شتاء دافئ بين عمّان وطهران!
عند متابعة القنوات الإخبارية الأردنية يلفت نظرك خبر عن لقاءين ودّيين في كرة القدم بين منتخبي الشباب الأردني والإيراني في 19 و22 كانون الثاني/يناير الحالي، في إطار استعدادات المنتخب الأردني لخوض غمار واحدة من البطولات القارية.
هذا اللقاء الودي يشكل اختراقاً مهماً في العلاقة بين إيران والأردن، فهو يجري بترتيب بين السلطات الرياضية في البلدين، وليس في الإطار الرسمي الذي سبق أن التقى في إطاره المنتخبان في أكثر من مناسبة.
دبلوماسية الرياضة ليست حدثاً جديداً. ولعل دبلوماسية كرة الطاولة هي الأكثر شهرة في التاريخ، إذ كانت نقطة الانطلاق لكسر عقدين من الجمود في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وبعد اللقاء الذي جمع لاعبي تنس الطاولة الصيني زوهانج زيدونج والأميركي جلين كوان في إطار بطولة العالم لكرة الطاولة في اليابان، وجّه الوفد الصيني دعوة لنظيره الأميركي لزيارة الصين.
في 10 نيسان/أبريل 1970، كان فريق تنس الطاولة الأميركي والصحافيون المرافقون له أول وفد رسمي أميركي يطأ أرض الصين منذ عام 1949. اعتبر كثيرون أنَّ تلك الزيارة مهدت الطريق للزيارة التاريخية للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون للصين في شباط/فبراير 1972.
لكنَّ الدفء الذي بدأ يدبّ في أوصال العلاقات الأردنية الإيرانية يعود إلى ما قبل بضعة أشهر، عندما صرح رئيس الوزراء الأردني في أيار/مايو 2022 أنّ "الأردن يسعى للوصول إلى صيغة حوار مع إيران مبنية على علاقات حسن الجوار".
وقد عاد ليؤكد أن الأردن "منفتحٌ على علاقة صحية للغاية مع إيران على قاعدة الضوابط والأحكام التي قام عليها النظام الدولي المعاصر، المرتكز على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدتها الترابية وعلى مبادئ حسن الجوار".
بعد هذه التصريحات بعدة أشهر، وفي أيلول/سبتمبر 2022، أعلنت الخارجية الأردنية عن لقاء جمع وزير الخارجية الأردني أحمد الصفدي ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الأردن الذي أعلن عن اللقاء بشكل مقتضب بعد يوم من حدوثه عاد ليصدر بياناً يوضح فيه أنه تناول العلاقات الثنائية والأوضاع في المنطقة، وخصوصاً الجنوب السوري.
فسَّر كثير من المراقبين السياسيين الأردنيين هذه اللقاءات في سياق الحديث الرسمي الأردني عن تهريب المخدرات عبر الحدود الشمالية للبلاد، الذي يتهمون "مليشيات مؤيدة لإيران" بالضلوع فيه.
يستند هؤلاء المحلّلون إلى ما قاله الملك عبد الله الثاني خلال زيارته الولايات المتحدة في أيار/مايو 2022 عن التصدي لمجموعة من الطائرات المسيرة القادمة من الأراضي السورية خلال الأشهر السابقة للزيارة، وتلميحه إلى أنها مرتبطة بعمليات تهريب المخدرات المزعومة.
الإعلام الإسرائيلي فنّد الادعاءات الرسمية الأردنية، وأكَّد أن العملية تتعلق بقيام "الميليشيات" المؤيدة لإيران، والمقصود هنا حزب الله، بمحاولة تزويد المقاومة الفلسطينية داخل الضفة الغربية، وربما داخل فلسطين المحتلة 1948، بالأسلحة عن طريق المسيرات.
يسبّب هذا الاحتمال قلقاً شديداً للأردن الذي يخشى أن يؤثر مرور هذه الطائرات عبر أجوائه في علاقاته مع "إسرائيل" والولايات المتحدة، مع إدراكه أنَّ معاداة إيران بشكل علني يمكن أن تضعه في موقف حرج، لأنَّ إيران أصبحت لاعباً رئيسياً في المنطقة بشكل عام، وفي الصراع مع العدو الصهيوني بشكل خاص.
المطلوب أردنياً أن تلتزم إيران وحزب الله بالاتفاق غير المكتوب مع السلطات الأردنية بعدم استخدام الحدود الأردنية في العمليات ضد الكيان الصهيوني. الثمن المطلوب إيرانياً هو توقف الدعم الأردني للجماعات المسلحة في سوريا، وخصوصاً في ظل الحديث عن محاولات لإعادة إحياء غرفة "الموك" في عمّان.
كما أنَّ إيران التي تسعى لتحسين علاقاتها مع الجوار تجد أنَّ الأردن، ورغم اتخاذه موقفاً معادياً للثورة الإيرانية منذ وصولها إلى الحكم، لم يذهب بعيداً في هذا العداء، ولم ينظر إلى إيران كتهديد حقيقي لأمنه، لكنه كان مضطراً إلى اتخاذ هذا الموقف في سياق تحالفاته الخليجية والغربية، وخصوصاً مع الكيان الصهيوني.
لعلَّ هذه النظرة الإيرانية كانت أحد الأسباب التي دعت وزير الخارجية الإيراني إلى قبول الدعوة للمشاركة في مؤتمر بغداد الثاني للتعاون والشراكة الذي عقد في الأردن في كانون الأول/ديسمبر 2022، بمشاركة خليجية ومصرية وفرنسية، إضافة إلى الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أنَّ الإعلام ركز على الحوار الذي دار بين وزير الخارجية الإيراني ومسؤولي الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً حول الاتفاق النووي الإيراني الأميركي، فلا يمكن إغفال إشارة الوزير الإيراني في كلمته إلى الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية، وهي النقطة التي تشكّل الحجر الأساس في الخطاب السياسي الأردني المتعلق بالقضية الفلسطينية.
لا يتوقّع أحد أن تنتقل العلاقات الأردنية الإيرانية إلى خانة التحالف أو حتى العلاقات الجيدة، لكن يبدو أن هذه العلاقات أصبحت ممكنة أكثر من أيِّ وقت مضى في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، إذ لم تعد الولايات المتحدة، وللمرة الأولى منذ 3 عقود، اللاعب الوحيد فيها.
لن يغادر الأردن المربع الإسرائيلي – الأميركي، لأنه القشة التي تتعلق بها السلطة الحاكمة في البلاد في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة، لكنَّ السلطات الأردنية أصبحت مدركة أنَّ الإمكانية أصبحت متاحة لتحقيق بعض الفوائد الاقتصادية من التعامل مع إيران، من دون أن يؤثر ذلك في سياستها الخارجية، تماماً كما تفعل الإمارات، وإلى حدّ ما السعودية. لن تتجاوز العلاقات الأردنية الإيرانية الدفء، لكنها تبقى مؤشراً على تراجع الهيمنة الأميركية على المنطقة.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.