قبل سنە
محمد هلسة
196 قراءة

الأفارقة في "إسرائيل"؛ كراهية (الكوشي) الآخرُ "المُختلف"

الاشراق | متابعة.

لا شكّ في أنّ الطابع العنصري للكيان الصهيوني يمثل إحدى مقدمات تفككه وانهياره من الداخل في المدى البعيد، ولعل التاريخ يقدم أفضل الشواهد.

أثارت أعمال العنف، التي اندلعت الأسبوع الماضي في جنوبي "تل أبيب"، مرة أخرى، قضية طالبي اللجوء السياسي، وتحديداً السود منهم، في "إسرائيل".

وسارعت حكومة نتيناهو إلى إلقاء اللوم على النظام القضائي، واتهامه بتعطيل التخلص من الإريتيريين في "إسرائيل" حتى اليوم. وكشفت هذه الحادثة العنيفة حقيقة، مفادها أن "إسرائيل" تمارس عنصرية مؤسسية تجاههم وتتجاهلهم، لكنها عندما تقع حوادث عنف، تستذكر هذه المجموعات المُهمشة والمُضطهَدة، والتي غالباً ما يتم استبعادها عن الخطاب الإسرائيلي العام، بصورة يومية.

وفقاً لبيانات سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية المُحدّثة لشهر تموز/يوليو الماضي، والتي نشرتها صحيفة "هآرتس"، فإن هناك 17,850 طالب لجوء بالغاً من إريتريا في "إسرائيل"، إلى جانب 3,269 طالب لجوء بالغاً من السودان، و2,098 طالب لجوء بالغاً من دول أفريقية أخرى. وإلى جانبهم، هناك نحو 8000 طفل من أطفال طالبي اللجوء، الذين يدرسون في نظام التعليم الإسرائيلي، ونحو 4700 طالب لجوء سوداني حصلوا على وضع موقت في "إسرائيل"، ومعظمهم بعد حكم المحكمة العليا اعتباراً من عام 2021. وتشير التقديرات إلى أن نحو 80% من طالبي اللجوء الأفارقة هم من الرجال.

قُدِّمَ، بين عامَي 2019 و2022،  17,609 طلبات لجوء إلى السلطات الإسرائيلية، معظمها من مواطني روسيا والهند وبيلاروسيا، لكن الفارق بين حاملي هذه الجنسيات وطالبي اللجوء الأفارقة هو أن "إسرائيل" تنتهج سياسة عدم الإعادة القسرية إلى السودان وإريتريا، بحيث تسمح للقادمين منهما بالبقاء في "إسرائيل"، حتى في حال تم رفض طلباتهم.

يطمح طالبو اللجوء إلى الحصول على الاعتراف بهم والحماية في "إسرائيل" بموجب اتفاقية اللاجئين عام 1951، لكن سرعان ما تتبدد توقعاتهم وآمالهم مع وصولهم إليها، الأمر الذي يضطر عدداً منهم إلى المغادرة والعودة إلى أفريقيا، بينما يُمنَحُ من يبقى منهم إقامة موقتة، تتجدد كل 3 أشهر. حينما بدأ وصول طالبي اللجوء من دارفور إلى "إسرائيل"، في الفترة 2005-2006، أخذت أوساطٌ إسرائيلية رسمية تُشير إليهم بصفتهم "لاجئين" وناجين من "الإبادة الجماعية". ومع تزايد تدفق اللاجئين إلى "إسرائيل" ووصول لاجئي إريتريا، تغيّر موقف السلطات الإسرائيلية وتصريحات المتحدثين باسمها الرسميين، بل تحولت، في الأعوام الأخيرة، إلى تحريضٍ حقيقي.

 أعلنت عضو الكنيست والوزيرة الصهيونية، ميري ريغيف، أن "السودانيين سرطان في جسدنا"، الأمر الذي شجع على زيادة كبيرة في جرائم الكراهية ضد الأشخاص ذوي البشرة السوداء من طالبي اللجوء في "إسرائيل". 

تحوّل الخطاب الرسمي الإسرائيلي، وبدأ يتعاطى مع طالبي اللجوء على أنهم "متسللون للعمل"، وصَنّفهم في مرتبة دونية حالت دون حصولهم على المكانة القانونية و"الحقوق" المتعددة، فلا يحق لهم الحصول على مزايا الضمان الاجتماعي، ومعظم خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية، وهم الأقل أجراً في سوق العمل الإسرائيلية، وتُفرض عليهم ضريبة دخل تصل إلى 20% من قيمة الدخل الشهري، الذي لا يتجاوز ألف دولار، ويَدرُس أطفالهم في "تل أبيب" بصورة منفصلة عن أقرانهم الإسرائيليين، ويسكنون في أحياء فقيرة، هي أشبه بالمخيمات. 

إن السياسة الإسرائيلية تجاه طالبي اللجوء الأفارقة تستند إلى "الفوضى المقصودة"، إذ تتعمد وضع العراقيل أمام استقبال طلباتهم للجوء، وتُضيّق عليهم من أجل دفعهم إلى الاستسلام ومغادرة "البلاد" طوعاً. ومع هذا الوضع الصعب، يبدو أن البعض في "إسرائيل" لا يرغب في وقف تدفق اللاجئين، أو وقف "الجلب الجماعي" للعمال المهاجرين، حتى أولئك الذين يحملون تأشيرات دخول لها، على نحو يبدو أنها "صناعة" تَدُرّ كثيراً من المال، وهي مرتبطة بأشخاص يتمتعون بسلطة حكومية، وبعضهم أعضاء في أحزاب سياسية.

يزعم السياسيون الإسرائيليون، وحتى رئيس الوزراء نفسه، أن اللاجئين يشكلون تهديداً ديموغرافياً على الرغم من أنهم يشكلون نحو 0.6% من "السكان في إسرائيل". ويدّعي بعض أعضاء الكنيست كذلك أن اللاجئين "ينشرون الأمراض، ويميلون إلى ارتكاب جرائم أكثر من عامة السكان، ويشكلون تهديداً أمنياً"، على الرغم من أن أياً من هذه الادعاءات لا تدعمه البيانات الرسمية للحكومة.

تتذرع "إسرائيل" بالحالة الأمنية التي تعيشها، كدول استعمارية، بحيث تدّعي أن "تَعرُّضَها لتهديد مستمر، يخلق واقعاً سياسياً له تأثير في جميع سكانها، اجتماعياً ونفسياً". ولأنها نشأت كـ"دولة" "عرقية قومية"، لتكون موطناً للشعب اليهودي، تَعَزّزَ، عل مر الأعوام، إجماعٌ قوي بين معظم الأحزاب السياسية واليهود في "إسرائيل" على ضرورة وجود الشعب اليهودي في "دولة قومية ذات أغلبية يهودية كبيرة"، وهي تعيش دائماً هاجس الخوف العميق من المس بهذه الأغلبية.

نتيجة لذلك، هناك خوف من التهديد الديمغرافي في "إسرائيل"، الأمر الذي يعزز الدعم الشعبي للأفكار المعادية للأجانب، وإن بدرجة أكبر تجاه السود منهم. لذلك، استمرت حكومات "إسرائيل" المتعاقبة في تَجَنُّبِ تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، بحجة التهديد الديمغرافي، أو الخوف من التغيير العرقي الثقافي.

ربما لا تحظى جرائم الكراهية ضد طالبي اللجوء في كثير من الأحيان باهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية أو الجمهور الإسرائيلي، لكنها تَحدُث بانتظام، وغالباً ما يفلت الجناة، بحيث يخشى الضحايا تقديم شكوى، أو يشعرون بأنّ لا جدوى في القيام بذلك. وغالباً ما ينظُر ضباط الشرطة الإسرائيليون إلى الضحايا الأفارقة بازدراء. زد على ذلك أن عدم وجود تأمين صحي لدى الضحايا يمنعهم، في بعض الأحيان، من الاتصال الأوّلي بالمستشفى، ويتم، في حالات أخرى، حرمانهم من العلاج الضروري، مثل إزالة الجبيرة والغُرز الجراحية والعلاج التأهيلي. 

من الواضح أن العنصرية الإسرائيلية تقف خلف هذه المعاملة القاسية والمُهينة ضد العمال المهاجرين من أفريقيا. وليست المسألة هنا مرتبطة بهاجس التهديد الديمغرافي فحسب، بل أيضاً بالأحكام القيمية التي تضع الفوارق والتباينات البيولوجية والثقافية معياراً، بحيث يُنصَّب "اللون الأبيض" في أعلى التسلسل الهرمي.

تُشير الأكاديمية الإسرائيلية، غاليا صبار، رئيسة قسم الدراسات الأفريقية في "جامعة تل أبيب"، إلى أن "هذا الموقف العنصري مُوجهٌ بصورة رئيسة ضد السود بسبب تباينهم". "بالنسبة إلى الشخص الأبيض، فإن الشخص الأسود هو، في كثير من الحالات، الآخر المطلق"، والذي يسعى "الأبيض" لحماية نفسه من تطفله عليه، لكن العنصرية هنا فيها مُكونٌ أيديولوجي، فهناك "الإنسان الأفضل وهنالك الأقل قيمة، والأكثر تطوراً والأقل تطوراً".

وهذا هو أيضاً سبب التعالي والعنصرية الموجهَين تجاه طالبي اللجوء من أفريقيا، بل تجاه المهاجرين اليهود من إثيوبيا، والمعاملة المُهينة المتعجرفة التي يتلقونها في "إسرائيل" منذ لحظة وصولهم إليها. إنهم يهود، لكن "لونهم" يُضيف إلى المعادلة سلوكاً لم نشهده مع غيرهم من المهاجرين. ففي الخلفية هناك دائماً مسألة "اللون" التي تحكم المواقف تجاههم.

هذا الخطاب العنصري يستفحل في الثقافة الإسرائيلية، من حيث كونها ثقافة استعمار غربي، ليس فقط تجاه غير اليهود من ذوي البشرة الداكنة، بل يتجاوزهم إلى اليهود السود.

ولعلَّ قُدوم اليهود الإثيوبيين إلى "إسرائيل" كان حقيقة أخرى، بالإضافة إلى حقائق سابقة فضحت عيوب المجتمع الإسرائيلي، وكشفت "حُكمَ البيض" و"الأبارتهايد" الممارَس ضد السود، إذ إنَّ السبب الحقيقي في عدم استيعابهم داخل المجتمع الإسرائيلي هو "لونهم الأسود" وتقاليدهم البعيدة عن "الأشكنازية الإسرائيلية". وإذا كان اليهود الشرقيون يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية في المجتمع اليهودي، فإنَّ يهود الفلاشا والأفارقة يأتون في درجة متأخرة جداً عنهم أيضاً، ليضم المجتمع اليهودي بذلك طوائف الأشكناز الغربيين، والسفرديم الشرقيين، والفلاشا الإثيوبيين.

وعادةً ما يُشار إلى اليهود السود باسم "كوشي"، للدلالة على تحقيرهم وتدني مكانتهم الاجتماعية. وتشير كلمة "كوشي" إلى شخص (أسود من أصل أفريقي) ذي لون داكنٍ جداً.

ومع هجرة اليهود الإثيوبيين إلى "إسرائيل"، في النصف الثاني من القرن العشرين، أصبحت كلمة "كوشي" اسماً مُستعاراً مُسيئاً، وعًدّت الكلمة الأكثر فظاظةً واستعلاءً في كنز التعابير العنصرية المستخدمة في المجتمع الإسرائيلي. ويَعُدّ المجتمع الإسرائيلي، ككلّ، لقب "كوشي" لقباً تحقيرياً مُهيناً، يُقصد به إلقاء اللوم على شخص ما بسبب لون بشرته الداكن، ووضع علامة "استثنائية" عليه تجعله أدنى من الشخص ذي البشرة الفاتحة اللون. هذا، في الواقع، تعبيرٌ عنصري فظّ، يهدف إلى إذلال الشخص وتحقيره، بسبب انتمائه إلى المجتمع "الأسود" ولون بشرته الداكنة فقط.

لا شك في أنّ هذا الطابع العنصري للكيان الصهيوني يمثل إحدى مقدمات تفككه وانهياره من الداخل على المدى البعيد، ولعل التاريخ يقدم أفضل الشواهد، فكل المجتمعات الاستيطانية التي نشأت على أساس عنصري، مثل نظام الأبارتهيد في جنوب أفريقيا، كان مصيرها إلى زوال.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP