قبل 2 اسابیع
محمد جرادات
110 قراءة

أربعون يوماً من الاختبار لأربعين عاماً من العطاء

توزّعت رزنامة الاختبارات في أربعين يوماً مضت كأنها ثقل التاريخ منذ كربلاء، ولكنها خيبر المتجدّدة منذ البيجر والاغتيالات، يعزف لحنها رجال الله في جليلوت مع صباحات تل الربيع.

مرّت هذه الأربعون يوماً بثقل الأربعين عاماً التي سبقتها، وبينهما قصة أمّة في رجل، أمّة حزب الله في شخص نصر الله، منذ ثمانينيات القرن الماضي بدأ العطاء، وقبل أربعين يوماً بالساعات والدقائق والثواني، بدأت رحلة الغياب أو هو الحضور الاستثنائي لبصمات سماحة السيد في فعل رجال الميدان، وهم يجذّفون في أعالي الطوفان، يقبضون على ناصية الريح وهي تسوق سواري سفينة نوح في تجدّد مبعث نهوض الإنسانية في وجه الإبادة الوحشية.

أربعون يوماً على شهادة السيد، وزخم حضوره مع كل صاروخ أو مسيّرة تضيء عتمة هذا الوطن، ومع كل خطوة لرجال الله من العديسة حتى الناقورة، خطوات بعمر الزمن في أربعين عاماً من العطاء لأمّة حزب الله، منذ أحمد قصير في حاكمية صور وعماد مغنية في مارينز بيروت، مروراً بوادي الحجير وانظر إليها تحترق في الوعد الصادق، حتى بنيامينا وقيسارية في أولي البأس الشديد، عطاء حسن نصر الله الذي لا ينضب ومعينه الذي منه نرتوي أبد الطوفان مع هنية والسنوار والعاروري ووحدة الساحات مع طارق عز الدين وخضر عدنان.

جاءت اختبارات أربعينية سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، متضافرة تجاوزت الميدان العسكري والصراع الأمني في أشدّه، لما هو المعترك السياسي وكثيرون في لبنان لا يفهمون لغز وحدة الجبهة مع غزة، أو لا يريدون أن يفهموا، وقد اعتادوا سياسة المصالح الشخصية والحزبية والطائفية، وربما يفهم بعضهم ثقافة التضامن مع غزة بوقفة احتجاجية أو رسالة مناشدة واستجداء أو بيان إدانة واستنكار.

 وَحدهُ حزب الله بعجينة سماحة السيد التي سدّدت بوصلة الوفاء وعبرت فيها حاجز التاريخ من صحراء الطف، ليغدو الحسين اليوم هو ذلك الطفل في بيت لاهيا وتلك السيدة في الشجاعية وذلك المقاوم في جباليا، أمّا يزيد فليس إلا نتنياهو وهو مطرود صبيحة كلّ سبت من مسيّرة تتعقّبه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

توزّعت رزنامة الاختبارات في أربعين يوماً مضت كأنها ثقل التاريخ منذ كربلاء، ولكنها خيبر المتجدّدة منذ البيجر والاغتيالات، يعزف لحنها رجال الله في جليلوت مع صباحات تل الربيع، وفي رامات دافيد مسافة سهم من حيفا وجنين، ومليون مستوطن يختبؤون مع نتنياهو في الملاجئ، والكيان يقف على أعتاب ردّ إيراني غاضب منذ الاغتيالات والاعتداءات.

جاء رحيل السيد وهو بمثابة الروح من الجسد في أمّة حزب الله، كوقع الزلزلة في عمق الأرض، لينظر كلّ فارس من فرسان الميدان نحو مسؤولياته مباشرة، وسط معمعان الحرب وقد اشتدّ أوارها عبر صفيح البرّ وفضاء الجو، وخلف كلّ جدار وباطن كلّ أخدود ثمة سؤال الأطنان الثمانين وهي تغور في أعماق الضاحية الشهيدة مع عقيل ونصر الله وصفي الدين، ولكنها أمانة السيد في عنق الشيخ نعيم قاسم يبسط لها ذراعيه وبينهما الروح والوجدان، ووصية غزة تاج الرأس يرخص دونها كلّ غال، ووهج كلمات السيد الأخيرة دين في عنق الزاحفين نحو الجليل. 

شهر من القتال عبر قرى الحافة اللبنانية، ليدرك قادة "جيش" الكيان أخيراً أن الاغتيالات والتفجيرات ورحيل السيد ما زاد رجال الله إلا توقّداً وحماساً في حفظ الأمانة، ليقول قائلهم إن الحزب استعاد توازنه وقد تجاوز أصداء الزلزال، توازن وفق طبيعة فهم هؤلاء الذين يرون الواقع بسطحية، ليس لها في ميزان رجال الله موضع أثر.

وحدها غطرسة نتنياهو بلسان المبعوث الأميركي هوكستين، تريدها وصاية على لبنان، والظن أنه قد انكشف بعد اغتيال نصر الله، وهو الحدث الأخطر في تاريخ "إسرائيل" منذ نشأتها بحسب وزير الحرب يوآف غالنت، وما دام كذلك فليتمّ استغلاله بكلّ حرص وعناية، ولكنه زرع سماحة السيد يورق ويغدق ويملأ الفضاء عبقاً، أنّى له أن يذوي وقد اختصر الشمس في راية الغالبين، منذ راغب حرب وعباس الموسوي واختبارات الفتن الداخلية والألاعيب السياسية ولقمة العيش ليسقط السلاح فما سقط، ولينسى حزب الله غزة كما نسيها العربان فهل يفعل؟

نثر الغادرون كلّ ألاعيبهم، وامتشقوا كلّ أسلحتهم ليجهزوا على درّة تاج المقاومة، وما علموا بغفلة منهم أن أربعين عاماً من العطاء والبناء والجهاد، غرست في القلوب إيماناً لا ينضب، وفي العقول توقّداً من الوعي الرسالي بالمسؤولية الأخلاقية والشرعية، وعمّدت في جسد المقاومة مداميك متراصة أسنانها، ليكون معها كل مسار ليس فيه استشهاد وتضحيات وابتلاءات مجرد ترف لا مكان له في عالم الرضوان ونصر وعزيز وكل أمة حزب الله.

يحمل اكتمال الأربعين في احتراق حظ الشيطان من النفوس، معالم نهوض الروح لتبعث في الجسد الحياة، وهي هنا حياة المظلومين على امتداد المحور بل الأمة، وسط جحيم الحرب التي يراد منها إخضاع المقاومة وتفكيك حاضنتها، بأشلاء الأطفال والنساء والعجائز الذين تباد منهم جموعٌ كل يوم ومع إطلالة كل نهار، وعيونهم ترقب الخيول الزاحفة بالنصر، والنصر في جبهة لبنان يشرق عبر قيسارية جديدة وقد نفد وقت نتنياهو الافتراضي، أو عبر وادي الحجير مضاعفاً بالزمان والمكان أو الصلاة في جامع عكا جماعة.

مرت هذه الأربعون يوماً كأنها قنطرة الرحيل نحو بدايات الانتصار، فالصمود محطة في ثناياها، ليفتح بوابة النصر وقد اكتمل فجر الأربعين سنة من العطاء، وانبلجت عتمة الابتلاء بصباحات الإمام عليّ وهو يقتلع بوابة خيبر ويطيح برأس ملكها مرحب، ويصدح بلال بتكبيرة العيد فوق ذرى جبال عامل والجرمق وحرمون.


إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الإشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP