على ترامب ألا يفتح حساباً على إستنزاف إيران
رغم ان اسباب احتجاز ناقلة النفط البريطانية العملاقة، "ستينا امبيرو"، من قبل قوات حرس الثورة الاسلامية في مضيق هرمز، تعود الى تجاهلها التحذيرات الايرانية ، بعد ابحارها في الاتجاه الخاطىء، ورفض التواصل مع الجانب الايراني، واغلاقها جهاز التتبع، الا ان سياسة التصعيد الامريكية ضد ايران وتماهي بريطانيا مع هذه السياسة، حمل القضية ابعادا اوسع بكثير.
"خطيئة" إيران، لدى القوى الكبرى، التي كانت تستعمر المعمورة، هي عدم اعترافها بـ"الحق" الذي منحته هذه القوى لنفسها في التعامل مع العالم من منطلق قوانينها، التي تفرضها على الجميع بقوة السلاح، فعندما تُقدم بريطانيا على قرصنة ناقلة نفط ايرانية، كانت تبحر في المياه الدولية في مضيق جبل طارق، بذريعة تطبيقها قوانين اوروبية احادية الجانب ضد سوريا، ما كانت لتتصور، مدفوعة بإرثها الاستعماري، ان تحتجز ايران احدى ناقلاتها لمخالفتها قوانين الملاحة الدولية.
ترامب، الذي طالما تبجح بانه ليس في عجلة من امره في التعامل مع ايران، مادام الحظر الذي يفرضه على الشعب الايراني يؤتي أكله، هو ايضا ما كان يتصور، مدفوعا بترسانة الاسلحة الضخمة التي تملكها امريكا وبارثها الاجرامي ضد الشعوب، ان ترد ايران، فكل ما كان يدور في خلده، ان ايران ستظل تلعق جراحها النازفة بسبب الحصار، دون ان تتجرأ على فعل شيء، وان اقصى ما يمكن ان تفعله هو ان ترفع له الراية البيضاء.
ايران ومن خلال احتجازها لناقلة النفط البريطانية ارسلت رسائل في غاية القوة والوضوح الى العالم وفي مقدمته القوى الكبرى، مفادها ، ان امن الخليج الفارسي ومضيق هرمز، هو جزء لا يتجزأ من امنها، وكل قطعة بحرية، مهما كانت طبيعتها او جهتها، بمجرد دخولها في هذا الممر المائي، عليها ان تتواصل مع ايران، اذا ما طلبت منها ذلك، وكل تجاهل لهذا الطلب سيواجه برد ايراني حازم.
ثانيا، ان اي جهة في العالم، لا فرق هنا بين قوى كبرى او متوسطة او صغرى، اذا ما حاولت ان تتماهى مع امريكا في فرضها الحصار النفطي الظالم والمتغطرس على ايران بهدف خنقها، ستواجه ايضا برد ايراني مماثل كما حصل مع بريطانيا.
ثالثا، اما ان يكون الخليج الفارسي ومضيق هرمز وكل بحار العالم، آمنة لناقلات النفط الايرانية والمصالح الايرانية، وإما لا تكون آمنة لاي جهة كانت، مما بلغت عنجهية وصلف هذه الجهة.
رابعا، ان منطقة الخليج الفارسي الاستراتيجية، رقعة مائية وجغرافية ضيقة، لا تتحمل اي خطا في الحسابات، فـ"الوقت" الذي يرى ترامب فيه جرحا نازفا في جسد ايران، لن يكون في صالحه هو ايضا، فهذا الوقت قد يتحول الى كارثة تنزل عليه وعلى قواته وحلفائه في المنطقة في اي لحظة.
ترامب، وبتأثير من الـ"فريق باء"، لطالما اعتبر الاتفاق النووي سببا رئيسيا وراء انعدام الامن في منطقة الشرق الاوسط، معتبرا الانسحاب منه الضمانة الوحيدة لاعادة الامن اليها، ولكن ما نشهده اليوم، يكشف حجم فشل سياساته، التي اعتمد فيها على مستشاره للامن القومي بولتون، ورئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، و ولي العهد السعودي بن سلمان، وولي عهد الامارات بن زايد، بالاضافة الى وزير الخارجية الامريكي مايك بوميبو، وهو فشل سيدفع ثمنه باهظا، ما دام ماخوذا بعزة الاثم.