ما هي تفاهمات موسكو مع إيران في الجنوب السوري؟
دعوات موسكو لخروج غير السوريين من الجنوب السوري، أثارت تحليلات غربية وعربية معادية لسوريا وإيران خلاصتها أن روسيا تعقد صفقة مع اسرائيل وواشنطن على حساب إيران والقوى الحليفة لسوريا. لكن الجهود الروسية الساعية لبسط سيطرة الدولة السورية على الجنوب تجري بالتفاهم والتنسيق مع إيران التي تطلّع إلى خروج واشنطن من التنف وتعزيز محور المقاومة في المواجهة. فكيف يكون ذلك؟
أثارت دعوات موسكو لخروج غير السوريين من الجنوب السوري تحليلات غربية وعربية معادية لسوريا وإيران
ما أن أطلق الرئيس الروسي دعوته لخروج غير السوريين من منطقة خفض التصعيد في جنوب سوريا، حتى تناست الصحافة الأميركية وبعض وسائل الإعلام العربية تهديدات دونالد ترامب لسوريا إذا فكّرت بالمعركة ضد الجماعات المسلّحة في الجنوب. فدعوة بوتين تناولها الإعلام الغربي والعربي المعادي لسوريا وإيران، بمعزل عن مساعي روسيا ومحور المقاومة لاستكمال سيطرة الدولة بعد الغوطتين حتى الحدود الجنوبية.
تناولها هذا الإعلام كأنها موجهة ضد إيران والحلفاء في تحوّل مزعوم لموسكو من محور إلى نقيضه. فبعض أقطاب المعارضة السورية التي تطل على الفضائيات في الأوقات الحرجة، أسهبوا في تركيب الجمل بشكل سوريالي للاستنتاج بأن موسكو ستأخذ على عاتقها بقاء التشكيلات المسلّحة لأنها سورية حيث هي بالاتفاق مع واشنطن والأردن وإسرائيل التي تعيش هاجس إيران.
صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية رأت في ذلك توتراً متصاعداً يؤدي إلى تعقيد العلاقات بين موسكو وطهران. وفي سياق الموجة الإعلامية في الصحافة الأميركية أطلق سيرغي لافروف العنان للالتباس في ندوة "قراءات في إرث بريماكوف" بقوله "جميع التشكيلات الأجنبية يجب أن تغادر منطقة خفض التصعيد الجنوبية الغربية" مضيفاً نحن نقوم بذلك بالتعاون مع الأردن وواشنطن.
لكن التشكيلات العسكرية المتواجدة في هذه المنطقة تضم فصائل منضوية فيما يسمى "غرفة عمليات البنيان الرصوص" أهمها لواء التوحيد وجيش الاسلام وهيئة تحرير الشام فضلا عن مجموعات فصائل "جيش الانقاذ" المدعومة من واشنطن والأردن. ويبلغ تعداد هذه القوات المدعومة من واشنطن والأردن في منطقة درعا حوالي 15 ألف مقاتل وحوالي ألفين في منطقة القنيطرة.
الاتفاق الذي تثيره موسكو مع الأردن وواشنطن من أجل سيطرة الدولة السورية وإلغاء تواجد هذه الفصائل في منطقة خفض التصعيد الجنوبية، أُبرم في صيف السنة الماضة بالتنسيق والتفاهم مع إيران والدولة السورية على غرار المناطق الأخرى التي خضع فيها المقاتلون إلى تسليم الأسلحة وإجراء المصالحة أو مغادرة المنطقة التي يقاتلون فيها.
في منطقة الجنوب تحديداً راهن المسلّحون على الدعم الأميركي والأردني وعلى الدعم الإسرائيلي التي كانت تسعى إلى إنشاء حزام أمني بهذه المجموعات مرّة وإلى منطقة عازلة مرّات أخرى. وفي هذا السياق هدّد ترامب سوريا إذا خاضت معركة الجنوب لتصفية هذه المجموعات. لكن فشل محاولات الأردن وواشنطن في هذه المنطقة وعلى الحدود السورية ــ العراقية فيما يسمى "جيش المغاوير"، فرض ضرورة الحسم لتأمين دمشق وضواحيها امتداداً لحسم الغوطتين.
الأردن يشير إلى انعطافة بالتفاهم مع موسكو لعودة الجيش السوري إلى الحدود وفتح معبر نصيب الحدودي. ومن جهته يشير نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي إلى تفكيك قاعدة التنف على الحدود مع العراق في محاولة رسم اقتراح للاجتماع الثلاثي في عمان بين موسكو والأردن وواشنطن. ولعل هذا التفكيك يلبي ما تصبو إليه إيران لفتح الطريق من طهران إلى بغداد لكن ما تصبو إليه إيران بالأولوية هو سيطرة الدولة السورية على أراضيها ولا سيما في الجنوب السوري وإعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة الحيوية عبر المصالحة ومغادرة المقاتلين الذين يرفضون المصالحة.
في اطار التفاهم والتنسيق بين موسكو وإيران والدولة السورية، تعمل القوى على استعادة المنطقة وفق المساعي الروسية لتحريك الاتفاق السابق بين الأردن وواشنطن وموسكو أو وفق معارك الغوطتين. وفي سياق التحضير لمعركة عسكرية تجري تعزيزات جديدة في مناطق دير العدس والهبارية وماعص مع مقاتلين من القوى الرديفة التي استقرّت ي اللواء 121 قرب بلدة كناكر. إضافة للتعزيزات في مثلث محافظات دمشق ودرعا والقنيطرة.
ففي حال نجحت المباحثات في الأردن وجرى تفكيك قاعدة التنف والقضاء على تنظيم "خالد بن الوليد" المبايع ل"داعش" في حوض اليرموك، ستخرج القوى الرديفة إلى مسافة 25 كلم من الحدود ولا يبقى غير الجيش السوري والشرطة الروسية إضافة إلى القوى الرديفة السورية. ولا تشكل هذه المسافة عن الحدود حاجزاَ يُذكر في أي مواجهة مع اسرائيل كما تسوّق دعاية نتانياهو وليبرمان لتحقيق انتصارات وهمية ضد إيران.
النقد اللاذع لتسويق نتانياهو وليبرمان ضد إيران، يوجّهه المعلّقون الإسرائيليون في العمق لدحضهم المراهنة على ما بات يسمى "صفقة موسكو". أيهود يعري معلّق الشؤون العربية في القناة الثانية يصف الصفقة بأنها صفعة تعكس جيداً الفشل الاستراتيجي لسياسة اسرائيل في سوريا. فيقول ويل للذين يخدعون أنفسهم فإيران وحزب الله والحلفائ سيجدون ألف طريقة لمواصلة نشاطهم بصبر عنيد من أجل تحويل الجولان إلى جبهة مواجهة.
معلّق القناة العاشرة روني دانيئيل يذهب في الاتجاه نفسه في قوله "كل وجود إيراني اقتصادي أو سياسي يتحوّل أينما كان إلى تواجد عسكري". وفي الغالب الأعم يتفق المعلقون في اسرائيل على أن الحكومة التي تسوّق انتصارات وهمية هي بطلة العالم في الكلام لكنها مجموعة أصفار في الأعمال.