عُذر فرنسا أقبح من ذنب
وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان يبرّر رفضه معركة تحرير إدلب بسبب تداعياتها المباشرة على الأمن في أوروبا.
فهو يشرح بكل صفاء نيّة أن معركة تحرير إدلب تؤدي إلى تشتّت آلاف الارهابيين في هذه المنطقة وانتقالهم إلى الدول الأوروبية وبينهم عشرات الفرنسيين. ومعنى القول أن فرنسا تقلق على أمنها وأمن أوروبا من عودة آلاف الإرهابيين كما يسميهم لودريان إلى ديارهم، لكنها تقلق أيضاً من مساعي الدولة السورية وحلفائها في موسكو وطهران للقضاء على هؤلاء الإرهابيين حماية لأمن سوريا والمنطقة والاتحاد الروسي.
تقلق فرنسا من هذه المساعي كما تقلق واشنطن والدول الغربية، بسبب انتزاع "مسمار جحا" من سوريا والمنطقة الذي وفّر لهذه الدول طيلة سنوات ارتكاب الخطايا التي لا تُعَد ولا تُحصى تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب". وأكثر ما تخشاه فرنسا هو خروجها "من المولِد بلا حمّص" إذا اقتلعت سوريا وحلفاؤها عشرات آلاف الإرهابيين في آخر معقل يسمح تحريره بنهاية الأزمة في سوريا. ويسمح كذلك برسم مستقبل سوريا والمنطقة في اتجاه مشرق الشمس وإدارة الظهر لمغيبها في الغرب.
فرنسا التي خسرت آخر مواقع نفوذها مع الغزو الأميركي واحتلال العراق، ظلّت تراهن على تعويض خسارة العراق في سوريا. وهو سبب انقلاب جاك شيراك على سوريا وعلى الرئيس السوري بشار الأسد في القرار 1559 حين خسرت شركة توتال عقود النفط في سوريا. فالمراهنة على تعويض خسارة العراق في سوريا أخذت بألباب نيكولا ساركوزي كل مأخذ، في تنظيم "المجلس الوطني السوري" بالتعاون مع قطر على غرار "المجلس الوطني الليبي". وفي انتاج الخطاب المعادي لسوريا بشأن مقولات "الثورة السورية" والديموقراطية ومواجهة الاستبداد وغيرها. وفي هذا السياق تصدّرت الأجهزة الامنية والاستخباراتية الفرنسية تسهيل شبكات الارهابيين إلى سوريا ولا سيما من فرنسا وبلجيكا وتونس.
الوزير الفرنسي الذي يتغافل عن حقائق مسؤولية الدول الأوروبية عن الإرهاب في سوريا بسبب المراهنة على المصالح، يذكر نصف الحقيقة وهي خوف أوروبا على أمنها من عودة عشرات آلاف الإرهابيين والسعي إلى المحافظة على هؤلاء الارهابيين لتهديد أم سوريا والمنطقة. لكن ذكر نصف الحقيقة بعذر أقبح من ذنب، هو أقل قبحاً من التزييف في الإدعاء برفض تحرير إدلب بذريعة الكيميائي. وهو ما يدعو إليه جون بولتون بالاتفاق بين واشنطن وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
الاتهام الموجه إلى الدولة السورية في الإعداد لاستخدام غاز الكلور في معركة إدلب، هو اتهام يستهدف المحافظة على الإرهاب في سوريا لأسباب غربية ضد المنطقة وضد روسيا والصين. فإذا كانت الدول الغربية مهتمة بتخفيف الخسائر نتيجة المعركة في إدلب، يمكنها ذلك بضم جهودها إلى الدولة السورية وحلفائها ولا سيما أنها مسؤولة عن تصدير الارهاب من بلدانها وعبر شبكاتها إلى سوريا والمنطقة. فضلا عن ذلك ليس بوسعها وقف المعركة إذا قررت الدولة السورية حسم تحرير إدلب مع حلفائها.
التهديد الذي يلوّح به بولتون أو نيكي هايلي في الاعتداء على سوريا بذريعة الكيميائي، من المحتمل أن يؤدي إلى خسائر في صفوف المدنيين وفق نتائج الغارات الصاروخية السابقة بذريعة الكيميائي أو بدعوى قصف التجمعات الارهابية وواقع الرقة المدمّرة نموذجاً عن التهديد الغربي. فضلا عن أن القصف الصاروخي والجوي لا يسعه أن يوقف معركة ولا أن يغيّر من المعادلات على الأرض. بل على العكس من ذلك قد يكون دافعاً أقوى للحسم بالسرعة الممكنة إذا وقع العدوان وأودى بخسائر في الأرواح والعتاد.
ذريعة غاز الكلور لم يثبت مسؤوليتها تحقيق اللجنة الخاصة بسوريا، كما أوضح رئيس اللجنة بابلو بنهيرو في مؤتمره الصحفي الذي يقول فيه " ارتكاب جرائم الحرب من قبل جهات حكومية أو جهات المعارضة". والمعني تحديداً بجرائم الحرب هو غاز الكلور الذي لا يصنّف سلاحاً كيميائياً بحسب تصنيفات وكالة السلاح الكيميائي في الأمم المتحدة. ولا ريب أن الدولة السورية ستسعى جاهدة للحد من الخسائر في أرواح السوريين في إجراء المصالحات وفي الضغوطات والإغراءات. لكنها مع حلفائها تسعى إلى اقتلاع الارهابيين من سوريا والمنطقة لحماية أمن سوريا والمنطقة. ولا يضيرها إعادة انتشار عشرات الآلاف من الدول الأوروبية في أوروبا، بل ربما تكون عودتهم من طبيعة هذه بضاعتكم رُدَّت إليكم.