تصفير صادرات نفط ايران .. بين حساب الحقل والبيدر
اولا وقبل كل شيء لابد من التأكيد على ان قرار ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، القاضي بعدم تمديد إعفاء بعض الدول من الحظر الامريكي على شراء النفط الإيراني ، جاء بالكامل لحماية "اسرائيل".
تصفير الصادرات النفطية الايرانية ، هو حلم نتنياهو الاثير ، الذي باتت ايران تؤرقه وتؤرق كيانه ، فلم يجد سوى سلاح الحظر وسيلة بعد ان فقدت ترسانته المتخمة باحدث وافتك الاسلحة ، تاثيرها في مواجهة ايران ، فتم تجنيد الادارة الامريكية المتصهينة ، الى جانب اذنابها في المنطقة كالسعودية والامارات ، لتحقيق هذا الحلم.
عندما نقول ان قرار ترامب هو مصلحة "اسرائيلية" بإمتياز ، فاننا نعني وبوضوح ان لا أثر للمصلحة الامريكية فيه ، فالقرار يستهدف حتى حلفاء امريكا المقربين ، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتركيا ودول اوروبية ، وهي دول تعتمد وبشكل كبير على النفط الايراني ، الامر الذي سينعكس سلبا على العلاقة بين هذه الدول وأمريكا.
ان من الصعب جدا على دولة ما ، مهما كان دورها كبير على الصعيد الدولي مثل امريكا ، بفرض قانونها الخاص على العالم اجمع وبقوة التهديد والوعيد ، بهدف تصفير صادراتها النفطية وخنق اقتصادها ، وان هذه الصعوبة ستتضاعف لو كانت هذه الدولة المستهدفة هي ايران ، الدول الاقليمية الكبرى المترامية الاطراف التي لها حدود برية ومائية بالاف الكيلومترات مع اكثر من عشر دول ، وتمتلك علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع جميع دول العالم ، وخاصة بين اقرب حلفاء واشنطن في الاتحاد الاوروبي والعالم اجمع.
كما كان متوقعا فور اعلان ادارة ترمب قرارها ، قفزت اسعار النفط الى نحو 3 بالمائه لتصل الى اعلى مستوياتها منذ نحو ستة اشهر ، وارتفعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 2.07 دولار، أو 2.88 بالمئة، لتبلغ عند التسوية 74.04 دولار للبرميل. وبلغ الخام ذروته عند 74.52 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ أول نوفمبر تشرين الثاني.
ان القرار الامريكي ، حتى لو كان له بعض التداعيات السلبية على الاقتصاد الايراني ، الا ان هذه التداعيات لن تكون بالحجم الذي يتمناه نتنياهو ، فايران وبحكم تجربتها مع سياسات الحظر الامريكية احادية الجانب منذ اربعة عقود تمتلك الف وسيلة و وسيلة لتصفير سياسة فريق ترامب اليميني المتطرف.
هناك دول لا يمكنها ان تجد بديلا للنفط الايراني مثل الصين والهند ، فهي تجد صعوبة في الحصول على نفط خام بنفس مواصفات النفط الايراني في السوق ، وأن تحويل المصافي لديها الى استخدام نوع آخر من النفط الخام، يتطلب عمليات معقدة تكلف كثيرا ، لذلك ستواصل استيرادها النفط الايراني بطرق اخرى وعبر وسطاء ، في مقابل صادراتها الى ايران.
اما تركيا ، التي كانت من اوائل الدول المنددة بالقرار الامريكي ، فستواصل شراء النفط الايراني في مقابل صادراتها الى ايران ، بينما كوريا الجنوبية ، فما زالت تصر على استيراد النفط الايراني ، لحاجتها الماسة له ، وان الحكومة الكورية ستبعث وفدا الى واشنطن للحصول على اعفاءات جديدة.
ان حساب حقل ترامب لن يكون بالتاكيد كحساب بيدره ، فسوق النفط العالمية من الصعب التحكم بها بقرار صادر من واشنطن ، فنفوط ليبيا و فنزويلا ونيجيريا ، تعاني من ازمة في التصدير لاسباب متعددة ، وان السعودية والامارات لا يمكنهما تعويض النفط الايراني ونفوط هذه الدول ، وفات ترامب وهو في ذروة تقديم فروض الطاعة للصهيونية العالمية ، تداعيات قراره الاحمق على مستقبله السياسي وحظوظه في البقاء في البيت الابيض لولاية ثانية ، بعد ان كان الابقاء على اسعار النفط منخفضة ، احد اهم وعوده الانتخابية.