هل تعيش "إسرائيل" تهديداً وجودياً؟
ليس جديداً ما شهدته مؤخراً المناطق الحدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وتحديداً في محيط مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، من ارتباك وتوتر وفوضى تنسيقية وعملياتية لدى الوحدات العسكرية الإسرائيلية، فقد اعتدنا إجمالاً على هذا النمط من التردد والارتباك لدى تلك الوحدات خلال أكثر مراحل الاشتباك الدائم أو الصراع مع العدو الإسرائيلي المحتل، ولكن ما حدث مؤخراً تجاوز الحدّ المعقول أو المقبول لوحدات عسكرية تابعة لجيش "يقال" إنه الجيش الذي لا يقهر أو الجيش الأقوى في المنطقة.
هذا الارتباك الأخير الذي عاشته، وما زالت، وحدات العدو على الحدود، والذي حصل نتيجة "تخيلات" بعض عناصره في منطقة مزارع شبعا بتنفيذ حزب الله عملية ضد بعض مواقعه، رداً على استشهاد أحد عناصره في سوريا، والذي تبين لاحقاً أنه تخيّلات وهمية ولا وجود لها، امتدّ (الارتباك) وانتشر على مستويات الكيان كافة، العسكرية العملانية والعسكرية القيادية والسياسية والإعلامية، ولم يظهر حتى الآن أن تلك المستويات تحررت من هذا التردد والذعر والخوف، في الوقت الذي لا يتعدى أساس هذا الحادث الخطأ البسيط، وقد يقع به أي جندي من حرس حدود أو المكلفين بمراقبة قطاع أو محور.
طبعاً، إذا عزلنا هذا التصرف غير الواعي أو المرتبك لعناصر حرس الحدود عند العدو، يمكن القول إنّ الموضوع انتهى أو على الطريق، ولكن امتداد هذا الذعر لدى العدو إلى المستويات المذكورة، يدفعنا إلى دراسة أسباب هذا الموضوع وأبعاده، وكيف يمكن أن يؤثّر في تماسك إدارة العمليات أو القيادة العليا لدى العدوّ بشكل خاصّ، وبالتالي في وجود "إسرائيل" وإمكانيّة استمرارها ككيان شاذ يحتلّ أرضنا في فلسطين وفي سوريا ولبنان.
الصورة الأكثر تعبيراً عن وضع "إسرائيل" اليوم بعد هذا الحادث غير العابر، يمكن تلخيصها بنقطتين: "إسرائيل" تعيش ورطة أمنية وعسكرية، وفي الوقت نفسه، تعيش ورطة مصيرية. ويمكن تحديد ذلك على الشكل التالي:
الورطة الأمنية العسكرية
أظهر الحادث الأخير عدم التماسك على كل مستويات التراتبية القيادية العسكرية لدى العدو، بدءاً من الخفير الّذي بدأ بإطلاق النار عشوائياً، نتيجة الخوف والذعر والارتباك، على خلفيّة هاجس عملية رد حزب الله، والتي من الممكن أن تحدث في أي وقت، وفي أي مكان، وبأي طريقة ممكنة.
وقد امتدَّ عدم التماسك إلى قيادته المباشرة، التي كان عليها استيعاب الموضوع من الناحية العملانية بداية، وتلقّف المعطيات وتقييمها، والإفادة عنها أو معالجتها، تبعاً للتعليمات العسكرية المتعارفة، وهو الأمر الذي لم يحدث أيضاً، بل امتدَّ عدم التماسك إلى قيادة المنطقة الشمالية، التي عادة ما يُكلّف بها كبار ضباط العدو الأكثر خبرة.
بدورها، لم تستطع القيادة الأخيرة معالجة الموضوع، على الرغم من صلاحياتها الواسعة في تقدير الموقف واتخاذ القرار، ووصل الأمر بعد مروره أيضاً برئاسة الأركان إلى القيادة السياسية، وتحديداً رئيس وزراء العدو، الذي كان رد فعله مستهجناً وغير مفهوم، عند قوله إنّ حادثاً كبيراً يجري على الحدود الشمالية. عبارة "حادث كبير" التي وردت على لسان رئيس وزراء الكيان، من المفترض أن تُفسّر عادة - بحسب المتعارف - بمقتل عدد كبير من الجنود، أو بخسارة عدة مواقع حدودية، أو على الأقل باختطاف عدة جنود، لينتهي الأمر إلى "لا شيء" من كلّ هذا.
يمثل هذا الأمر الورطة "الصّغرى" أمنياً وعسكرياً التي يعيشها العدو اليوم، والتي تظهر على شكل جنود خائفين ومذعورين، مطلوب منهم التراجع عن الحدود خوفاً من صواريخ حزب الله، ومطلوب منهم في الوقت نفسه مراقبة الحدود وحمايتها لمنع تسلّل عناصر المقاومة، وتظهر أيضاً (الورطة) على شكل مستوطنين مذعورين لا ينامون في منازلهم بطريقة آمنة، ويعيشون هاجس دخول عناصر حزب الله إلى مستوطناتهم، بعد أن فقدوا ثقتهم بجنودهم، كما فقدوا ثقتهم بقيادتهم السياسية التي تظهر أيضاً غير متماسكة ومرتبكة وضائعة وخائفة من اتخاذ أي قرار.
الورطة المصيريَّة
هنا بيت القصيد في ما يحدث للكيان الغاصب. صحيح أن الورطة الصغرى الأمنية - العسكرية مهمة وأساسية، ويجب أن يكون لها حل، لأن عدم التخلص منها سيكون كارثياً، وعملياً يمكن أن يكون لها حل قريب، عبر عمل عسكري أو عبر إعادة تنظيم وحدات الشمال ودعمها، ونشر مجموعات متخصصة أكثر، وما إلى هناك من إجراءات أمنية وعسكرية تنظيمية، ولكن يبقى السؤال الأساس: هل تستطيع "إسرائيل" أن تحافظ على فلسفة قيامها، وتحافظ على مفاهيم يهودية "دولة إسرائيل"، والتي تعد أساس وجودها واحتلالها لأرضنا، وهي تقوم على تأمين الأمن والسلام ليهود أقاصي الأرض، ودفعهم عبر إغراءات الأمن والأمان والسلم والرخاء والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي إلى الهجرة إلى "أرض الميعاد"، كما يدّعون، وتثبيت أسس حياتهم ومعيشتهم على أرض فلسطين المحتلة؟
من هنا، وحيث لا يمكن لأحد أن ينكر قدرات "إسرائيل" المالية والاقتصادية والدبلوماسية أو أن يتجاهل موقعها على الصعيد العسكري، لناحية القدرات المتطورة والأسلحة الأحدث والأكثر فتكاً، والأهم أنه لا يمكن لأحد أن يتجاوز ما تحصل عليه من دعم إقليمي ودولي غير محدود، ولكن كلّ ذلك لم يستطع أن يجعلها غير خائفة وغير مذعورة، ولم يستطع أن يبعد الارتباك عن كلّ مستويات قياداتها العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة، بمواجهة حادث بسيط أو بمواجهة حادث غير عادي، وكلّ ذلك لم ولن يستطيع أن يجعل أحداً من شعبها آمناً أو مستقراً، مهما طال زمن احتلالها واغتصابها لحقوقنا، وسيكون مصيرها في النهاية الزوال، أو التخلي عن كلّ ما اغتصبته من أرض وحقوق، والعودة إلى حيث جاءت.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً