المشترك بين رسالتي حزب الله لـ"إسرائيل"، وحرس الثورة الإيراني للأميركيين
شهد الأسبوع المنصرم (بين 15 و18 نيسان/أبريل الجاري) واقعتين من الاحتكاك غير المباشر، تحمل كلّ منها عدة أبعاد عسكرية استراتيجية يجب التوقف عندها. الأولى في خليج عمان، حيث ادَّعى الأميركيون تعرّض كوكبة من سفنهم البحرية المنتشرة في المنطقة البحرية المذكورة لتحرّش خطير واستفزازي من قبل عدة زوارق عسكرية سريعة تابعة للحرس الثواري الإيراني، والأخرى على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، حيث كشفت وحدات الحرس الحدودي التابع للعدو الإسرائيلي عن وجود 3 فتحات في الشريط الشائك الحدودي مع لبنان، مدَّعية أيضاً أن عناصر من حزب الله أحدثوها.
عملياً، حصلت كلّ واقعة في منطقة بعيدة جغرافياً عن الأخرى، ولا ترتبطان ببعضهما البعض، لا في الشكل ولا في أطراف الاحتكاك، فالأولى بين زوارق الحرس الثوري الإيراني والبحرية الأميركية، والأخرى بين وحدات صهيونية وعناصر من حزب الله اللبناني، ولكن هل يمكن، ومن خلال الرسائل البعيدة التي تحملها الواقعتان، إيجاد أي رابط أو قاسم مشترك بينهما؟
الاحتكاك البحري في الخليج
صحيح أنَّ الحرس الثوري الإيراني نفى التصريح الأميركي الذي أشار إلى "تحرش خطير واستفزازي" قامت به الزوارق الإيرانية، ولكن هذا لا ينفي أن وحدات الحرس الثوري الإيراني تنفذ مهمّة دفاعية ثابتة في تلك المنطقة البحرية من الخليج، عبر مناورة مركّبة تقوم على المراقبة والحراسة وتأمين الجهوزية العسكرية المناسبة لحماية مياهها الإقليمية وشواطئها وأمنها بشكل عام، إذ كيف يُسمح للسفن البحرية الأميركية بأن تتواجد وتنتقل بشكل دائم في تلك المنطقة الحساسة، التي تحضن كامل الواجهة الساحلية الإيرانية الشرقية على الخليج الفارسي، عبر نشر عدد كبير من القطع البحرية الهجومية المجهَّزة بقدرات عسكرية كبيرة، وتكون الحركة العسكرية للحرس الثوري والضرورية لحماية أمن إيران تحرشاً استفزازياً وخطيراً؟
في نفيه الادّعاء الأميركي عن "عملية تحرش خطير واستفزازي"، هذا لا يعني أن الحرس الثوري لا يقوم بكل الإجراءات التي تفترضها سيادته على مياهه الإقليمية، أو أنه لا يقوم بما يستوجب احترام خصوصية حيثيته الجغرافية والتاريخية في المنطقة.
وهذه الإجراءات تفترض عملياً تنفيذ مناورة لزوارقه البحرية، انتشاراً أو انتقالاً أو تمركزاً، وخصوصاً أن التواجد البحري الأميركي في منطقة الاحتكاك هو تواجد ضخم، فنحن نتكلم عن البوارج المدمرة "يو إس إس بول هاميلتون" و"يو إس إس لويس بي. بولر" و"يو إس سي جي سي ماوي"، وهو ما يحتاج إلى مساحة واسعة للانتقال وتأمين حماية مباشرة، الأمر الذي يُضيّق مساحة عبور الزوارق الإيرانية العاملة في المنطقة، ويوسّع إمكانيات الاحتكاك أو الاقتراب عند المرور المشترك.
ما أثار حفيظة الأميركيين عملياً أن لزوارق الحرس الثوري الإيراني السريعة خصوصية حسّاسة، بنوها من خلال معلوماتهم عن مصطلح "هجوم النحل"، وهو عبارة عن استراتيجية إيرانية لمواجهة حاملات الطائرات الأميركية في الخليج، من خلال توظيف أسراب القوارب السريعة والصغيرة الحجم من طراز "بليد رانر"، إضافة إلى الغواصات الصغيرة والصواريخ المثبتة على السواحل، والطائرات المسيّرة المحمّلة بالمتفجرات، مع نشر شبكة معقّدة من الألغام البحرية العائمة أو الغاطسة.
فتحات الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة
صحيح أن حزب الله أيضاً لم يتبنَ عملية الفتحات في الشريط الشائك الحدودي، ولكن يمكن اعتبار الموضوع تحصيلاً حاصلاً. أولاً، لأنه في الغالب لا يعلّق على أي احتكاك أو صدام تكون "إسرائيل" أساساً قد تجاهلته أو تجاوزته. ثانياً، من الطبيعي أن لا قدرة لطرف آخر غير حزب الله أن يقوم بتنفيذ تلك العملية الحسّاسة والدقيقة التي جاءت أيضاً في رسالة مشفّرة وواضحة في الوقت نفسه، رداً على عملية الاعتداء التي نفّذتها "إسرائيل" باستهدافها سيارة مدنية لعناصره على معبر جديدة يابوس بين لبنان سوريا من دون وقوع إصابات، وذلك قبل أقل من يومين من عملية الفتحات.
وهنا النقطة الجديدة التي فرضها حزب الله في رسالته بفتح الثغرات على الشريط الشائك الحدودي، والتي هي وصول عناصره إلى خط الربط النهائي مباشرة، قبل الولوج إلى البقعة التي يسهل الانتقال فيها داخل الجليل، حيث تصبح حينها المناورة ممكنة ومتوفرة بسهولة، وتصبح تأثيراتها مباشرة في البقعة الخلفية غير المحصّنة للعدو، لأنه عملياً يكون الخط الدفاعي المتماسك ضعيفاً بعد الشريط الذي تم إحداث الثغرات فيه، والوصول إليه من الخارج، أي من لبنان، يعتبر الإنجاز الأصعب.
واعتباراً منه باتجاه الداخل المحتل، تفقد القوات المدافعة الكثير من عناصرها المنتجة، مثل المراقبة الإلكترونية وحساسات الكشف للصوت أو الصورة، فهي عملياً غير صالحة لكل تحرك داخل الشريط، حيث تختلط تقريباً حركة الآليات العسكرية مع حركة السيارات المدنية لأبناء المستوطنات الحدودية.
أوجه الشبه والارتباط الاستراتيجي بين الرسالتين
من خلال دراسة المضمون العملاني لحركة الزوارق الإيرانية السريعة قرب البوارج والمدمرات الأميركية في الخليج، وما يمكن أن توفره من فرص مؤثرة في حركة الأخيرة، أو من خلال تحليل ما تعنيه أو توفره الفتحات التي أحدثها حزب الله في الشريط الشائك الحدودي مع فلسطين المحتلة من إمكانيات عملانية وعسكرية، يمكن ربط الواقعتين انطلاقاً من المعادلة التالية:
أولاً: بالنسبة إلى حزب الله، لم يعد من الضروري فرض الردع بمواجهة العدو الإسرائيلي بأسلحة كاسرة للتوازن، فالردع الفعال لحزب الله أصبح وارداً وممكناً وقابلاً للتحقق بشكل أكيد اعتباراً من الوصول إلى الشريط، وإحداث الفتحات، وتأمين نقاط ارتكاز لدخول عناصر المقاومة إلى الجليل، حيث المواجهة المباشرة وتأثيراتها في المدنيين من المستوطنين أو في العسكريين من جيش الاحتلال.
وعند تلك المواجهة، لا قيمة لأي قاذفات أو طوافات أو مسيرات إسرائيلية، حتى إن أسلحة الدعم المباشر (مدفعية أو مدرعات) لن تعود ذات قيمة عملانية في تلك المواجهة، وكأن رسالة حزب الله من فتحات الشريط، وبمعنى آخر، تقول:
لا ضرورة بعد اليوم أو لا قيمة لملاحقة صواريخ حزب الله الكاسرة للتوازن، لا في سوريا ولا في لبنان، على الرغم طبعاً من أهمية ثباته واستمراره في تفعيل دور تلك القدرات النوعية عند المواجهة الواسعة.
وبعد اليوم، مع صواريخ نوعية أو من دونه، الوجع الذي سيخلق الردع حاصل بين أزقة المستوطنات ومنازلها، وعلى مفارق طرقاتها الفرعية غير الظاهرة، وأيضاً على مداخل الملاجئ التي كلفت المليارات لمواجهة عصف الصواريخ النوعية.
ثانياً: بالنسبة إلى إيران، مع بقاء القوات البحرية الأميركية في الخليج ومضيق هرمز وسواحل خليج عدن وبحر العرب، حيث مناورة زوارق الحرس الثوري السريعة فاعلة، لن يكون مهماً لدى طهران التركيز على استراتيجية تطوير الصورايخ الباليستية الدقيقة والطائرات المسيّرة المختلفة الاستعمال.
وأيضاً مع أهمية المحافظة على مسار تطوير تلك القدرات، فإن أي استهداف مماثل لعملية استهداف قاعدة عين الأسد أو لأي قاعدة عسكرية أميركية أخرى، سيتم تجاوزه واعتباره ثانوياً، حيث الأهداف الثمينة من مدمرات وبوارج أميركية تنتقل وتنتشر في أحضان تلك الزوارق الإيرانية السريعة، وفي متناول صواريخها وعبواتها الناسفة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً