هل خسر ترامب في لعبة عض الأصابع مع إيران؟
ظهرت بشكل واضح المعطيات التي يُستنتج منها بأن الرئيس الأميركي يخسر شيئا فشيئا عناصر القوة ، والتي كان من الممكن أن تساعده في الحرب الشرسة التي يخوضها ضد إيران ، في العقوبات الاقتصادية وفي الضغوط السياسية وفي الحرب الباردة ، والتي لامست في أكثر من مرة الخط الذي يجعلها غير باردة ، وهذه المعطيات تثبّتت أكثر فأكثر، من خلال ما ظهر به ترامب من موقف ضعيف في عدة ملفات مهمة ، داخلية أو خارجية ، من فشل في تطويع القضاء الأميركي بعدة ملفات ، إلى قضية جورج فلويد ، إلى كسر إيران للهيبة الأميركة في الكاريبي في موضوع الحصار على فنزويلا ، إلى فضائح كتاب جون بولتون حول سياسة الرئيس غير المتوازنة ، وإلى الكثير من الملفات الأخرى .
يبدو اليوم، وبعد استقالة براين هوك، الدبلوماسي الأميركي المكلف بملف إيران، واستلام اليوت ابرامز مكانه، أن هناك شيئاً ما قد تغير في سياسة الرئيس ترامب في ما خص الاشتباك المفتوح مع الجمهورية الإسلامية.. فهل يكون هذا التغيير نحو التشدد أكثر؟ أم يكون نحو التهدئة والبحث عن مخارج للأزمة ( العقدة ) ، والتي ظهرت مؤخرا بأنها ستؤثر سلبا على مجمل سياسات واشنطن وفي أغلب ملفات حراكها الدولي الصاخب ؟ وبذلك هل يؤشر الموضوع الى أن ترامب خسر أو على الطريق، في لعبة عض الأصابع مع إيران؟
قد يكون براين هوك هو الدبلوماسي الأميركي الأكثر تشدداً في ملف خارجي حساس ، مثل ملف إيران ، فقد كان شرسا إلى العمق في اقتراحات مجنونة ، تتعلق بتشديد العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية على طهران ، وقد تجاوز أغلب صقور الإدارة الأميركية في ذلك ، ضمنا جون بولتون المُقال ، وبومبيو الثابت وحيدا حتى الآن من صقور إدارة ترامب.
وتشدُّد هوك لم يكن فقط تجاه إيران ، فقد وسع أيضا من ضغوطاته لتستهدف الدول الأوروبية والصين وروسيا ، في ما يخص إيران، ويُقال إن مناوراته الواسعة في الضغوط ، قد تكون المسبب الأول لتدهور العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، الأمر الوارد بقوة ، خاصة بعد الاتفاقية الاستراتيجية الإيرانية الصينية، والتي وضعت العقوبات الأميركية على طهران في مكان آخر بعيدا عن الفعالية ، بعد أن جرَّدتها من عناصرها الأساسية في تصدير النفط الإيراني لبكين وفي توريد الأسلحة والتقنيات الصينية لطهران، بالإضافة لما شكّلته الاتفاقية من خطوة أساسية نحو التأسيس لنقل نقاط ارتكاز الاقتصاد العالمي شرقا .
في الواقع، من غير المنطقي أن يعمد الرئيس ترامب إلى إقالة براين هوك أو إلى دفعه لتقديم استقالته، في هذه المرحلة الحساسة والمهمة من عمر إدارته، وفي ظل ملفين من أصعب ملفات تلك الإدارة ، نعني ملف الانتخابات الأميركية المرتقبة ، والتي ينازع جاهدا كما يبدو الرئيس ترامب لمحاولة الفوز بها ، وملف مشروع القرار الأميركي حول طلب تمديد حظر الأسلحة على إيران، والذي انتهى عمليا (الحظر ) استنادا لبنود ومندرجات الاتفاق النووي مع إيران ، والمعنية بتنفيذه كل من فرنسا وألمانيا والصين وروسيا ، والتي ما زالت ملتزمة به على عكس واشنطن .
من جهة أخرى، يُعتبر بديل هوك في ملف إيران، الدبلوماسي المخضرم اليوت ابرامز، بديلا غير عادي، فهو عايش أكثر من رئيس أميركي، وفي أكثر مراحل السياسة والحروب الأميركية حساسية في العراق والشرق الأوسط، كما أنه، وربما يحمل هذه الموضوع بعدا غير عادي، المسؤول الأساسي عن ملف فنزويلا، وسوف يبقى ممسكا بالملفين الإيراني والفنزويلي معا .
انطلاقا من هذه الملاحظة الأساسية ، حيث سيبقى ابرامز ممسكا بملفي إيران وفنزويلا معا ، وانطلاقا من كون كل ملف من الاثنين ، يحمل من الأهمية والدقة والحساسية الكثير، الأمر الذي سوف يشكل صعوبة غير بسيطة على ابرامز ، لما لحاجة كل ملف من وقت وجهد لمتابعة دقيقة وشاملة ومتواصلة.
يمكن انطلاقا من ذلك أن نستنتج أنه سيكون هناك رابط ما ، بين ملف إيران وملف فنزويلا ، خاصة أن أحد أهم عناصر الخيبة الأميركية مؤخرا ، كان في مناورة إيران فوق البحار ، والتي كسرت من خلالها الحظر الاقتصادي على فنزويلا، في حديقة واشنطن الخلفية تاريخيا ، وعلى مداخل البحر الكاريبي مع السواحل الجنوبية الأميركية .
من جهة أخرى، وبمعزل عن الوضع الإنساني والحاجة القصوى للمساعدات الطارئة الناتجة عن انفجار مرفأ بيروت، وهروع أغلب الدول لمساعدة لبنان لتجاوز الكارثة، كان لافتا كلام الرئيس ترامب مع رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، عن استعداده ( ترامب ) للمشاركة في المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي لمساعدة لبنان، الأمر الذي يمكن وضعه في خانة التسهيل الأميركي تجاه لبنان، أو في خانة تخفيف الضغوط الأميركية على لبنان، والتي كانت تتصاعد بشكل مؤذٍ مؤخرا وبشكل لم يعد لبنان قادرا على مواجهتها، الأمر الذي كان يمكن أن يتغاضى عنه الرئيس الأميركي ، ويستبدله بدعم عادي من دون مشاركة .
من هنا، وحيث لا يمكن فك الارتباط بين ضغوط واشنطن على إيران وتلك التي تُنفذها على لبنان ،على خلفية سلاح ونفوذ حزب الله ( الذراع الأقوى لإيران في المنطقة ) بحسب الأميركيين دائما ، وحيث لم يعد كما يبدو أمام ترامب للخروج من مأزق ( العجز ) أمام إيران، إلا إيجاد صيغة الشكل للتغطية على مضمون التراجع ، فمن المنطقي أن تشكل إقالة براين هوك وتعيين اليوت ابرامز مخرجا للرئيس ترامب، بعد أن يضع من خلال هذا المخرج ، فشل سياسة الضغوط الأميركية على إيران من مسؤولية هوك المتشدد ، والمشابه للمتشدد الآخر " جون بولتون " ، والذي بعد أن دفع الرئيس ترامب للانسحاب وحيداً من الاتفاق النووي مع إيران ، طرده الرئيس من إدارته مع تحميله مسؤولية فشل هذه الإدارة في أغلب ملفات النفوذ الأميركي حول العالم .
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً