طوفان الضفة الغربية
الاشراق | متابعة.
منذ اللحظة الأولى لانطلاق معركة طوفان الأقصى، أعلنت كتائب المقاومة في الضفة الغربية مشاركتها في المعركة، وقدمت، منذ السابع من أكتوبر، أكثر من 350 شهيداً، ومئات الجرحى، وآلاف الأسرى، في مواجهات متصاعدة شملت جميع المدن ومعظم القرى الفلسطينية. وبلغ عدد الاقتحامات الصهيونية، خلال الأسبوع الماضي، 140 اقتحاماً، تصدّى لها المقاومون الفلسطينيون جميعاً، وكبّدوا العدو خسائر في الأفراد والآليات.
أظهرت ردة فعل العدو على معركة طوفان الأقصى أنه كان يمتلك مخططاً جاهزاً لتهجير الفلسطينيين، وأن هذا المخطط غادر مرحلة الأفكار ليتحول إلى مشروع قابل للتنفيذ على الأرض، وهو ما أعلنه أكثر من وزير في حكومة اليمين المتطرف الصهيوني، بمن فيهم رئيس الحكومة نفسه، من على منبر الأمم المتحدة. قد يذهب البعض إلى الحديث عن رد فعل العدو على عملية الاقتحام، التي قامت بها المقاومة يوم 7 أكتوبر، وأن هذه العملية قدمت إلى العدو فرصة في تطبيق خطته.
هذا الطرح يلوي عنق الحقيقة وعنق التاريخ، الذي علمنا أن العدو يبادر دائماً إلى تطبيق مخططاته ويترك الطرف الفلسطيني والطرف العربي في موقع رد الفعل والبحث عن تسويات، من دون أن يتراجع العدو عن خطواته.
تعلمنا هذا الدرس في "أوسلو"، وفي الاستيطان، وفي ضم الأراضي، وفي الاعتداءات المتكررة على دول الجوار. لذلك، فإن مبادرة المقاومة وضعت الأمور في نصابها الصحيح، إذ وضعت الفلسطينيين في موقع الفعل، وليس رد الفعل.
الدليل الأهم كان سلوك العدو داخل الضفة الغربية، حيث لجأ إلى الاقتحامات والاغتيالات والاعتقالات بحق الفلسطينيين، وهو ما يشير إلى انطلاق خطة التهجير في الضفة.
علينا أن ندرك أن عملية التهجير في الضفة تمتلك فرص نجاح أكبر، كون عدد كبير من سكان الضفة يمتلك جوازات سفر أردنية. وإن كثيرين من هؤلاء يمتلكون امتدادات عائلية داخل الاردن. كما أن عملية التهجير ستكون في اتجاه مناطق تمتلك خدمات متكاملة، وليس إلى منطقة صحراوية خالية.
ما زالت الضفة الغربية تحتل موقعاً متأخراً في الإعلام والسياسة على رغم التوجه الأميركي الصهيوني الواضح إلى ضمها إلى خطة الاحتلال المسماة "ما بعد حماس".
يعلم بلينكن علم اليقين، ومثله المجتمعون في العقبة، أن فرض الشروط الصهيونية على المقاومة أمر شبه مستحيل، على الأقل في ظل ميزان القوى القائم في المنطقة، بحيث يمتلك محور المقاومة المبادرة والقدرة على التحكم في سير المعركة في جميع الجبهات. هل كان من قبيل المصادفة طرح اسم جمهورية رواندا لاستقبال جزء من اللاجئين الفلسطينيين، وقيام ملك الأردن بزيارة رسمية لهذه الدولة؟
ما الخيارات التي يمتلكها قادة الدول التي اجتمعت في العقبة؟
في غزّة، لا يمتلك هؤلاء سوى خيار المعونات الإنسانية، والعرض الوحيد الذي يمكن أن تقبله المقاومة هو وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، كما حدث في الهدنة الموقتة.
لا يوجد خيارات أمام المقاومة سوى الصمود، ولا خيار أمام الوسطاء والعدو سوى الرضوخ وقبول شروط المقاومة. على العكس من ذلك، تتعرض الضفة لعملية تمزيق من خلال عملية "جزّ العشب"، والقاضية باتخاذ إجراءات وقائية، من قتل واعتقال وحصار، لمنع قيام حركة مسلحة متماسكة في الضفة الغربية، تفرض شروطاً على العدو، من خلال قدرتها على الوصول إلى جيش العدو ومستوطنيه بسهولة بسبب انتشار المستوطنات داخل الضفة الغربية.
الحديث الأردني والحديث المصري عن رفض التهجير حقيقيان، لكن السؤال يبقى: هل تقدر هاتان الدولتان على تغليب مصالحهما في مواجهة مخطط مدعوم أميركياً، وغربياً.
يخبرنا التاريخ الحديث، وخصوصاً ما حدث خلال "الربيع العربي"، بأن هذا الأمر صعب. على سبيل المثال، تشكل المساعدات الاقتصادية الأميركية الجزء الرئيس من المساعدات والمنح المقدَّمة إلى الأردن. كما يحتاج الاردن إلى دعم الولايات المتحدة في المؤسسات المالية الدولية للحصول على القروض التي تدعم موازنته.
بحسب مشروع الموازنة الأردنية لعام 2024، تحتاج البلاد إلى اقتراض ما يقارب 7 مليارات دولار لتغطية العجز في موازنتها وتسديد أقساط القروض. وإذا أضفنا إليها مليار دولار يقدَّم كمساعدات، فإن إمكان اتخاذ قرار أردني مستقل عن الإرادة الأميركية يبدو محدوداً.
ينطبق الأمر نفسه على سلطة رام الله، التي تعيش على المساعدات، وعلى أموال الضرائب التي يحولها الكيان. وبالتالي، لا تمتلك هامشاً ضئيلاً من المناورة. لا تتباين الحال في مصر، التي تتعرض لضغوط اقتصادية وسياسية هائلة من الطرف الأميركي.
من دون استجابة للظرف الذي تفرضه المعركة، فإن ما يمتلكه أطراف لقاء العقبة، هو البحث عن طريقة لقبول المخطط الأميركي – الإسرائيلي في مقابل ثمن ملائم، اقتصادياً وسياسياً.
من دون اتخاذ قرارات ومسارات لفك التبعية عن المركز الرأسمالي، وتحقيق الاعتماد على الذات، تبدو القدرات السياسية لهذه الدول مشلولة، وتتساوى سياسياً دولة بعظمة مصر وتاريخها، مع دويلة بحجم قطر.
علينا جميعاً أن ندرك أن الضفة الغربية هي الهدف الأسهل لتحقيق المخطط الصهيوني – الأميركي، وأن زيارات بلينكن تطمح إلى منح "إسرائيل" انتصاراً في الضفة الغربية بعد أن عجزت عن تحقيق هذا الانتصار في غزة.
المطلوب هو دعم السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، سياسياً واقتصادياً، والتعلم من النموذج الجنوب أفريقي، عبر التوجه إلى محكمة العدل الدولية بملف بشأن الجرائم التي ترتكبها "دولة" الاحتلال بحق سكان الضفة الغربية.
المقاومة راسخة القدمين في الضفة، كما غزّة، لكن المؤامرة كبيرة، وتحتاج إلى تجنيد كل القوة الضرورية لمواجهتها وإحباطها.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة