لماذا أربع فرق عسكرية إسرائيلية في الشمال؟
تأتي كمائن قوات "الرضوان" المتلاحقة تباعاً على امتداد قرى الحافة، لتجيب عن سؤال إدخال فرقة إسرائيلية رابعة للقتال في جنوب لبنان، فمن كمين اللبونة غرباً والذي احترقت فيه دبابات التوغل وآلياته عبر البث المباشر في قناة الميادين، إلى تدمير قوات النخبة في وحدة "إيغوز" قرب عديسة وكفر كلا شرقاً، مروراً بمهزلة محاولة رفع العلم الإسرائيلي قبالة مارون الراس في القطاع الأوسط من قرى الحافة، وهو ما أوقع 37 قتيلاً و200 جريح من ضباط هذه الفرق وجنودها.
خسائر بشرية متلاحقة في قوات النخبة الإسرائيلية، أرهقت وحدة إنقاذ الطيران الإسرائيلية رقم 669، عبر عشرات النقليات لمشافي الشمال في صفد و"نهاريا" وحيفا، ثم إلى مشافي القدس و"تل أبيب"، لتعلن الفرق العسكرية الثلاث عجزها الضمني عن تحقيق أدنى تقدم على الأرض في مواجهة قرى مستنزفة بمئات الشهداء منذ عام مضى من إسناد الطوفان.
دخلت الفرقة 146 جبهة الهجوم البري الإسرائيلي، وتُعدّ فرقة الاحتياط الأولى التي تنخرط في هذا الهجوم، وتُعرف باسم وحدة يفتاح، وهي متخصّصة في العمليات المدرّعة والقتال البري، وتضمّ اللواءَين 2 و205، وكانت هذه الفرقة قد تأسّست بعد عام 1956، وتضمّ عدداً كبيراً من الدبابات والمدرعات الثقيلة للمساعدة في تعزيز قدرة "جيش" الاحتلال على المناورة، وسبق لها أن شاركت في عدة حروب أبرزها حرب 1973 في جبهة الجولان، وقبل ثلاثة أشهر هاجم حزب الله مقرّ قيادتها المستحدث شرق "نهاريا"، بسرب من المسيّرات الانقضاضية.
وكانت الفرقة 91 هي الفرقة الثالثة التي انضمّت إلى العملية البرية في لبنان الأحد الماضي، وتُعرف باسم فرقة الجليل، وهي مسؤولة رسمياً عن الجبهة الشمالية، وتضمّ 7 تشكيلات عسكرية أبرزها اللواء 300 مشاة، واللواء 8 المدرّع، والكتيبة 869 للاستخبارات الميدانية، ولواء الاحتياط 3، ولواء الاحتياط 8، ولواء الناحال الشمالي.
ومنذ بداية 2024، تتمركز الفرقة 36 في المناطق الحدودية مع لبنان، تحضيراً للمواجهة مع حزب الله، وتُعرف باسم "تشكيل البركان"، وتُعدّ أكبر التشكيلات العسكرية العاملة ضمن سلاح المدرّعات في "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، وتأسّست عام 1954، وتتبع للقيادة الشمالية، وتتكوّن من أربعة ألوية هي: غولاني، واللواء السابع، واللواء 188، واللواء 282، ولواء عتصيون، وشاركت في جميع الحروب التي شنّتها "إسرائيل" على الفلسطينيين والعرب.
وكانت الفرقة 98 هي الفرقة الأولى التي قادت العملية البرية في لبنان، وتُعرف باسم "تشكيل النار"، وهي فرقة مشاة احتياطية تابعة للقيادة الإقليمية المركزية، وتضمّ 7 ألوية من المظليين والكوماندوز السابع المدرّع، وتُوكل إليها المهمات الصعبة والمُعقّدة. نفّذت الفرقة عمليات عسكرية واسعة خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قبل نقلها إلى الحدود مع لبنان قبل عدة أسابيع، وتأسّست عام 1974، وشاركت في اجتياح لبنان عام 1982، كما شاركت في حرب 2006 على لبنان، إلى ذلك توجد الفرقة 210 على الجبهة الشمالية، حيث تتولّى مهمات حماية الحدود مع سوريا.
حشد "الجيش" الإسرائيلي هذه الفرق الأربع، وربما يستقدم المزيد، للقيام بهجوم واسع عبر الحدود اللبنانية- الفلسطينية، بعد أن فشلت كل محاولات التقدم عبر القوات الخاصة، وهو الهجوم المعزز بقوة نارية هائلة، لكنه يفتقد إلى الاستراتيجية بعد أن انصب الجهد العسكري على محاولة رفع علم أو أخذ صورة إعلامية، لترفع الحرج عن المستوى السياسي الإسرائيلي الذي ما زال يشعر بالغطرسة والنشوة بعد النجاحات الأمنية في الضاحية، لا سيما اغتيال الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله وبعض قادة "الرضوان" بعد تفجيرات "البيجر".
استراتيجية العبور الواسع إلى الحافة اللبنانية عبر القطاعات الثلاثة، وهو الذي تطلب هذه الفرق العسكرية الأربع، يمكن أن يساعد "الجيش" في الاجتياز البري تحت نار قوات "الرضوان"، ويمكنه أيضاً تغطية الاستقرار والتموضع النسبي داخل قرى الحافة، ليتمكن من الإعلان عن نجاح سيطرته الجزئية المحدودة وفق إعلانه المسبق عن طبيعة العملية البرية داخل الأرض اللبنانية، مع استهداف مرابض المقاومين عبر تغطية عسكرية شاملة، ولو نتجت من ذلك خسائر بشرية واسعة في صفوفه، يتكتم عن بعضها ويكشف عن بعضها الآخر بحسب قواعد النشر المتاحة.
راوحت التوغلات الإسرائيلية مكانها منذ أسبوع مضى، بعد أن نجحت المقاومة في تجزئة كل هجوم إسرائيلي إلى ثلاث شطائر، وفق معادلتها النارية وصخورها التجسسية، عبر عزل مقدمة الهجوم عن جسمه الأساس بالعبوات الناسفة وحقول الألغام، ثم عزل الهجوم كله عن فرقة الإنقاذ بصواريخ "بركان" التي حوّلت ظهر الهجوم إلى حرائق نارية وانفجارات هائلة وهو ما عقّد كل محاولة إنقاذ، خصوصاً بعد استهداف الطيران المروحي بالصواريخ المضادة ما اضطره إلى الهرب.
تكلف "الجيش" الإسرائيلي 20 قتيلاً وجريحاً في محاولة أخذ صورة طلبها نتنياهو عصر الجمعة، عندما تقدمت قواته بعد تغطية نارية مدفعية وجوية من محورين باتجاه بلدتي مارون الرأس ويارون عند الحافة الأمامية، ليتم القضاء على الهجوم وانسحاب القوة بشكل مذل، وجاء استقدام الفرقتين الثالثة والرابعة بعد هذا الفشل الميداني، وفي حال وقعت هذه الفرق ضحية ضغط المستوى السياسي على "الجيش" للعبور الواسع الفاقد إلى العمق الاستراتيجي، عندها سيجد حزب الله فرصته التاريخية في سحق كتائب كاملة من الدبابات عبر البث المباشر، ما يحوّل نجاح الصورة الإعلامية إلى هزيمة عسكرية وتحوّل دراماتيكي ميداني تقرر مداه قيادة "الرضوان" وحدها على الأرض.
جاء هجوم حزب الله الواسع على حيفا بنحو 120 صاروخاً دفعة واحدة، عقب كلمة الشيخ نعيم قاسم مباشرة، ليضغط على أعصاب المستوى السياسي الإسرائيلي في دفع "الجيش" نحو التهور لتقديم معطى إسرائيلياً ميدانياً يعزز نجاح الاغتيالات الأمنية، ولا يخفى أن معادلات القصف الصاروخي للمقاومة تخضع لمتطلبات الميدان على الأرض، حيث المراهنة الحاسمة في كسب الحرب، وهو ما ظهر في جوهر خطاب الشيخ نعيم قاسم، وليس مجرد الزهو بمعركة غارات جوية أو ضربات أمنية على خطورتهما، من دون القدرة على مراكمة تحوّلات في الوعي النفسي أو المباني التنظيمية للمقاومة.
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة