قبل 4 سنە
نقولا طعمة
374 قراءة

سباق الصّهينة بين ترامب وبايدن.. ومخاطر صهينة الإقليم

بات مشهد التّسابق على إرضاء اليهود في أميركا تقليداً بديهياً مألوفاً في زمن الانتخابات، وعلى خلفيّاتها، يجري تسابقٌ محمومٌ على من يتقدّم الآخر في إرضاء المجتمع الصهيوني العالمي الكبير لما له من تأثيرٍ حاسم في المسارات السياسية الأميركية. 

لكن الأساس هي محاولة تمدّدٍ صهيوني حقيقي حيثما أُتيح، خصوصاً في منطقتنا العربية المحيطة بالمركز الصهيوني المتقدّم – "الكيان الإسرائيلي".  

فالرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال يحكم في أسابيع قليلةٍ من ولايته، ويتهيّأ بايدن لاستلام القيادة. وقبل استلام ترامب لولايته عام 2016، قدّم عدة طروحاتٍ بدا أنها أراحت المجتمع الأميركي، مثل وقف الحروب، وسحب الجيوش الأميركية من العالم، والاهتمام بالشؤون الداخلية الأميركية، وهي نزعةٌ يميل إليها المجتمع الأميركي، بخلاف قيادته التي تدرّجت على الحروب، ولا تستطيع الاستمرار إلا بها. 

طرح ترامب الذي يُفترض أن يكون أراح المجتمع الأميركي، كان من عوامل فوزه في انتخابات 2016.

لكنّ ترامب، وبعد تولّيه زمام الحكم، ما لبث أن بدأ تغيير منهجيّته، ومع الوقت، أصبح منفذاً للمصلحة الإسرائيلية بالتّمام والكمال، فنقل العاصمة الإسرائيلية إلى القدس المحتلة، وأطلق عمليّات التطبيع بين الإسرائيليين ودولٍ عربية عديدة، باتت تشكّل أكثرية العالم العربي. وفي ظلّ استمرار الحصار الإقتصادي الأميركي المفروض، قد تستمرّ عملية التطبيع سائرة على قدم وساق، كما تبدو الحال حتى الآن.

لم يكن ترامب صهيونياً بصراحة في طروحاته الإنتخابية، لكنّه تحوّل إلى صقرٍ مُتصهينٍ مع تقدم ولايته، محقّقا بالسياسة، والضغوط الإقتصادية، والحصار، ربما ما لم يكن ممكناً تحقيقه بالعمل العسكري المباش، إذ دخل بتحالفٍ مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ممثل التيار الصهيوني الأكثر تطرفاً.

بدا أن الإثنين معاً لم يكتفيا بما حقّقا خلال ولاية ترامب، فحثّا الخطى في الأسابيع القليلة المتبقيّة من ولاية ترامب، لعلهما يحقّقان بعضاً مما فاتهما.. لا يمكن لمراقبٍ إلا أن يُدرجَ افتراضاً اغتيال العالِم الإيراني محسن فخري زاده في هذا الإطار.

ويأتي الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن فائزاً على قواعدَ مغايرة تماماً لقواعد ترامب عند انطلاقته. يقدّم بايدن نفسه صهيونياً، أوّلاً، ويضع "الكيان الإسرائيلي" في أولويات السياسة الأميركية: "لو لم تكن اسرائيل موجودة، لوجب على الولايات المتحدة الأميركية أن توجدَها". قالها بصلافةٍ، وكبرياء الصهيوني، تبنّاها الساسة الآخرون ضمناً، ولم يصرّحوا علانيّةً بها كما فعل بايدن. 

العبارة الصريحة قالها بايدن، مترادفةً مع إعلانه عن صهيونيّته، وتباهيه بها، كما أوصاه والده: "يمكنك أن تكون صهيونياً دون أن تكون يهوديا". قالها أمام وسائل الإعلام بتباهٍ مطلق غير مسبوقٍ من أية شخصية أخرى، إنْ في الولايات المتحدة الأميركية أم في العالم. 

خلاصة المفارقات بين منطِقيْ ترامب وبايدن، لا يبدو أنها ستخلق مفارقةً في المسار الإمبريالي الأميركي المتصهين. ربما اختلف الخطاب أو الطريقة التي يترجم كلٌّ منهما الموقف، لكن السياسة الأميركية، على ما ظهر حتى تاريخه، وقبل تسلّم بايدن سدّة القيادة، تراوحت بين العدوانية، والأكثر عدوانية، بين الصلف الأميركي الذي عبّر عنه ترامب مراراً بادّعائه المتكرّر أن بلده قوةٌ عظيمة، ويُفترض الاستفادة من قوّتها. بينما يقول بايدن ما هو أكثر صلافةً وكبرياء: "الولايات المتحدة الأميركية عائدةٌ لقيادة العالم"، منطقٌ بدأ يأخذ مساره كشعارٍ لفترة الحكم المقبلة، وباتت مراكز قوى أميركية أخرى تتحدث به: مدير الإستخبارات الأميركية السابق جون برينان قال: "سيكون من الحكمة أن يقاوم قادة إيران رغبتهم في الرد وانتظار عودة أميركا إلى قيادة المسرح العالمي".

وإذا كانت الأسلحة الأميركية التي استخدمها ترامب في تنفيذ خططه احتكمت على العقوبات والضغوط الإقتصادية وسلاح السيطرة بالدولار والتهديد، فذلك لأنه لم يرغب باللّجوء إلى الحرب العسكرية المباشرة كسلفه الجمهوري جورج بوش. حقّق بخياراته ما حقّقته الحروب وأكثر، وما التهديدات التي يطلقها حالياً إلا استكمالاً للسياسة الأميركية العامة.

أما بايدن الذي لم يعلن استراتيجياته، فقد جاء في زمن التصعيد الأميركي-الصهيوني، معلناً صهيونيته بشكلٍ مباشرٍ، وأولوية وجود "الكيان الإسرائيلي"، وعمله على أن تقود بلاده العالم مجدداً، بينما تشير الأخبار إلى أن فريقه سيكون بمشاركةٍ صهيونية واسعة، وهي إشارةٌ غايةٌ في السوء، لا تشي بأي متنفسٍّ نحو الوفاق والسلام على المستوى العالمي، وتعني تمدّد السيطرة الأميركية الصهيونية حيثما أُتيح لها ذلك، لكن بالأخصّ في محيط مركز الصهوينية العالمي- "الكيان الإسرائيلي". 

من هنا، تأتي العملية المخابراتية باغتيال فخري زادة، في الفترة الانتقالية بين ترامب وبايدن، مواصلةً لسياسة صهينة المنطقة، وتمدّد عمليات التطبيع، وإلحاق الدول المُطِّبعة بالركب الصهيوني، إضافة لما تتضمّنه من رسالةٍ لما تسرَّبَ عن مراهنين على منحى توافقي مع بايدن، أكان في فلسطين أم في الملف النووي الإيراني.

لم يعد يشكّل التسابق الذي ظهر بين ترامب وبايدن - نحو المزيد من تبنّي السياسة الصهيونية - عاملاً انتخابياً بعد انتهاء الانتخابات. إنه تعبيرٌ واضحٌ وجليٌّ عن الاستراتيجية التي تمضي بها الولايات المتحدة الأميركية، والصهيونية العالمية المتحكّمة بها، نحو مزيدٍ من التوسع، ومزيدٍ من العدوانية، والتسلّط، مبشّرةً بمرحلةٍ جديدة من التصعيد، والتوتير، والحروب، دون استثناءٍ لأي سلاحٍ وفق مقتضيات هذه الاستراتيجية، وستكون منطقتنا الساحة الأكثر حماوةً عن غيرها من بقيّة الساحات، خصوصاً إذا ظلّ مستوى الرّدع على تردّده، ومستوى المقاومة على سلبيّته. 

ولا نستطيع عزل ما جرى في لبنان عن هذه الاستراتيجية، خصوصاً على مستوى تحريك الشارع، غطاءً لتمرير عملية تدميره، وبقية الأحداث الكبيرة التي وقعت، وأبرزها تفجير المرفأ، إضافةً إلى ما هو آتٍ، بهدف إضعاف قدرة لبنان بثلاثية الجيش والمقاومة والشعب على التصدّي للمشاريع القائمة.   

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP