قبل سنە
بثينة شعبان
200 قراءة

سرديّة بديلة

سرديّة بديلة

لقد وصلت الصين مرحلة تمكّنها من أن تكون نموذجاً للثقة بالنفس والتاريخ والمستقبل، ومثالاً يُحتذى لكل الدول التوّاقة فعلاً لنفض الاستكبار الغربي عن كاهلها.

تقريباً كلّ ما نعرفه عن الصين أو عن أي بلد أو حضارة أخرى هو نتاج ما زرعه في عقولنا إعلام غربيّ متمرّس، جعل وظيفته الأساسية منذ قرن مضى صياغة عقول البشر ومفاهيمهم عن بعضهم البعض، بما يخدم المشروع الاستعماري الغربي القائم على استعباد الشعوب ونهب ثرواتها وتبعية دولها للسياسات الاقتصادية الغربية، وتقوم وسائل الإعلام الغربية بترديد الصفات والأحكام على مدى سنوات كي تصبح جزءاً من ثقافة القارئ أو المشاهد أو المستمع حتى وإن تناقضت مع الواقع المعيش والملموس تناقضاً مطلقاً. 

وقد ازدادت وطأة هذه السردية وخطورتها على المعرفة والأحكام مع ازدياد طغيان وسائل التواصل الاجتماعي وتراجع القراءة والبحث الدقيق على المستوى العالمي. ولذلك فإن المكتشف عيانيّاً لبعض الوقائع من الصين الحقيقية، على سبيل المثال لا الحصر، لا يملك إلا أن يراجع جملة من المفاهيم التي غرسها الإعلام الغربي في وجدانه، ويبدأ بالمقارنات وفرز الدعاية الغربية عن الواقع إلى أن يكتشف أن عليه أن ينسى كلّ ما هدر وقته في قراءته أو مشاهدته، ويركّز على ما يكتشفه على الأرض من حقائق ملموسة لا ينالها الباطل من قريب أو بعيد.


كلّ ما قرأناه عن الصين وديكتاتورية الحزب الواحد، وتوق الناس إلى نظم ديمقراطية الغرب، وعجز هذا النظام الصيني عن تحقيق الحرية والنموّ لمواطنيه، ينهار أمام رؤية شعب منظّم دقيق مفعم بالحيوية والتكاتف والالتزام لمكافحة الفقر ورفع مستوى الناس، ليس في الصين فقط وإنما في كل الدول التي تشاطر الصين رؤاها ومبادئها بالانتماء إلى أسرة بشرية واحدة، والتشاركية في بناء هذا الكون لما فيه مصلحة الإنسان في كل مكان. 

فكم هو جميل أن تشهد العراقة والأصالة مقترنتين مع آخر ما توصّل إليه العلم والتقنيات الحديثة، وأن ترى الكبرياء والعزة والشموخ تقترن بأرفع حالات التواضع والانحناء لإنسانية الإنسان، من دون تمييز أو عنصرية أو استعلاء على أسس اللون أو الإثنية أو العرق أو الدين. بعد أن اكتشف العالم برمّته زيف الديمقراطية الغربية واستخدامها كغطاء لقهر الشعوب ونهب ثرواتها، واحتلال البلدان ونشر القواعد العسكرية ومنظومات الفساد حيثما يطأ نفوذ الغرب، المستند إلى القوة الباغية والمخابرات العاملة بنسق المافيات والعصابات خارج القانون، 

ولذلك لا يسع المرء إلا أن يرحّب بنظام رؤيوي ذي أفق مستقبلي، يعتمد على الحوار والاستشارة والاستكشاف لوضع أسس مبادرات التنمية العالمية والحضارة العالمية والأمن العالمي، والتي تشكّل الصين جذوتها وقاعدتها فقط لتمتدّ عبر حزام واحد وطريق واحد إلى أنحاء المعمورة كافة، المتلهفة للبناء والتحديث والتطوير. 

ففي الوقت الذي عكفت فيه الديمقراطيات الغربية على إثارة الحروب والفتن، والتدخّل في الشؤون الداخلية للبلدان تمهيداً لنهب ثرواتها ولإفقارها وإبقائها تابعة للإرادة الغربية، تتمسّك الصين بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول والمساعدة على بناء دول ومؤسسات قوية تنعكس أمناً ورخاءً على أهل البلد ذاته من دون إملاءات أو شروط أو قيود.

في الصين المرأة موجودة في كل مكان من أماكن العمل، ولكن بكلّ حشمة واقتدار ومن دون التركيز على مظهر الأنثى أبداً، بل الظهور بمظهر الاحترام والكفاءة والعطاء العابر لجنس الشخص أو عمره. ومن أجل هذا اتبعت الصين سياسة استيعاب الأطفال جميعاً في الحضانات ورياض الأطفال، وركّزت على بناء الإنسان جسدياً وأخلاقياً قبل السابعة من العمر لتضمن جيلاً يؤمن بالانتماء لوطنه، وتتوفّر لديه الحصانة والمناعة ضد تسويف الأعداء والخصوم، وفي الوقت ذاته يمنح الأم الفرصة المثالية لمتابعة تخصّصها أو عملها أو إنتاجها من دون الاضطرار، كما تفعل المرأة في الغرب، للاختيار بين الأسرة أو المهنة، وهو اختيار مزيّف ومنافٍ لمتطلّبات المرأة والواقع ومدمّر للنواة الأساسية للمجتمع الإنساني ألا وهي الأسرة. 

وقد أنتجت الصين في الثلاثين عاماً الماضية جيلاً من الشباب والشابات المحصّنين والمنتمين والذين يصعب اختراقهم، نتيجة الاهتمام بهم وبتطوّرهم وتوجّهاتهم منذ نعومة أظفارهم. وفي الوقت الذي يدّعي الغرب أن مثل هذا الأسلوب يسلب الإنسان حرية الاختيار، فقد شهدنا جميعاً اليوم أين تقود هذه الحرية المنفلتة من القيم والأخلاق والأعراف الإنسانية التي ادّعاها الغرب، وخطرها على بنية الأسرة والمجتمع وحتى على إنسانية الإنسان وتوازنه ودوره في الحياة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP