح أنظمة المهام المعقد، ما يسمح بالتواصل السلس عبر جميع مقاتلات الأسطول الجوي في أي معركة.
انطلاقاً من هذه المميزات، نرى أن لجميع الدول القادرة مالياً مصلحة بالحصول على القاذفة، فكيف إذا تكلمنا عن الإمارات العربية المتحدة، الدولة الغنية التي تُصَنَّف من بين مشتري الأسلحة الأوائل عالمياً، إضافةً إلى بعض التقارير غير المؤكّدة التي دار حولها لغط كبير، والتي تقول إن أحد البنود الأساسية في الاتفاق بين "إسرائيل" والإمارات يسمح للأخيرة بإمكانية امتلاك عدد من القاذفات "أف 35".
في الجانب الإسرائيلي، شدد المسؤولون على معارضتهم حصول الإمارات على القاذفة، فقال وزير الدفاع إنه ليس من مصلحة "إسرائيل" حصول دول أخرى على طائرة "أف 35" أو أي سلاح آخر يهدد تفوقها العسكري في المنطقة.
كما نفى مكتب نتنياهو، في بيان تفصيلي، الادعاءات التي ذكرت أن الصفقة تقع ضمن بنود الاتفاق مع الإمارات، مع ذكر جدول زمني للمرات العديدة التي أثار فيها نتنياهو وسفير "إسرائيل" لدى الولايات المتحدة رون ديرمر اعتراضهما على بيع هذه الطائرات لأي دولة أخرى في الشرق الأوسط، ولو كانت لديها معاهدة سلام مع "إسرائيل".
من الناحية الأميركية، أكد الرئيس ترامب أن الإمارات مهتمة بشراء مقاتلات "أف 35" الأميركية الحديثة، ومستعدة لدفع "مبالغ ضخمة" مقابلها. هذا الموضوع يغري الرئيس الأميركي طبعاً، وهو الذي يعدّ بيع الأسلحة أساسياً ضمن استراتيجيته.
وفي الوقت نفسه، صرَّح السفير الأميركي في تل أبيب، ديفيد فريدمان، أنّ "أيّ صفقة بيع مستقبلية للأسلحة المتقدمة للإمارات، بما في ذلك طائرات "أف 35"، ستكون مشروطة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل".
ولناحية هذا التفوق، هناك قانون أميركي صادر في العام 2008 يرعاه ويفسّره مع وجود شروط معينة. ويعود إلى الكونغرس الأميركي فقط أن يقيِّم إلى أي مدى تحقق "إسرائيل" التفوق العسكري النوعي في ما يتعلق بالتهديدات العسكرية الموجّهة إليها. وبعد ذلك، يتعيَّن على الكونغرس التصديق على أنَّ مبيعات الأسلحة "لأي دولة أخرى لن تؤثر سلباً في التفوق النوعي لإسرائيل". ويقول فريدمان: "في ظل الظروف المناسبة، ستستفيد كلّ من أميركا وإسرائيل بشكل كبير من وجود حليف قوي يقع على مضيق هرمز قرب إيران".
وهنا بيت القصيد في ما يجري حول هذا الجدال، فالمقصود في ذلك هو أنَّ الإمارات أصبحت بعد الاتفاق الحليف القوي لـ"إسرائيل" وواشنطن، وهي الموجودة على مضيق هرمز بمواجهة إيران، فماذا يمنع من أن تحصل على سلاح نوعي متطور يحقّق تفوقاً عسكرياً محدداً على الأخيرة، شرط أن لا يلامس التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل" ولا يتجاوزه؟ وهل يمكن أن تكون القاذفة "أف 35" هي هذا السلاح أو أننا نتكلَّم عن سلاح آخر يحقّق معادلة فريدمان؟
في الواقع، يمكننا هنا أن نتكلم عن الاتجاهين؛ الأول أن تحصل الإمارات على "أف 35" مخفّضة، والآخر أن تحصل على منظومة دفاع جوي متطورة.
لناحية القاذفة "أف 35 المخفّضة"، هذا الأمر ممكن تقنياً. وقد عمدت دول معيَّنة إلى اعتماده في صفقات أسلحة مختلفة لدول أخرى. ويطبق المبدأ هنا من خلال بيع الإمارات عدداً معيناً من القاذفات "أف 35" بمبالغ ضخمة (بحسب ما يهوى الرئيس ترامب، وبحسب ما اعتادت عليه الإمارات). وفي الوقت نفسه، يتم إلغاء واحدة أو أكثر من مميزات القاذفة المذكورة.
ومن المميّزات التي يمكن إلغاؤها مثلاً، ميزة الشبحيّة، أي أن تصبح القاذفة غير قادرة على تجاوز نوع معين من الرادارات التي تمتلكها "إسرائيل" حصراً، وهذا الأمر يحفظ ميزة القاذفة "أف 35" في جميع معاركها، باستثناء المواجهات ضد "إسرائيل" - إذا حصلت - كما يمكن إلغاء ميزة القدرة على خوض الحرب الإلكترونية، أو ميزة خوذة الطيار، أو ميزة نظام المهام المعقد...
لناحية أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، كمنظومة "ثاد" الأميركية مثلاً، سيكون مفيداً جداً نشرها في الإمارات، تحت حجة حمايتها من إيران، ولكن عملياً سوف تكون أهداف هذه المنظومة المتطورة حماية "إسرائيل" من الصواريخ الإيرانية البعيدة المدى، من خلال خلق حاجز من الصواريخ المضادة للصواريخ على مسافة قريبة من السواحل والأراضي الإيرانية، وفي الوقت نفسه، على مسافة بعيدة من فلسطين المحتلة، تسمح للوحدات الإسرائيلية باعتماد مناورة دفاعية مناسبة وفعالة ضد تلك الصواريخ الإيرانية.
فهل نشهد في نهاية هذا الجدال حصول الإمارات على "أف 35" مخفضة أو ناقصة من بعض المميزات التي تهدّد التفوق النوعي العسكري لـ"إسرائيل" أو نشهد تجاوزاً نهائياً لموضوع استلام الإمارات للقاذفة المذكورة، واستبدال ذلك باستلامها منظومة الدفاع الجوي الأميركية المتطورة "ثاد"، لتحمي نفسها من إيران في الظاهر، ولتؤمّن عملياً حماية "إسرائيل" من الصواريخ الإيرانية؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً