قبل 7 ایام
محمد جرادات
31 قراءة

الحاج علي والمرداوي ومعركة المخيّم في تجدّدها

يراهن المحتلّ على انشغال العالم بترددات الصفقة في غزة، ومتابعة محطات تنفيذها، ليهدم مخيم جنين بصمت، حيث الإعلام المحلي والعالمي يلاحق التطورات القريبة والبعيدة، وليس ثمّة متسع لجنين ومخيمها!

أطل القائد ثابت المرداوي بصحبة الحاج علي الصفوري من غياهب سجون الاحتلال، ومعهما قامات الأبطال التي غيّبها الأسر الإسرائيلي عقوداً من الزمن، وكانت ذخيرتهما قد نفدت في معركة مخيم جنين سنة 2002، ليخرجا اليوم من الأسر وما زال المخيم يقاتل كلحظة فارقاه، عبر جيل متجدّد تربّى على وقع تلك المعركة وقد حفظ وصية الشهداء والأسرى، فامتشق أمانة المخيّم حيث مفاتيح البيوت العتيقة في حيفا واللجون وصفورية ما زالت تزيّن صدور البيوت المؤقتة هنا في مخيم جنين، بيوت ينسفها المحتلّ اليوم مجدّداً ليغتال معها تقليد الفلسطيني في زينة المفتاح ورمزيّته التاريخية.

انتشرت صورة الحاج علي والمرداوي الحديثة بعد أن وصلا القاهرة محرّرَين بفضل تضحيات غزة، وقد ظهرت عليهما آثار كهولة بعضها على وقع زمن يمضي بالجسد مثخناً، وبعضها نتاج وحشية إسرائيلية طال عليها الأمد حتى جاء عبور السابع من أكتوبر ليصنع الأمل محفوفاً بالعذاب العبري في أوج جحيمه، ولكنها صورة هذا الثنائي في أزقّة المخيّم قبيل اندلاع المعركة ظهرت أيضاً حيث الفارق أكثر من عقدين من تضحيات المخيّم.

 صورتان رأى فيهما الناظر فارق الزمن على جسدين مثخنين بالعزيمة، وقد كتب الله لهما التجدّد والانبعاث، ولكن الناظر لم يلحظ قصّة المخيّم في بريق عين الحاج علي الصفوري ابن هذا المخيّم حيث ولد وتربّى وقاد المواجهة، دخل الأسر هو وثابت ومعهما العشرات ممن قاتلوا حتى الطلقة الأخيرة، وها هم للمفارقة التاريخية لحظة تحرّروا من الأسر بعزيمة المواجهة ولظى الحرب، وجدوا المخيّم في عين العاصفة يقاتل كلحظة الفراق، فما زالت في جعبة حارة الدمج وجورة الذهب وحيّ السمران قنابل موقوتة، تركها جنرال المعركة محمود طوالبة لتواصل الانفجار عبر مواقيت تعزف للتضحية لحناً ليس فيه رخصة ولا استراحة محارب.

خرج القائدان مرفوعَي الهامة وجيل المواجهة المتجدّدة في زمن العموري والحصري والزبيدي، تتخطّفه الرماح الغادرة وألسنة من صديد وجبروت العبري يهدم المخيّم من جديد، حرية حمراء بين هدمين، أطلق هزيعها السنوار لتدقّ كلّ جدران الأسر، حتى لو تراكمت بيوت غزة أطلالاً ومعها شقيقة الروح جنين، فالمعركة لا يوقفها دم شهيد ولا نسف بنيان، إنها معادلة الصمود عبر أجيال، وهنا تأتي حرية رجال الميدان وقادة المعركة، كتعبير دلاليّ رمزيّ ظهر جلياً في تجاعيد الزمن على وجه ثابت المرداوي المتحفّز لامتشاق القلم في وجه التضليل، فالمعركة في المخيّم ليست معها هدنة حتى لو تمّ تجريف الزقاق وقام عليه النواطير، هو المخيّم في عناده كالسنوار في طوفانه، حيث المخيّم ثقافة وحاضنة تنتقل عبر الجغرافيا كثابت تاريخي وأصل عقائدي، لا يلوّثه تهريج ولا محاولات شيطنة.

تنبعث أرواح قادة المخيّم، ليتبعها بطل ملحمة النفق زكريا الزبيدي بفاصل أيام تأتي ربما، بعزيمة القسّام والسرايا وتضحيات غزة وجنين وطولكرم، انبعاث ملحمي يأخذ الأجساد حيث يأخذها، ولكنها روح المخيّم تسكن هنا لتتوزّع مع عذابات الكتيبة حيث صار المخيّم قصة وزقاقاً وحاضنة في كلّ الحارات الأصيلة من أعماق طمون وطوباس حتى عرابة والحارثية، فالمخيّم كتباشير الصبح في قسمات الحاج علي الصفوري وبين خيوط لحيته الكثّة، عابر لحدود أمة واحدة إلى القاهرة وتونس والجزائر، وهي المعركة في نبضها تعزف صرخة الرفض وعزيمة الثوّار، هو عناد جنين وجنون غزة وآلاف من الأسرى يكسرون القيد ليرفعوا الراية حيثما حطّ بهم الترحال وحملتهم المنافي.

مخيم بين صورتين وعقدين من الزمن في هيئة المرداوي والصفوري، اختلف المكان ولكنه زمن واحد تحجّر في جذوع المخيّم وهي تصارع الآن أرتال الجرّافات العملاقة، وهي تحاول عبثاً إعادة هندسة شوارع المخيّم لتفقد الكتيبة حاضنتها الجغرافية والشعبية، جاءت طلة الأسرى لتنعش الذاكرة وتدهس الجرّافة، ومعها كلّ أحلام المراهنين على لحظة رفاهية في دياجير العبودية.

يراهن المحتلّ على انشغال العالم ومعه الشعب الفلسطيني، بترددات الصفقة في غزة، ومتابعة محطات تنفيذها، ليهدم مخيم جنين بصمت، حيث الإعلام المحلي والعالمي يلاحق التطورات القريبة والبعيدة، وليس ثمّة متسع لجنين ومخيمها في مواجهة أوسع اجتياح وحشي منذ عام 2002، ذلك الاجتياح الذي أطلق عليه المحتلون مسمّى السور الواقي، وهذا الذي أطلق عليه السور الحديدي، مسمّيات متقاربة تعكس حقيقة وعي الاحتلال بأنها معركة واحدة متجدّدة.

 وهنا عبر تقارب المسمّيات في العقل الإسرائيلي جاءت رمزية تحرّر القادة لتعطي الوجه المقابل للصورة، فالسور الحديدي الإسرائيلي الذي يسعى اليوم لنزع الأمل من قلوب الشعب، وفق عقيدة الزعيم الصهيوني زئيف جابوتنسكي، ملهم نتنياهو وصاحب هذا المسمّى بالأساس، كحال شاؤول موفاز قائد هيئة أركان "الجيش" الإسرائيلي عام 2002، والذي أطلق شعار كيّ الوعي الفلسطيني عبر اجتياح السور الواقي، محاولات عبثيّة من نزع الأمل وكيّ الوعي عبر الأسوار والجدران، لتعكس متلازمة السور والجدار في الفكر الإسرائيلي والذهنية الاجتماعية اليهودية، باعتبارها عقدة نفسيّة يبدع المحتلّ في محاولة التخلّص منها بقصف رؤوس الشعب المظلوم من أهل المخيّمات.

يتألم مخيّم جنين بالهدم ومحاولات الشيطنة، ولكنّ الجدار الحديدي كحال الجدار الواقي، يتساقط مع حرية قادة معركة المخيم وأسرى بطولاته، حيث الأمل ينبعث في وجه اليأس والحقد التلمودي، وحيث الوعي يتجلّى عبر هذا الجيل المتحرّر من زخارف الدنيا وليس ثمة عشق في جنونه إلا أنشودة مَنْ يُكْرِم الشهيد يتبع خطاه.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الإشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP