دعوات تسريع تسليح "المُجتمع الإسرائيلي".. نارٌ في اتجاهين!
قرّر مجلس وزراء الاحتلال الإسرائيلي المُصغَّر للشؤون السياسية والأمنية توسيع نطاق مَنحِ تراخيص حَملِ السلاح والإسراع في إجراءات استلامها، في خُطوةٍ تتيح لآلاف المستوطنين الإسرائيليين حَملَ السلاح.
جاء القرارُ على خلفية الهجومين اللذين وقعا في نهاية الشهر الماضي في القدس المحتلة، وقُتل فيهما سبعة إسرائيليين وأصيب خمسةٌ آخرون. على الإثر، تَعالت أصواتُ أركان حكومة نتنياهو متوعدةً الفلسطينيين وداعيةً كُلّ مستوطن إسرائيلي، لديه رخصةُ سلاح، إلى حَملِهِ، فلقد وعد نتنياهو بالإسراع في توفير الأسلحة لآلاف المستوطنين الإسرائيليين في جميع أنحاء "إسرائيل"، قائلاً إن هذا الأمر "سيزيد في القدرة على الرد، ونرى مراراً أن المواطنين المُسلحين المَهَرة يُنقذون الأرواح".
أمّا وزير الأمن القومي المُتطرف، بن غفير، فتَعهّدَ العمل على زيادة عدد المستوطنين الذين يحملون السلاح، مؤكداً: "أريد مزيداً من الأسلحة في الشوارع حتى يتمكن مواطنونا من الدفاع عن أنفسهم، وسأقوم بتخفيف معايير الحصول على رُخص حَمل السلاح". في ظاهر الأمر، تبدو هذه الدعوات كأنها لتعزيز الأمن الشخصي للإسرائيليين في الحيز العام، لكن يَصعُب تجاهُل المخاطر الداخلية الكثيرة في حال إغراق الشوارع الإسرائيلية بالأسلحة.
تستند إجراءات الحصول على رُخصة سلاح في "إسرائيل" إلى أحكام "قانون الأسلحة النارية، 559-1949". وفقاً للقانون، يُشترط في المتقدم أن يبلغ من العُمر 21 عاماً أو أكثر، وأن يكون مُسجَّلاً لدى وزارة الداخلية كـ"مواطن" أو "مقيمٍ دائم"، وأن يكون مَكثَ في "إسرائيل" بصورة متواصلة مدة ثلاثة أعوام على الأقل. يُطلب أيضاً إلى المتقدم إتقانٌ أساسي للغة العبرية، وتقديم تقريرٍ طبي عن حالته، صحياً ونفسياً.
وبالطبع، يجب أن يخضعَ كُل حامل سلاحٍ ناري للتدريب على استخدام الأسلحة. يُعَدّ مكان سكن المتقدم من ضمن معايير ترخيص الأسلحة النارية، بحيث يتم تعريف مُستوطنات الضفة الغربية على أنها ذاتُ أولوية، في حين لا تُعَدّ مدن الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، والتي يسكنها عربٌ ويهود، مثل الرملة واللد وعكا، مستوطناتٍ مؤهلة، لكن في إمكان سُكانها الحصول على ترخيصٍ إذا ما استوفوا شروطاً إضافية، مثلَ العمل كمرشدين سياحيين أو مزارعين أو خدموا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، في وحداتٍ قتالية خضعوا خلالها للتدريب على استخدام السلاح. كما يمكن لمتطوعي إسعافِ نجمة داود الحمراء، والذين لديهم خبرة عام واحد على الأقل، طَلبُ تصريحٍ لحمل السلاح.
تتضمّن المرحلة الأولية من التقدم بطلبٍ للحصول على ترخيص سلاحٍ ناري ملء نموذج وإرفاق المستندات المطلوبة، ثم تأتي مرحلة المُقابلة الشخصية في أحد مكاتب ترخيص الأسلحة والتي يتحقق فيها المسؤول من البيانات الشخصية للمتقدم مرةً أخرى، ويُسجّلُ بعض الانطباعات الشخصية عنه.
بالنسبة إلى المتطرف بن غفير، فإن هذه الإجراءات تُعَدّ مُعقدة وطويلة، لأن السلطات المختصة لا تزال تُطبق "بيروقراطية مُرهقة وصارمة، الأمر الذي يؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى يأس المُتقدمين وتخلّيهم عن طلب ترخيص الأسلحة النارية تماماً". هذه الشروط، وفق بن غفير، تُقلل، بصورة كبيرة، عَدد الإسرائيليين المُصرّحِ لهم بحمل السلاح، كما أن إجراءات الموافقة مصحوبةٌ بتكاليف مالية للتسجيل والتدريب، ويجب تجديد الترخيص كل ثلاثة أعوام، وهو ما يسعى بن غفير لتغييره.
يوجد في "إسرائيل" اليوم ما يقرب من 160.000 مستوطن من حَمَلة ترخيص سلاحٍ ناري. وبالطبع، فإن هذا الرقم لا يشمل قوات الأمن، ولا سيما جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي ورجال الشرطة وحرس الحدود وحُرّاس الأمن. في عام 2018، قام وزير الأمن الداخلي آنذاك، جلعاد أردان، بتخفيف المعايير عندما قرّرَ تغيير مفهوم الحق في السلاح في إسرائيل، بصورة جذرية، وحوّل المعايير التي كانت تستند إلى "الضرورة" (حاجة حقيقية ومُثبتة إلى السلاحٍ بسبب مكان الإقامة أو العمل)، إلى معايير "الأهلية" (أيّ شخصٍ خاضَ تدريباً قتالياً في منطقته).
وهكذا، في خُطوةٍ واحدة، تم توسيع دائرة المؤهلين للتقدم للحصول على الأسلحة بمقدار نصف مليون شخص، وسُمحَ بمَنحِ الأسلحة النارية للبالغين ممن أدَّوا الخدمة العسكرية القتالية، ولمن يقيمون بالمستوطنات "ذات الأولوية"، مثل المستوطنات الحدودية ومستوطنات الضفة الغربية والمستوطنات المجاورة لجدار الفصل العنصري وأحياء معينةٍ في القدس المحتلة، بالإضافة إلى السماح للعاملين المتطوعين في فرق الإنقاذ، مثل نجمة داود، بحَملِ السلاح.
أثارت العمليات الفدائية الفلسطينية الأخيرة قلقاً كبيراً بين الإسرائيليين، الأمر الذي ضاعف طلبات إصدار رُخصِ حَملِ السلاح. وبحسب معطيات وزارة الأمن الداخلي، فإنها تَلقّت في الفترة الواقعة بين 6 و27 آذار/مارس 2022 ما يقارب 1220 طلباً جديداً، أي ضِعف العدد مقارنةً بشهر آذار/مارس من العام الذي سَبَقَهُ. ولا يقف خَلفَ هذه الزيادة قلقُ الإسرائيليين فقط، وإنما دعواتُ الجهات الحكومية والأمنية الرسمية للمواطنين إلى التسلح، إذ يرى هؤلاء أن المدنيين المُسلحين، في كثيرٍ من الحالات، تمكّنوا من إنهاء الحادث الأمني عبر إطلاق النار وتحييد المَخاطر، وخصوصاً أن قوات الأمن غير قادرةٍ على الاستجابة الفورية والحضور إلى كل مكان وفي أي وقت، فمن المُستحسن، بالنسبة إليهم، أن يُمارِس كل مواطنٍ مؤهل يستوفي المعايير، حَقَّهُ في الحصول على رخصة سلاح، وأن يكون مستعداً لتقديم استجابةٍ أولية لأي حَدثٍ أمني.
تدّعي جمعية الترويج لثقافة السلاح في "إسرائيل" أن وجود الأسلحة الخاصة في أيدي الأشخاص المَهرة والمؤهَّلين "سيخلق الردع، وسيشكل قوةً إضافية لقوات الأمن"؛ أي أن من المهم، بالنسبة إلى هؤلاء، أن يكون هناك سلاحٌ للدفاع عن النفس في أيدي المستوطنين في الأماكن الخاصة والعامة، عندما لا تكون الشرطة موجودة لحمايتهم، ولا يرون في ذلك إضعافاً للشرطة، بل خلق استجابةٍ أولية إلى حين وصولها، وخصوصاً أنها تستغرقُ وقتاً للوصول إلى مكان الحَدث.
على عكس هذا التوجه، يرى آخرون أن هذه دعوةٌ مُضلِّلَة، فلن يتحقق الأمن من خلال تراخيصٍ بالجملة للمستوطنين لامتلاك السلاح. يبدو أن "إسرائيل" تتبنى بالتدريج سياسة "تسليح مدني"، وفق النمط الأميركي، لمصلحة ما تسميه "الأمن الشخصي" للمستوطنين، لكن الحقائق تُثبت أن وجود أسلحةٍ نارية مُرخصةٍ يزيد في الخطر على هؤلاء، ولن يساهم إغراق "إسرائيل" بالأسلحة النارية في جلب الأمن في المجال العام، بل ربما العكس. أضف إلى ذلك أن تغذية الرغبة في حمل السلاح، من أجل زيادة الإحساس بالأمن الشخصي، تعني غياب دور "الدولة" التي يُفترض أن يكون دورها استعادة الأمن الشخصي لـ"المواطنين" وبناء الثقة العامة بها، إذ إن الاستنتاج الأكبر والأهم من هذه الدعوات هو أن شرطة "إسرائيل" فَشِلت عملياً في التعامل مع التهديدات الأمنية الحقيقية.
يرى تحالف "سلاح على طاولة المطبخ"، والذي يضُم عدداً من المنظمات الإسرائيلية المُعارضة لتخفيف معايير مَنحِ رُخص حَمل السلاح، أن التسليح الجماعي للمستوطنين هو دعوةٌ مفتوحة إلى زيادة جرائم القتل عبر السلاح الذي يفتك تحديداً بالنساء. وبحسب مُعطيات وزارة الأمن الداخلي لدى الاحتلال الإسرائيلي، شَهِدَ عام 2021 وقوعَ 12 حالة انتحار عبر استخدام أسلحةٍ مُرخَّصة، إلى جانب 16 حالة إطلاق رصاص، بينما قُتِلت في العام ذاته 14 امرأة عبر استخدام الأسلحة النارية، ثلاثٌ منهن عبر استخدام أسلحةٍ مرخصة، وثلاثتهن في الوسط اليهودي. كما أن انتشار الأسلحة يُعَدّ حافزاً مُهماً على حالات الانتحار بين عامة المستوطنين، وبين المراهقين والشبان على وجه الخصوص، فالعلاقة بين توافر الأسلحة وحالات الانتحار ليست موضع شك. ووفقاً لبيانات المجلس الوطني لمنع الانتحار، فإن 11% من جميع حالات الانتحار تُستخدم فيها الأسلحة النارية.
علاوة على ذلك، يتم قتل 20 امرأة في المتوسط كل عام على أيدي أزواجهن، ووجود الأسلحة النارية في المنزل يزيد، حتى خمسة أضعاف، في خَطر قَتلِ امرأةٍ فيه. وتُظهر البيانات أن عدد ضحايا إطلاق النار، كجرحى وقتلى في "المجتمع" اليهودي، بين عامي 2017 و2020، ارتفع بنسبة 49%، بحيثُ قُتِلَ في الأعوام القليلة الماضية ما متوسطه 120 شخصاً بالرصاص كل عام، والأغلبية العظمى منهم "ضحايا" العنف والجريمة، مقارنةً بالقتلى على خلفيةٍ قومية.
إن افتراضاً مفاده أن الأسلحة النارية المُرخصة تُستخدم للحماية حَصراً، وأنها لا تؤدي دوراً في العنف المجتمعي أو الجريمة المُسلحة، لا يتوافق مع حقيقة مفادها أن نحو 200 قطعة سلاح ناري، مَدَنية مُرخَّصة، تُسرق كل عام وتُستخدَمُ في أغراضٍ إجرامية، ولا يتوافق مع حقيقة مفادها أن الأسلحة النارية المرخصة تُستخدم بصورة متكررة في أعمال العنف والقتل والإجرام والتهريب.
أضف إلى ذلك أن الرد "غير الماهر" بالسلاح، في أثناء الشعور الذاتي بالخطر، قد يؤدي إلى مقتل أشخاصٍ أبرياء. ولا شك في أن السلاح في أيدٍ غير مسؤولةٍ أمرٌ خطيرٌ للغاية، وله إمكاناتٌ تدميريةٌ كبيرة. إنّ زَرعَ الشعور لدى عدد من المستوطنين اليهود اليوم بأنه إذا امتلأت الشوارع بالأسلحة الخاصة فسيكون في الإمكان حل التهديدات التي تواجههم، يتجاهل المخاطر المؤكَّدة، والتي تكمُن في التوسع في امتلاك الأسلحة المدنية، فمزيدٌ من الأسلحة يعني مزيداً من "الضحايا". وهذه معادلة لا يمكن تجاهلها.
تقف "إسرائيل" اليوم عند مفترق طُرقٍ في موقفها تجاه ترخيص السلاح، هل تعُدّه جُزءاً من الحرية الشخصية للمستوطن، على غرار الحال في الولايات المتحدة، أم أنه ضروريّ فقط في حالاتٍ استثنائية، عندما يتعرض الشخص للخطرٍ بسبب عمله أو مكان إقامته! وهل تكمُن معالجة إحساس الإسرائيليين بفقدان الأمن الشخصي في تسليح المستوطنين وإغراق الشوارع بالسلاح الخاص؟ المُفارقة هي أن هذه الطريقة تستهوي بن غفير وأعضاء حكومة الاحتلال، والذين وعدوا ناخبيهم بجلب الأمن!، فهم يريدون اليوم "دولةً" مليئةً باليهود المُسلحين، الذين يُسارعون إلى سحب السلاح ضد العرب بذريعة "الدفاع عن النفس"، وهي بالتأكيد دعوةٌ عنصريةٌ خطيرة مفتوحةٌ إلى القتل، ولا شك في أن نيرانها سترتدّ إلى داخل المستوطنات الإسرائيلية، شاءَ بن غفير أم أبى.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.