قبل 10 شهور
أحمد الدرزي
161 قراءة

محاكمات عناصر "داعش" بين الإحياء والاستثمار

الاشراق | متابعة.
مشروع محاكمة عناصر "داعش" ليس جديداً، فقد طُرح سابقاً عام 2019، لكنه لقي رفضاً حاداً من الولايات المتحدة واعتذاراً من فرنسا.

أثار القرار الذي اتخذته الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا بالبدء بمحاكمة عناصر "داعش" الكثير من التساؤلات عن دوافع إصداره في هذه المرحلة وأبعاده، على الرغم من أن المحاكمات لن تغير مصير هؤلاء العناصر في السجون، باعتبار أنَّ حكم الإعدام ملغى في المحاكم التي أسّستها الإدارة بمعزل عن القضاء السوري، وأن الأحكام التي ستصدر لن تغير وضع السجناء في سجونهم منذ عام 2017، بانتظار توافق دولي على مصيرهم النهائي.

لا شكَّ في أنّ بقاء ما يقارب 60 ألفاً من عناصر "داعش" في سجون غير مؤهّلة كسجون، إنما أغلبها مدارس حكومية سابقة، يجعل القلق هاجساً مستمراً لسكان المنطقة، وخصوصاً بعد محاولات هروبهم من سجن الحسكة، مع ما تسببت به من كارثة ذهب ضحيتها 151 مقاتلاً، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية من جراء تأمين مستلزمات حياتهم، فضلاً عن أعباء عائلاتهم في المخيمات ورفض أغلب الدول استلام أبنائها في السجون، وخصوصاً دول الاتحاد الأوروبي.

مشروع محاكمة عناصر "داعش" ليس جديداً، فقد طُرح سابقاً في "المنتدى الدولي حول داعش" الذي نظمه "مركز روج آفا للدّراسات الاستراتيجيّة NRLS" في مدينة عامودا في الشهر السابع من عام 2019، والذي حضرته شخصيات أكاديمية فرنسية وأميركية مقربة من مراكز القرار السياسي في البلدين، إلى جانب أكاديميين عرب من العراق ومصر.

وقد تم فيه طرح إنشاء محكمة دولية في شمال شرقي سوريا لمحاكمة عناصر "داعش"، ولكنه لقي رفضاً حاداً من ممثلة الولايات المتحدة، إضافةً إلى الاعتذار الدبلوماسي من ممثل فرنسا، ما أدى إلى طيّ موضوع المحاكمة.

تغيرت الظروف الدولية والإقليمية، وأصبحت الولايات المتحدة في حلِّ من التوافق مع روسيا في سوريا، وخصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا التي تورّطت فيها بشكل عميق وواسع، وهي تريد العمل على إحباط المصالحة السورية التركية التي يتم العمل عليها في إطار منصة أستانة الرباعية، والتي قد تشكل ضغطاً على الجماعات المسلحة في شمال غربي سوريا بفرض حل سياسي عليها، وتدفع نحو تقويض وجود الاحتلال الأميركي في منطقة الجزيرة السورية، وربما في التنف أيضاً، وهذا ما لا تريد حصوله ما دامت مستمرة في الصراع الدولي.

لا يتوقف الأمر على ذلك، فهي تسعى من خلال هذا الموقف للضغط على كل الدول التي تورط أبناؤها في الحرب السورية، والتي لا تريد أن تستردهم بأيّ شكل من الأشكال، وخصوصاً دول الاتحاد الأوروبي، التي سيُطلب منها الاعتراف بشرعية المحاكمات باعترافها بشرعية الإدارة الذاتية التي نظَّمتها.

من هنا، يمكن وضع قرار محاكمة عناصر "داعش" ضمن إطار الصراع الدولي، وبدفع من الولايات المتحدة أو برفع الفيتو عن استخدام المحاكمة كإطار سياسي لشرعنة الإدارة الذاتية، وهو ما كانت تسعى إليه في المنتدى السابق. ومن خلالها، يتم تأمين وضع الإدارة الذاتية وحمايتها من مخاطر توحيد سوريا ومن اجتياحات تركية جديدة.

دمشق لا تنظر إلى هذه الخطوة بارتياح، لأنها تدرك خلفيات القرار ببعده الأميركي، فهو سيزيد تعقيدات الكارثة السورية، ويدفع إلى تأخر توقيت خروج سوريا من كارثتها، وازدياد تحديات وحدة السوريين جغرافياً وديموغرافياً، ونجاح مشروع المحاكمات سيعزز ما تعتبره انفصالاً واقعياً، وسيترسخ باستمرار بقاء قوات الاحتلال الأميركي والتركي المترافق مع إعطاء الشرعية للإدارة الذاتية واحتمال انفتاح الدول الغربية على هذه التجربة.

هذا القرار سيؤثر فيها بالتأكيد في حال نجاح خطوة المحاكمة في زيادة تعقيدات الوصول إلى اتفاق سياسي عام، عدا عن تأثيراته الاقتصادية التي ستدفع الإدارة الذاتية إلى الانفتاح على أربيل والسليمانية اقتصادياً، بما يعزز الانقسام الذي يمكن أن يؤدي إلى الانفصال الكلي.

على الرغم من مخاطر إجراء هذه المحاكمات التي بدأت من الناحية الإجرائية، فإن مشروع المحاكمات الجديد لا يخرج عن إطار الرسائل متعددة الاتجاهات للقوى الإقليمية والدولية، فالرسالة واضحة المعالم، وهي أميركية بمحتواها وموجهة إلى دمشق وأنقرة وموسكو وإيران في الدرجة الأولى.

تؤكد هذه الرسالة أنَّ الولايات المتحدة هي اللاعب الأساسي والوحيد في المنطقة، وهي من يحدّد ساحات اللعب والمشاركين واللاعبين، وأنها تخلَّت عن موانع حسابات القوى الإقليمية والدولية، وأنها قادرة على تقويض كل التوافقات الإقليمية التي لا تصب في مصلحتها، كما أنها لن تتخلى عن وجودها في منطقة غرب آسيا التي أعادت الاهتمام بها نظراً لأهميتها الاستراتيجية، بعدما ملأت الصين الفراغ الجزئي فيها، وخصوصاً بعد رعايتها الاتفاق السعودي الإيراني.

يبقى الأمر أن هذا ما تعمل عليه الولايات المتحدة في سوريا، ولكنها ليست الوحيدة في ذلك، فهناك قوى إقليمية ودولية لها رأي آخر، وهي تعمل على تقويض التهديدات الأميركية من خلال اجتماعها واستمرار تحديها.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP