قبل 7 ایام
عماد الحطبة
26 قراءة

هو نصر واستشهاد

"هل انتصرنا فعلاً؟" سؤال يطرحه المشكّكون، ويلبسونه لباس الحرص على الشعوب ومنجزاتها، محوّلين المعركة مع العدو إلى حدث إنساني، ونازعين عنها بُعدها الوطني النضالي. لا يتردد بعض هؤلاء في توجيه اللوم المباشر إلى المقاومة، على قاعدة أن عمليتها يوم 7 أكتوبر 2023 استفزّت عدواً متوحشاً، مستخدمين أقسى الأوصاف بحق هذا العدو، في محاولة لكسب مصداقية أمام الذين يسمعونهم أو يقرأون كتاباتهم. يسبق كلامهم دائماً وصف أنفسهم بالموضوعية، وكأننا لا نعلم أن الموضوعية ليست سوى كذبة ليبرالية هدفها دفع غالبية الناس بعيداً من المواقف الجذرية، واتخاذ موقف الحياد في الصراعات التي تمس مصالح الاستعمار وتحاول إفشال مشاريعه.

قبل أيام، كنت أقرأ كتاباً يتحدث عن المعارك التي خاضها الثوار الفلسطينيون في حرب 1948. استوقفتني طويلاً حكاية احتلال مدينة اللد التي كانت تعدّ من كبريات المدن الفلسطينية، وعقدة مواصلات فلسطين. لم يكن في المدينة سوى رشاش واحد، وتمكنت عصابات "البالماخ" من احتلال المدينة وتهجير سكانها بعد معركة استمرت 47 دقيقة، خسر فيها العدو تسعة قتلى فقط.

لو قارنا ما حدث في تلك المعركة بما يحدث اليوم، فالعدو تضاعفت قوته مئات المرات، والأنظمة العربية في معظمها أعلنت حيادها، بل إن بعضها يصطف إلى جانب العدو، لكن المقاومة تصاعدت، وبدل الرشاش الوحيد أصبحت تمتلك الصواريخ والطائرات المسيّرة، والمقاتلين المدربين الذين صمدوا لأكثر من عام في مواجهة العدو من دون تقديم أي تنازل

معارك اليوم يخوضها محور مخلص للقضية، يعمل ضمن استراتيجيات تصاعدية حوّلته من مجموعات مقاومة محدودة التسليح، إلى قوة ضاربة، قادرة على هزيمة العدو ومشاريعه. بنى المحور مشروعه المقاوم بروية وحكمة بعيداً من الاستعراض، وخاض المعارك بتصاعد تدريجي حتى وصل إلى لحظة أدرك معها أنه قادر على التحوّل من الصمود والدفاع إلى الهجوم، فكان 7 أكتوبر، وكانت جبهات الإسناد.

في المفاوضات السابقة التي خاضتها الأنظمة العربية مع العدو الصهيوني، كانت الأنظمة العربية جاهزة دائماً لتقديم التنازلات. في رودس 1949، قبلت الأنظمة العربية بخطوط الهدنة، التي أصبحت حدوداً نهائية لكيان العدو مقبولة من الأنظمة الرسمية. الأمر نفسه حدث بعد حرب 1967، وحرب 1973. اليوم، ترفض المقاومة التراجع عن شبر واحد من الأراضي التي تسيطر عليها. ترفض المقاومة أي وقف لإطلاق النار لا يضمن انسحاباً كاملاً للعدو من قطاع غزّة، وتستمر عمليات المقاومة من دون توقف سواء داخل القطاع، أو برشقات الصواريخ نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي الشمال، تشترط المقاومة الإسلامية اللبنانية وقفاً متزامناً في لبنان وقطاع غزّة، وترفض جميع شروط العدو ومبادرات داعميه بالتراجع إلى ما وراء الليطاني، رغم المجازر الدموية التي يرتكبها العدو يومياً.

عندما قال سيد الشهداء القائد حسن نصر الله إن هذه المعركة سوف تغيّر الواقع على الأرض، لم يكن كلامه جزءاً من الحرب النفسية التي أتقنها سماحته. الميدان يخبرنا اليوم، أن الشهيد القائد كان يخبرنا بالحقيقة التي يعرفها جيداً من خلال موقعه سيداً للمقاومة.

لا يحسب النصر بعدد الضحايا ولا بحجم الدمار، وإلا لاعتبرنا الاتحاد السوفياتي خاسراً في حربه الوطنية الكبرى (الحرب العالمية الثانية)، النصر يحسب بقدرة الأطراف المتحاربة على تحقيق أهدافها الاستراتيجية التي دفعتها إلى خوض المعركة. الهدف الاستراتيجي للعدو كان القضاء على المقاومة فكرة وممارسة، تمهيداً للانتقال من وضع الكيان الغريب المرفوض إلى وضع الكيان الذي يشكل جزءاً من الجغرافيا، وذلك من خلال اتفاقيات السلام بمسمياتها المختلفة من "سلام الشجعان" حتى "السلام الإبراهيمي". وقد فشل العدو وحلفاؤه في تحقيق هذا الهدف فشلاً ذريعاً، بل وابتعدوا عن تحقيقه إلى أبعد نقطة في التاريخ الحديث. 

أما المقاومة فكان هدفها الاستراتيجي إثبات قدرتها على الانتقال من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، والصمود أمام رد فعل العدو، وإدخال استراتيجية "وحدة الساحات" إلى الاختبار العملي، وإنهاء أسطورة "أرض السمن والعسل" التي تجتذب المستوطنين، وتحويلها إلى أرض الصواريخ والمسيرات والملاجئ. حققت المقاومة جميع أهدافها، قد يكون الثمن باهظاً، لكن الشعوب لا تحقق حريتها إلا بأغلى الأثمان.

لا ندّعي النصر، بل نقول بصوت عال "لقد انتصرنا"، يوم 7 أكتوبر، وانتصرنا يوم صمدنا، وانتصرنا يوم استشهد قائدنا وسيد المقاومة فكان الرد صواريخ جاءت من إيران ولبنان والعراق واليمن. وهؤلاء المقاومون قادرون على الانتقال من نصر إلى نصر حتى تحين لحظة التحرير.  


لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP