ترامب ورط العالم بإنسحابه الأخرق من الإتفاق النووي
لم تضف المعلومة التي تضمنتها البرقية المسربة للسفير البريطاني في واشنطن كيم داروش، من ان كراهية الرئيس الاميركي دونالد ترامب لسلفه باراك اوباما كانت السبب الرئيسي والابرز وراء انسحابه من الاتفاق النووي، شيئا جديدا لما هو معروف لدى الجميع في هذا الشأن، فالتطورات المتلاحقة التي شهدتها المنطقة والعالم، منذ انسحاب ترامب، كانت قد اكدت هذه المعلومة من قبل وبشكل اكثر وضوحا.
اميركا ورغم كل نفوذها في العالم، لم تنجح في حشد اي بلد معها في قرار انسحابها من الاتفاق النووي، الا الكيان الاسرائيلي والسعودية والامارات والبحرين، وهي كيانات ودول لها دور وظيفي معروف في اطار السياسة الاميركية، فهذه العزلة الاميركية كانت دليلا دامغا على اعتباطية قرار الانسحاب، وهذه الاعتباطية غذتها نوازع الحقد والكراهية والغيرة والحسد وحتى العنصرية، التي تنخر شخصية ترامب.
الشرخ الكبير الحاصل بين ضفتي الاطلسي، وهو شرخ لم تشهده العلاقة بين اميركا واوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بسبب الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي، ومحاولات اوروبا، ايجاد اليات لتخفيف الخسائر التي تحملتها ايران بسبب هذا الانسحاب، تؤكد عدم اقتناع الحليف الوثيق والاستراتيجي لاميركا، بالذارئع غير المنطقية التي عادة ما يسردها ترامب لتبرير انسحابه الاخرق من الاتفاق النووي.
محاربة ترامب للعالم كله، عبر تهديده من تداعيات تعاملاته التجارية مع ايران، وفرضه حربا اقتصادية ارهابية ضد ايران بهدف تصفير صادراتها النفطية، وارساله حاملات الطائرات والسفن وبطاريات باتريوت وقاذفات بي52 والاف الجنود الى منطقة الشرق الاوسط، وممارسته سياسة حافة الهاوية، عبر خلق ازمات امنية في منطقة الخليج الفارسي، وارساله طائرات مسيرة لاختراق الاجواء الايرانية، وتهديده العاري والصلف بابادة ايران ومحوها من الوجود، كل هذه السياسات، لم تزده الا عزلة، ولم تزد حتى عدد المؤيدين لقراره بالانسحاب ، عن عدد الكيانات والدول الاربع التي ذكرناها.
كل ما تمكن ترامب من فعله بعد انسحابه من الاتفاق النووي، هو استغلاله الوضع السياسي الاستثنائي الذي تمر فيه بريطانيا بعد قرارها الانسحاب من الاتحاد الاوروبي، والضغط على المتنافسين على منصب تريزا ماي، لاظهار بريطانيا في موقف من يؤيد سياسة ترامب الطائشة وغير المسؤولة ازاء ايران، فتمخض هذا الضغط عن احتجاز بريطانيا لناقلة نفط ايرانية في مضيق جبل طارق، بحجة انتهاكها للحظر الاوروبي المفروض على سوريا.
تداعيات هذا الاجراء جاءت على عكس ما كان يتمناه ترامب، فبريطانيا ادركت وبسرعة قياسية، ان ترامب ورطها، وعليها ان تتحرر من هذه الورطة باسرع ما يمكن، فاخذت تتدرج بالابتعاد عن موقفها المتعنت، بدءا من تاكيدها ان الاجراء لا يستهدف ايران بل سوريا، ومرورا باطلاق سراح طاقم الناقلة، وانتهاء بالاتصال الهاتفي لوزير خارجيتها جيرمي هانت، بوزير خارجية ايران محمد جواد ظريف، وتعهده بالافراج عن الناقلة، الامر الذي افشل محاولات ترامب للصيد في المياه العكرة، عبر تهديده ايران في حالة تعرضت لناقلات النفط البريطانية.
التاكيد الجديد للترويكا الاوروبية، بريطانيا وفرنسا والمانيا، على ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي، وما قيل عن نية الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون لزيارة ايران بهدف انقاذ الاتفاق النووي، ورفض العالم لسياسة ترامب ازاء ايران بشكل عام والاتفاق النووي بشكل خاص، وقبل كل هذا وذاك، السياسة الحكيمة والمسؤولة التي اعتمدتها ايران في مقابل البلطجة الترامبية، خلال اكثر من عام، زادت من منسوب مصداقية ايران على الصعيد الدولي، وزادت في المقابل من عزلة اميركا، التي يقودها رجل "احمق ومختل وغير كفؤ"، يتخذ اخطر القرارات على الصعيد الدولي، انطلاقا من عقد النفسية، وما اكثرها واخطرها العنصرية.