قبل 2 شهور
أحمد الدرزي
54 قراءة

"طوفان الأقصى"… بين الانفجار والاستمرار

كان اللافت بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لروسيا، ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، تركيز البيان الرسمي على مخاطر التصعيد في المنطقة، والذي لن يستثني سوريا بطبيعة الحال. وهي إشارة مهمة إلى إمكان الذهاب نحو حرب إقليمية ستكون فيها سوريا إحدى ساحاتها الأساسية، الأمر الذي يطرح السؤال بشأن احتمال الانزلاق إلى حرب إقليمية كبرى يمكنها أن تتحول إلى حرب دولية؟

لا ينفصل مشهد لقاء الرئيسين الروسي والسوري في موسكو عن لوحة متكاملة لكل أطراف الحرب المنضبطة والمستمرة حتى الآن في أطراف منطقة غربي آسيا وقلبها، فالعجز الغربي والعجز الصهيوني عن احتواء تداعيات عملية السابع من أكتوبر وما تلاها من مواجهات واسعة، دفعا رئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، إلى أن يشدّ الرحال إلى واشنطن من أجل استعادة المشهد السابق كملك متوَّج في مرحلة العلو الكبير، في ظروف مغايرة عن السابق، بعد أن اطمأن الكيان، ومعه النظام الغربي بأكمله، قبل اندلاع المواجهة الواسعة، إلى أن المنطقة ذاهبة إلى الزمن الإسرائيلي بصورة كاملة، نتيجةً لتوهمه بعجز قوى المقاومة عن الخروج من المأزق السوري، عبر استمرار استنزافها، وليقينه بأن النظام الإقليمي الإبراهيمي، الذي تم إعلان العمل عليه عام 2020، هو في طور الوصول إلى النتيجة المنشودة بقرب حدوث التطبيع مع المملكة العربية السعودية.

أدرك النظام الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، أن الحدث الكبير، الذي تجلى في عملية "طوفان الأقصى"، هو نقطة فاصلة له بين مسارين متباينين كلياً، فهو أمام تطور نوعي مغاير عن كل تاريخ الصراع بين قوى المقاومة والكيان الصهيوني، فهو يحتاج إلى تفريغ محتوى نتائج العملية وتداعياته، فالمسار السابق، الذي أكد نجاحه في السيطرة على محيط الكيان، بصورة كاملة، بدأ التلاشي أمام المسار الثاني الذي يحمل معالم زوال المشروع الوظيفي الذي تم العمل عليه منذ نحو قرنين من الزمان، من أجل منع إعادة البعد الحضاري والبعد الإمبراطوري لما يُعَدّ مركز العالم القديم، الأمر الذي يتطلب تجاوز كل الخطوط الحمراء لمنع تأكُّل الهيمنة الغربية المستمرة في أخطر منطقة في العالم عبر منع الانهيار الذاتي للكيان بعد فقدان السلاح الأخطر لديه، وهو سلاح الردع.

من الواضح أن هناك تصعيداً من جانب النظام الغربي، ليس على مستوى المواجهة في غربي آسيا فقط، بل على مستوى المواجهة مع روسيا في أوكرانيا.

فوفقاً لصحيفة "غازيتا" الروسية، فإن "حلف الناتو يشهد أكبر تغييرات له منذ الحرب الباردة، ووضع 500 ألف جندي في حالة تأهب قصوى، الأمر الذي يشير إلى اهتمام الحلف بالتحضير من أجل صراع محتمل مع روسيا".

في المقابل، هناك استعداد واضح من قوى المقاومة التي تنظر إلى صراعها مع النظام الغربي من زاوية الصراع الدولي في طريق بناء عالم متعدد الأقطاب، وهي تدرك أن زيارة نتنياهو لواشنطن، والاحتفالية المبرمجة له في الكونغرس الأميركي، هما في سياق تصاعد المواجهة.

من هنا، كانت الرسائل الاستباقية التي بدأت مع وصول الطائرة المسيرة يافا من اليمن إلى قلب مركز عصب الحياة للكيان، في "تل أبيب" (يافا)، والتي استدعت رداً إسرائيلياً أميركياً متجاوزاً الخطوط الحمر للصراع، فكان الرد بالتصعيد من حزب الله، عبر رسالة "الهدهد 3"، قبل أن يصعد نتنياهو إلى مسرح الكونغرس. وتتابعت الرسائل عبر ضرب قاعدة "عين الأسد" في العراق، ومكان وجود الأميركيين في حقل كونيكو السوري شرقي الفرات.

هذا المشهد التصاعدي العام للمواجهة لا يمكن استبعاد انزلاقه نحو انفجار المواجهة الإقليمية الكبرى، وفق تصور قوى المقاومة. من هنا، أتت أهمية رسالة "الهدهد 3" كرسالة رادعة للكيان ولكل القوى الخلفية الداعمة له، وهي تسعى لضبط المواجهات ضمن المستويات التي لا تؤدي إلى حدوث حرب مدمرة، ما دامت نتائج المعارك المستمرة تُثمر، في كل يوم إضافي من استمرارها، مزيداً من تعزيز عوامل التأكّل الداخلي للكيان، على الرغم من استعدادها للمواجهة الكبرى بعد عمل متراكم على مدى أكثر من أربعة عقود من انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

والقوى الآسيوية، مُمَثلةً بروسيا أولاً، والصين ثانياً، ليست بعيدة عن هذه الأجواء. فطبيعة البيان، الذي صدر في موسكو بعد زيارة الرئيس الأسد لموسكو، تنمّ عن استعداد روسي لأي انزلاق نحو الحرب الإقليمية، التي إذا اندلعت فإن احتمال تحولها إلى حرب عالمية وارد جداً في ظل أجواء الجنون الحاكمة لقادة النظام الغربي، الذي لا يستطيع تحمل ذهاب مركز القرار العالمي من الغرب إلى الشرق، وفقدان الغرب نتائج هيمنته على مسارات الاقتصاد والسياسة خلال القرون الخمسة السابقة، وخسارته كل سرقات شعوب العالم.

في كل الأحوال، فإن قرار محور المقاومة هو عدم التراجع أي خطوة إلى الوراء، بل الاستمرار حتى النهاية في منع الاستفراد بحركة "حماس" ومنع هزيمتها، مهما كلف الثمن.

فوحدة الساحات، التي تحققت من الناحية الفعلية، أنتجت معادلة "الجميع للواحد والواحد للجميع" من منطلق إدراك ما مفاده أن هذه الحرب الطويلة المنضبطة ضمن الحدود المرسومة هي حرب وجودية للمحور، كما هي حرب وجودية للكيان ولأحادية النظام القطبي.

وليس من المبالغة التأكيد أن هذه المواجهة مع النظام الغربي هي الأكبر والأكثر فعالية منذ الحروب مع الفرنجة منذ ثمانمئة عام. وتداعياتها الإيجابية على مستقبل منطقة غربي آسيا، خلال العقود المقبلة، ستكون ذات أثر عميق في الجغرافيا السياسية والاقتصادية والديمغرافية لهذه المنطقة من العالم، إذا تم العمل على تسييل النتائج بنظام إقليمي جديد وناهض.


لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP