قبل 3 سنە
شارل أبي نادر
627 قراءة

مع الهيمنة الأميركية عليهم.. ما قيمة التزامات الأوروبيين أو العرب بأي اتفاق مع إيران؟

من أهمّ آثار المعاهدات الدوليّة لناحية وجوب تطبيقها من قبل جميع الأطراف الملتزمين بها، أن هذه المعاهدات تحمل قوة القانون الدولي. وفي حين تُلزم جميع الدول التي صدَّقت عليها تطبيقاً لقاعدة المتعاقد عند تعاقده، يتوجب أيضاً على أطراف المعاهدة أن يتخذوا الإجراءات الكفيلة بتنفيذها. وإن قصروا بالقيام بهذا الالتزام، تترتب عليهم مسؤوليات قانونية دولية. وإذا عقدت الدولة معاهدة أو اتفاقاً أو اتفاقية ذات طابع دولي (برعاية أو حضور إحدى مؤسسات الأمم المتحدة)، فإن سائر سلطات الدولة وكل رعاياها يلتزمون بتطبيق أحكامها.

هذا في المبدأ، واستناداً إلى مفاهيم القوانين الدولية التي من المفترض أن ترعى علاقات الدول والشعوب، ولكن من الناحية العملية، فإنّ ما يجري حالياً على الصعيد الدولي مختلف تماماً عما يتضمَّنه ويضمَنه القانون الدولي، فبعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، ظهر أطرافُه الأوروبيون بداية معارضين لهذا الانسحاب، وصرحوا حينها (في العام 2018) بأنهم ملتزمون بتعهداتهم، محاولين الطلب من ترامب العودة، وسارعوا إلى فتح مفاوضات جانبية مع إيران للتوصل إلى آلية مالية للتعامل التجاري معها (أينستكس)، تتيح لهم التعامل معها في كل العقود التجارية أو تلك المتعلقة بالنفط خارج إطار الدولار الأميركي، والذي أصبح التعامل به محظوراً بعد العقوبات الأميركية على إيران أو على الشركات الأوروبية التي تتعامل معها.

لاحقاً، وبعد التوصل إلى آلية "أينستكس"، تراجع الأوروبيون عن بدء العمل بها، عارضين على طهران التريث وانتظار نتيجة تواصلهم المستمر مع الأميركيين، وأيضاً من دون جدوى. ويوماً بعد يوم، تسارعت خطوات انسحابهم "عملياً" من الاتفاق، من خلال الإنهاء التدريجي لكل أشكال التعاون التجاري والمالي مع طهران، والتزمت أغلب شركاتهم بحجز أموال مستحقة لإيران بدل مشتقات نفطية كانت تلك الشركات استلمتها قبل العقوبات الأميركية، وبدت تلك الدول الأوروبية (فعلياً) في الموقف الأميركي نفسه حيال إيران، على الرغم من تصريحات مسؤوليها بأنهم ما زالوا ملتزمين بالاتفاق.

اليوم، رمى الأوروبيون جانباً كل التزاماتهم، وأيضاً الموقف الظاهري بأنهم مع الاتفاق، والذي كان متمايزاً حينها عن موقف ترامب، بسبب سياسة الأخير غير المتوازنة معهم، وبسبب تجاوزه الفاضح والمهين لموقعهم ودورهم، وها هم مع الرئيس بايدن الذي تعامل معهم بطريقة دبلوماسية، حتى ولو خادعة، وتواصل معهم بطريقة ودودة وغير فظة، مختلفة بالشكل عن طريقة ترامب، يحملون رايته ويتسابقون لتقديم الولاء له، وخصوصاً الرئيس الفرنسي ماكرون، وارتفع صوتهم أكثر من الأميركيين، منادين بإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، وأصبحوا يزايدون على الإدارة الأميركية، وحتى على "إسرائيل"، لناحية إدخال الصواريخ الباليستية الإيرانية ونفوذ طهران في الشرق الأوسط في أي تعديل مقترح للاتفاق.

أساساً، هذا هو الموقف الأوروبي الحقيقي تاريخياً، وما كان سابقاً (لناحية محاولتهم التمايز عن الأميركيين) كان موقفاً طارئاً، وتبين أنه لم يكن صحيحاً، لأنهم لطالما كانوا خاضعين للهيمنة الأميركية. ومن أهم الأمثلة تاريخياً على خضوعهم للهيمنة الأميركية، اشتراك بريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، خلافاً لأحكام معاهدة الجلاء عن مصر للعام 1954، والتي كان يفترض ببريطانيا بموجبها استخدام قواعدها العسكرية إذا تعرضت مصر لاعتداء خارجي. والمفارقة أن بريطانيا كانت أحد المعتدين الأساسيين على مصر، وذلك بطلب أميركي واضح.

 هذا الأمر المتمحور حول خضوع الأوروبيين للهيمنة الأميركية، نجده اليوم في المواجهة مع روسيا (مع الاتحاد السوفياتي سابقاً)، من ضمن حلف شمال الأطلسي، حيث يكونون دائماً ملحقين بأي قرار أميركي حول معاهدات الصواريخ، أو الأجواء المفتوحة، أو الحد من الرؤوس النووية، أو الموقف من الأزمات مع أوكرانيا أو جورجيا أو جزيرة القرم أو دعم المعارضة الروسية (قضية نافالني اليوم).

أيضاً في موضوع الاتفاق بين بعض الأوروبيين مع روسيا حول نقل الغاز منها إلى غرب أوروبا ووسطها، وعلى الرغم من حاجتهم الماسة إلى هذا الغاز، ولكون الاتفاق مناسباً لهم مالياً ولوجستياً (النقل والتخزين والتوزيع)، فإنّ بعض شركاتهم (وفي ظل غض نظر رسمي من حكوماتها)، التزمت بالعقوبات الأميركية على مشروع خط الغاز (السيل الشمالي 2)، وتأخر تنفيذ المشروع، ولم يكتمل حتى الآن، على الرغم من تجاوز مدة تسليمه حوالى عامين، وذلك بسبب ترددهم وخوفهم من الموقف الأميركي.

من هنا، وأمام هذه الهيمنة الأميركية على الأوروبيين على الصعيد الدولي، كيف يمكن لأي اتفاقية أو معاهدة معهم، تجارية أو سياسية أو تحت أي عنوان آخر، أن تحظى بفرصة النجاح أو التطبيق الكامل، ما لم تكن برضا الأميركيين؟

والأهم، في ظلّ طلب البعض، وخصوصاً الأوروبيين، إشراك بعض الدول العربية في مفاوضات مرتقبة مع إيران حول النووي أو غيره، وإذا كانت أغلب الدول الأوروبية، والتي تعد مبدئياً من الدول المتطورة التي تملك مستوى متقدماً من الإمكانيات المالية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، تمتثل أو ترضخ بشكل شبه كامل للإرادة الأميركية في قراراتها العسكرية أو السياسية أو التجارية، ولو تعارض الموقف مع مصالحها، فماذا ننتظر من هذه الدول العربية المرتهنة بالكامل للسياسة الأميركية، والتي تلتزم بشكل كامل لا نقاش فيه بما تقرره واشنطن؟

واليوم، وإثر اتفاقيات التطبيع التي وقعها بعض العرب مع "إسرائيل"، وبعد أن أصبحت الأخيرة تشترك مع الأميركيين في هيمنتها على هذه الدول المطبّعة وتوجيهها لها، كيف ننتظر من هذه الدول العربية أن يكون لها أي دور أو تأثير مستقل في ما لو انخرطت في مفاوضات مشتركة مع إيران حول الموضوع النووي أو أمن المنطقة أو العلاقات العربية الإيرانية؟

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP