قبل 2 شهور
عماد الحطبة
33 قراءة

قاعدة جديدة... حرب جديدة

الرصيف البحري، أو الميناء الأميركي المؤقت عنوان جديد من عناوين الحرب على غزّة وعلى المنطقة. ألف جندي أميركي سيشاركون في بناء الميناء الجديد. لم يتطرّق الخبر إلى عدد الجنود الذين سيبقون في هذا الميناء بعد الانتهاء من بنائه. 

في مقارنة بسيطة نجد أن عدد الجنود الأميركيين في العراق يبلغ 2500 جندي، وفي سوريا 1500 جندي، إذا أخذنا بعين الاعتبار فارق المساحة والإمكانيات بين سوريا والعراق من جهة، وقطاع غزّة من جهة أخرى سيكون من السهل الإدراك أن حجم هذه القوة لا يتناسب مع المهمة الإنسانية المزعومة المنوطة بها. 

بالنسبة لشعوب العالم قاطبة، لا يمكن ربط أيّ تحرّك للجيش الأميركي بمهام إنسانية، فتاريخ هذا الجيش مرتبط بالموت والمجازر ونهب الثروات. ولعل شعوب منطقتنا باتت الأكثر خبرة بالفظائع التي يرتكبها هذا الجيش، فصور ما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن ما زال ماثلاً في الأذهان. ونعلم، تماماً، أن العدو الصهيوني لم يترك لشريكه الأميركي مجالاً للتفوّق عليه في عدد المجازر التي ارتكبها، ووحشيّتها. يبقى التساؤل ما هي مهمة الجنود الأميركيين في قاعدتهم الجديدة في بحر غزّة؟

ترافق الإعلان عن إنشاء الميناء الأميركي، بتقرير نشرته صحيفة هآرتس يفيد بإقامة الولايات المتحدة جسراً جوياً غير مسبوق لنقل الأسلحة والعتاد لـ "الجيش" الصهيوني من القواعد الأميركية حول العالم. 

يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة نقلت هذه التجهيزات من 13 دولة حول العالم إلى مطارات العدو، وهذه الدول هي: الولايات المتحدة، قطر، ألمانيا، إيطاليا، اليونان، قبرص، الأردن، السعودية، كوريا الجنوبية، أفغانستان، البحرين، أذربيجان، وبلجيكا. المعلومات التي حملها التقرير تدعو للدهشة، فهل يحتاج الانتصار على مقاومة شعبية كل هذا الحشد من الأسلحة والذخائر وصولاً إلى إقامة ميناء مقابل قطاع غزّة؟

لقد رسّخت معركة طوفان الأقصى حقيقة جديدة في المواجهة مع الكيان، وهي معادلة لا ترتبط بغزة وحدها، بل بكل ما حدث منذ السابع من أكتوبر. 

"إسرائيل" غير قادرة على القيام بمهمتها في حماية المصالح الرأسمالية والاستعمارية في المنطقة، هذه الحقيقة بدت واضحة في سلوك معظم الدول الغربية، وعبّر عنها الرئيس الأميركي جو بايدن بوضوح بقوله: لن نتخلى عن "إسرائيل" حتى لو تجاوزت الخطوط الحمر. 

الهدف إذن ليس حماية وجود "إسرائيل"، بل حضور الاستعمار المباشر وعلى الأرض للدفاع عن مصالحه في المنطقة. تبعاً لذلك فإنّ القاعدة الجديدة في بحر غزّة لا تستهدف فلسطين وحدها، بل جميع دول المنطقة حتى تلك الدائرة في فلك المرتبطة بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة و"إسرائيل". 

لا أدلّ على ذلك من توجيه جزء من هذه المساعدات إلى دولة جيبوتي بحجة حماية الملاحة في البحر الأحمر، ووجود القاعدة الجديدة في منطقة قريبة من قناة السويس مما يعني نية الولايات المتحدة الإشراف مباشرة على التجارة العالمية المارة عبر هذين الممرين المائيين المهمين.

تعلّمنا من التجربة الأميركية في العراق وسوريا وليبيا، أن نهب الثروات وخاصة النفط والغاز يقع على قمة أجندة مهام الجيش الأميركي، خاصة في الدول التي ترفض تسليم ثرواتها طوعاً للشركات الغربية. هنا يبرز الحديث عن الغاز الطبيعي الذي اكتشفت حقول ضخمة لإنتاجه على السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، والذي يمكن أن يشكّل، حال السيطرة على حقوله، بديلاً للغاز الروسي الذي يشكّل شريان الحياة للصناعة الأوروبية. 

تتصاعد أهمية هذا الغاز في ظل الانتصارات التي يحقّقها الجيش الروسي في حربه في أوكرانيا، والتي تعترف أوروبا بأن هذه الانتصارات تشكّل الخطر الأكبر عليها كما صرّح الرئيس الفرنسي ماكرون في وقت سابق. إن وجود قواعد الناتو في المنطقة تحت غطاء المساعدات الإنسانية سيمنحها قوة مؤثّرة ومهمة في توجيه عقود استثمار حقول الغاز باتجاه الشركات الأوروبية والأميركية، ويحرم منافسيها التجاريّين وبشكل خاص الصين من الاستفادة من هذه العقود.

لا يغيب عن ذهن صاحب القرار الأميركي، أن إيجاد ميناء لغزّة يمثّل أحد مطالب المقاومة في حال الاتفاق على وقف لإطلاق النار. لذلك قد يكون الميناء الأميركي بديلاً عن الميناء المطلوب من المقاومة، بحيث تستفيد الإدارة الأميركية من الغطاء الإنساني من جهة، وتتأكّد من سيطرتها على كل ما يصل قطاع غزة من مواد من خلال آليات التفتيش التي يشارك الكيان الصهيوني فيها من خلال إنشاء محطة تفتيش في ميناء أسدود المحتل. 

تشير التقارير الواردة من الجهات التي تعمل في مجال المساعدات إلى أن العدو يمنع دخول العديد من المواد المعدنية، والأسمدة، وعلاجات السرطان وغيرها من المواد بحجة إمكانية "الاستخدام المزدوج".

وأخيراً يمكن التحكّم بالمواد الداخلة في إعادة الإعمار وتوجيهها لخدمة المخططات الصهيونية، سواء بتحديد المناطق التي يعاد إعمارها حيث يسعى العدو إلى إفراغ شمال القطاع ووسطه من السكان، ويعمل على شقّ شارع عرضي يمتد من الحدود الشرقية للقطاع وحتى البحر مما يعني نيّته البقاء في القطاع، وحصر عملية إعادة الإعمار بجنوب وادي غزّة. 

المعركة تتسع، وتزداد جبهاتها والمقاومة تقوم بدورها في فرض شروطها على العدو على جميع الجبهات. الدور الذي يقوم به الشارع العربي والقوى الداعمة لمحور المقاومة ما زال دون المستوى المطلوب، ويعتمد على جهود فردية غير قادرة على تشكيل حالة ضاغطة شعبياً على الحكومات، وقادرة على تقديم دعم حقيقي على الأرض لسكان القطاع، هذا الهدف لن يتحقّق إلا بتوحيد الجهود الداعمة لغزة داخل الدولة الواحدة، ومن ثمّ داخل الدول العربية مجتمعة بخلق هيئة عربية شعبية لدعم أهل غزّة. 


لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP