ماذا وراء التحريض الطائفي على حكومة حسّان دياب؟
المقاربة المتعثّرة التي تعتمدها حكومة حسّان دياب، تصطدم بمصالح القوى التي أدّت سياساتها إلى إفلاس الدولة وانهيارها، لكن هذه القوى تراهن على دعم أميركي للإطاحة بالحكومة والاستقرار الأمني.
الخطوة الأولى التي تقوم بها حكومة حسّان دياب نحو وقف النزيف المالي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صغار الودائع، تصطدم بتسعير التحريض الطائفي ضد شخص الرئيس وإجراءات الحكومة.
القوى السياسية الأساسية التي حكمت طيلة 3 عقود وفق ما بات يُعرف "بالسياسة الحريرية"، تنتفض دفعة واحدة بالتلميح إلى استعدادها للذهاب إلى الشارع لإسقاط الحكومة والفراغ، فزعيم الحزب الاشتراكي الذي يتصدّر الحملة، لا يُخفي التحريض الطائفي ضد ما يسميه "السياسة الكيدية"، ويصف دياب بأنه لا شيء، بالغمز من قناة حزب الله لإثارة المرجعيات الطائفية وجمهورها.
وفي هذا السياق، يعود تيار المستقبل إلى التلميح بأن دياب لا يمثّل الطائفة السنية في الحكم، في الإشارة إلى أنه يمثّل طائفة أخرى. وتتقاطع هذه الحملة مع رئيس القوات سمير جعجع وما كان يُسمى جماعة 14 آذار.
الفتيل الذي أشعل هذه الحملة يعود إلى محاولة الحكومة مساءلة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن التحويلات التي زادت من استنزاف العملة الصعبة بعد الحراك الشعبي يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر في السنة الماضية، فالاستنزاف لا يزال مستمراَ، بحسب رئيس الحكومة، ولا يزال الحاكم يرفض إطلاع الحكومة على الاحتياط النقدي والسحوبات المهرّبة، بينما يحدّد الحاكم 4 أسعار للدولار، ويطلق صلاحية المصارف في احتجاز أموال المودعين والمصالح الصغيرة، وهو الأمر الذي أدّى إلى فوضى السوق السوداء، وإلى ارتفاع معدّل الفقر، بما يهدّد بفوضى أمنية وانتفاضة جوع.
الحاكم هو حاكم بأمره، بحسب لوائح المصرف المركزي، ولا يمكن إقالته، ولا يمكن للحكومة الإشراف على ما قام به وما يقوم به حتى اللحظة، فدوائر المراقبة الشكلية، مثل مفوضية الحكومة في المصرف، يصفها المفوّض المحال إلى التقاعد، إيلي معلوف، بأنها "حبر على ورق"، فهو الآمر الناهي في الهندسة المالية التي تولّاها منذ 30 سنة، مع انطلاق السياسة الحريرية ومخزن أسرار الهدر والفساد، لكنه في المقابل يعمل يداً بيد مع الخزانة الأميركية التي تشرف على تنفيذ المصرف للعقوبات على حزب الله وأموال المغتربين الذين تتهمهم الإدارة الأميركية "بدعم الإرهاب".
رموز الطبقة السياسية التي ترفض مساءلة الحاكم، متهمة بالفساد ونهب المال العام، ويدعمها في هذا الرفض بعض المرجعيات الطائفية، بذريعة المحافظة على سمعة لبنان ومصداقية القطاع المصرفي؛ واجهة لبنان الحضارية.
وفي هذا السبيل، يوجّه رموز الطبقة السياسية ما يسمونه "محاربة الفساد والهدر" وجهة أخرى نحو الاتصالات والكهرباء والجمارك الحدودية، وهي كلها يشوبها الفساد والهدر، لكن هذه الوجهة لا تستهدف معالجتها أو حتى إثارة الأوبئة التي تنخرها منذ انطلاق السياسة الحريرية، بل تستهدف منع الحكومة من التطرّق إلى مساءلة المصرف المركزي، وقطع الطريق على إمكانية استعادة بعض الأموال المنهوبة، ومحاكمة بعض الرموز السياسية أو كشف حساباتهم.
بيت القصيد أنّ رموز الطبقة السياسية المتهمين بالفساد ونهب المال العام، يجيّشون أحزابهم والجماعات المرتبطة بهم، من أجل التغلغل في الشارع ومصادرة الغضب الشعبي الرافض للتجويع وسرقة أموال المودعين، فهم يسعون إلى تشكيل كتلة معارضة على غرار 14 آذار، يقوم خطابها على أن حلّ الأزمة يقوم على بيع لبنان للبنك الدولي واستجداء القروض من الدول الخليجية و"المجتمع الدولي"، كما بدأت السياسة الحريرية.
وفي السياق، تبيع هذه الرموز الأوهام بأن الدول الخليجية يمكنها تقديم الهدايا المالية الوفيرة للبنانيين، إذا تم نزع سلاح حزب الله، وتحوّل لبنان إلى مهرّج للسياسات الأميركية، كما يطلب مايك بومبيو، الذي يخيّر اللبنانيين بين الانصياع إلى المشاريع الأميركية في لبنان والمنطقة أو الجوع.
الخطوة الأولى غير المكتملة بعد للكشف عن صندوق الانهيار والخراب، تثير هلع رموز الطبقة السياسية المستفيدة من الفساد والنهب. ربما يدلّ التهديد بشبح الاحتراب الطائفي على الطريق الذي ينبغي سلوكه باتجاه الأولويات الضرورية للاستقرار الاجتماعي والسياسي، فحكومة حسّان دياب التي نجحت في محاربة وباء كورونا، استندت إلى خطة صحية وخلية أزمة وشفافية إعلامية لتفعيل الطاقات الشعبية، والأوبئة الصحّية لا تقل خطورة عن الأوبئة التي تهدّد الشعب اللبناني.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً