ماهر الجازي.. الجزاء من جنس العمل
"ماهر" اسم علم مذكّر، عربيّ الأصل، ومعناه الحاذق، البارع، المتقن. وأصل الاسم من الفعل مهر أي: برع، وهو اسم يطلق على الكثير من المواليد الذكور في البلاد العربيّة.
حظي الاسم في التراث اللغوي العربي القديم بعناية كثير من العلماء والدارسين، وذلك لما يحمله من دلالات مختلفة هامة. وكان لأسماء الأعلام والأماكن وقفات مطولة حاول من خلالها العلماء البحث في تلك التسميات التي كانت متداولة في البيئة العربية القديمة. إذ عادة ما يظهر اسم الشخص جانباً من شخصيته، سواءً عرقه أو دينه أو أي جانب آخر من جوانب كينونته. كما أن الاسم ذاته عادة ما يكون قادراً على توليد ردود أفعال مختلفة باختلاف المجتمعات.
وفي هذا الصدد يقول ديفيد زو، الأستاذ الباحث في علم الأسماء، في جامعة أريزونا إنه: "نظراً لاستخدام الاسم لتعريف الفرد والتواصل معه يومياً، فإنه، أي الاسم، يمثل بشكل غير واع صورته الذهنية الذاتية عن نفسه، خاصة تلك التي يظن أن الآخرين يرونه بها".
فالاسم الذي تمنحه لابنك هو قضية يحملها معه بقية عمره، وهو أبعد ما يكون عن كونه مجرد "لفظ" يميّز به عن غيره، ولكنه أمر يشكل هويته وصورته الذاتية عن نفسه. كما أنه يلعب دوراً مهماً في نظرة الآخرين إليه. ولكن هناك مجال آخر يتدخل فيه الاسم في حياتنا بلا وعي منا، وهو تحديد اختياراتنا في الحياة. فقد وجد الباحثون في علم الاجتماع والنفس مؤخراً أن أسماء الأشخاص لها دور في اختياراتهم في ما يخص من يتزوجون، وأين يعيشون، والمهنة التي يحلمون بها، بل إن هناك دراسة مقارنة أجريت في الولايات المتحدة وبلجيكا أوضحت أن اسم الشخص ربما يؤثر على اختياراته السياسية.
ذلك أن الاسم بوصفه عنواناً للفرد بأبعاده التي تتجاوز حدود المعنى الحصري "للفظ"، ليس فقط دالاً على شخص أو على مكان أو على شيء، بل هو إشارة مضيئة تكشف عن المخبوء داخل أعماقنا، حيث ترتبط هذه الدلالات بالشخصية وبظروفها، ما ثبت منها وما تحول. لذا يسعى أولياء الأمور لاختيار أسماء معينة ذات دلالات دينية، تاريخية، وطنية، ثورية، أو ذات دلالات رمزية جمالية، وهذه الأسماء والدلالات المتنوعة تعطي لهذا الموضوع أبعاده الزمانية والمكانية، النفسية والجمالية بصورة أعمّ تضفي عليه صبغته الحضارية، فتكسبه كثافة وثراءً كما هي الحياة نفسها.
ومن هنا ينبع شغفنا بتحليل الكلمات وأسماء الأعلام وردها إلى جذورها اللغوية خاصةً إذا تجاوز معناها سياق اللغة إلى السياسة والجغرافيا، فبعض الأسماء، كما هو اسم فارسنا ماهر الجازي، عابرة للحدود. والمتأمل لإسم ماهر الجازي، يرى كم كان لافتاً هذا الاقتران المبدع في "المهارة" و "الجزاء" بين الاسم ومعناه ودلالاته، والفعل الناتج عنه.
فـ "ماهر" هو اسم علم مذكّر، عربيّ الأصل، ومعناه الحاذق، البارع، المتقن. وأصل الاسم من الفعل مهر أي: برع، وهو اسم يطلق على الكثير من المواليد الذكور في البلاد العربيّة. وكلمة "ماهر" تأتي في صيغة الماضي المعلوم المنسوب لضمير المفرد المذكر.
والماهر في اللغة كذلك، هو اسم فاعل مشتق من الفعل مهر وبرع، فنقول "متسلل ماهر" و "سائق ماهر" ونقول كذلك "قنّاص ماهر". والمصدر هو "مهر" أي حاز القدرة على أداء عمل بحذق وبراعة بمهارة يدويّة عالية. ويقال أمهر المرأة أي سمى لها مهراً وجعله لها، وأمهر فلسطين أي جعل حياته مهراً لها. وماهر من الأسماء الجميلة ذي القيمة الفريدة، ومعناه سهل وواضح، يبرع صاحبه في القيام بالأشياء المختلفة.
أما اسم "الجازي" فأصله هو الآخر عربي، وهو مشتق من "جازية"، أي الثواب والعقاب. والجازي اسم علم مذكّر، وهو من أسماء الأولاد الذكور التي تحمل معاني طيبة وجميلة. ويدل الاسم على معاني الفوز والنصر، والمكافأة والجائزة، والأمانة، كما أنه يعني الغالب، وكلها معان تحلم كل أمّ بأن يحملها ابنها. وتقول العرب إن اسم الجازي يتصف بالعديد من الصفات، فمنها مثلاً أنه طموح ولديه أهداف وأحلام دائماً ما يسعى إلى تحقيقها، كما يتميز صاحب اسم الجازي بالذكاء العالي وينطق بالحق ولا يهاب فيه لومة لائم.
يخبرنا معظم علماء النفس بأهمية اختيار الأسماء الجيدة التي لها معاني طيبة وإيجابية لأبنائنا، لأن أي اسم يتم اختياره سواء كان معناه إيجابياً أو سلبياً يؤثر على شخصية صاحب هذا الاسم سواءً بالإيجاب أو السلب. واسم الجازي من الأسماء التي تترك أثراً إيجابياً في نفس صاحبه ومحيطه، لأنه يعني الشخص الذي يفعل الخير الكثير.
وإذا ما ذهبنا لتأمل معاني "الجزاء" الواردة في القرآن بصيغة الفعل، نلاحظ أن الفعل المجرد "جزى" ورد في المثوبة على فعل الخير في آيات كثيرة منها قوله تعالى {وسيجزي اللـه الشاكرين}، {وكذلك نجزي المحسنين}، {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط}، لكن الأهم أن الفعل المجرد نفسه "جزى"، ورد في معاقبة المسيء في آيات كثيرة أيضاً منها قوله تعالى: {من يعمل سوءاً يجز به}، {ذلك جزيناهم ببغيهم}.
وقد استخلص بعض العلماء أن "جازى" وردت في النص القرآني للعقوبة فقط؛ فسواء أكان الفعل "جزى" مختصاً بالثواب والعطاء أم كان مستعملاً لمطلق الجزاء عقوبة كان أو مثوبة، فإن منطوق القرآن، عند جمهور القراء، صريح في تمحّض الفعل "جازى" للعقوبة. ولعل من لطائف الإشارات أن الجزاء الدنيوي يكاد يكون من باب المعاملة بالمثل بين طرفين يقوم القصاص فيها على المعاملة بالمثل، فيجازى المعتدي فيها جزاءً منقطعاً على عمل منقطع.
وخلاصة القول إن "جازى"، تشمل العقوبة عموماً، والعقوبة الدنيوية خصوصاً لأن الدنيا دار تفاعل وتعامل بين ساكنيها، فالجزاء من جنس العمل. نعم "الجزاء من جنس العمل" سنة إلهية، وقاعدة عدلية، معناها أن جزاء العمل من جنس عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
و"الجزاء من جنس العمل" قاعدة مرغّبة مرهّبة، لها آثار عظيمة ناهية عن الظلم، مواسية للمظلومين، ولو استحضر الظالم الباغي عاقبة ظلمه، وأن الله سيسقيه من نفس الكأس عاجلاً أو آجلاً، لكفّ عن ظلمه وارتدع. ولو أن هذا الفاجر المستهتر، نظاماً كان أم فرداً، وهو يعبث بدماء الناس ويسحق عظمهم ولحمهم، علم أن عدل الله قد يقضي بأن يجازى بالمثل، لتاب وكف عن دماء الناس وهكذا، في جميع الأمور، الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الإشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً