قبل 3 سنە
عادل الجبوري
531 قراءة

ماذا تخطّط أنقرة في العراق؟

شهدت الأسابيع القليلة الماضية تطورات ومستجدات لافتة في ملف العلاقات العراقية - التركية، بدت كأنها تمهّد لمرحلة جديدة من تمدد أنقرة وتكريس نزعاتها التوسعية خارج حدودها الجغرافية، سواء كجزء من مساعيها المحمومة والمتواصلة لتكون لاعباً إقليمياً ودولياً فاعلاً ومؤثراً قادراً على استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، أو تحت ذريعة "حماية أمنها القومي من تهديد الجماعات الإرهابية المسلحة"، وتحديداً حزب العمال الكرستاني المعارض (P.K.K).

ولعل من بين أبرز هذه التطورات والمستجدات إعلان وزير الخارجية التركي سليمان صويلو في أواخر شهر نيسان/أبريل الماضي، نية بلاده إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في منطقة متينا في شمالي العراق، مشيراً خلال اجتماع للجنة الإدارية المركزية والمجلس التنفيذي لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم إلى الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لهذه المنطقة، باعتبار أنها تقع على مقربة من جبال قنديل، التي تعد من أهم معاقل حزب "العمال" الكردستاني.

وأكثر من ذلك، يقول الوزير صويلو: "إن عملياتنا في شمال العراق ستتواصل، وتعد منطقة متينا مكاناً مهماً. وعلى غرار ما فعلناه في سوريا، سننشئ هناك قاعدة، وسنسيطر على المنطقة".

وفي خطوة استفزازية لاحقة جاءت بعد بضعة أيام، قام وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بالدخول إلى الأراضي العراقية، وتفقد المنطقة المزمع إنشاء قاعدة عسكرية فيها، برفقة كل من رئيس أركان الجيش التركي وقائد القوات البرية، بحسب ما ذكرت في حينه وكالة "أنباء الأناضول" شبه الرسمية.

فضلاً عن ذلك، كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال في خطاب لتجمع من أنصار حزبه في منتصف شهر شباط/فبراير الماضي: "لا جبال قنديل، ولا سنجار، ولا سوريا! من الآن، لم يعد هناك مكان آمن لهؤلاء الإرهابيين"، وهو يقصد هنا عناصر حزب "العمال" المتمركزين في شمالي العراق.

وفي الوقت الذي تعلو من بغداد الأصوات المطالبة بإنهاء التواجد العسكري التركي، في إشارة واضحة إلى معسكر زليكان في قضاء بعشيقة (42 كم شمال شرقي محافظة نينوى)، فإن توجه أنقرة إلى إنشاء قواعد عسكرية جديدة، يعني في ما يعنيه أن الأمور تسير نحو المزيد من التأزم والتعقيد، وخصوصاً مع التلميحات والإشارات الواضحة إلى نية أنقرة استعادة سيناريو شرق الفرات في سوريا وتكراره في العراق.

وبينما يتركز الحديث على معسكر زليكان والعمليات العسكرية الجوية والبرية للقوات التركية في شمال العراق، فإن هناك تقارير تتحدث عن وجود عسكري تركي كبير وخطير في الأراضي العراقية؛ فقبل حوالى عام، تداولت بعض وسائل الإعلام المحلية والأجنبية تصريحات لقادة عسكريين أتراك، تفيد بعزم أنقرة على إنشاء 3 قواعد عسكرية جديدة في منطقتي سينات وهفتنين في شمالي العراق.        

إلى جانب ذلك، تنقل أوساط استخباراتية معلومات مثيرة ومقلقة عن التواجد العسكري التركي في العراق، والذي ربما يتعدى الـ10 آلاف عنصر عسكري وأمني، إذ تؤكد أن أنقرة تمتلك 37 موقعاً عسكرياً في شمالي العراق، بين قاعدة ونقطة.

هذه المواقع والقواعد موجودة في عمق يتراوح بين 10 كيلومترات و80 كيلومتراً،  ويتمركز أغلبها في مناطق تابعة لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البارزاني، والمعروف بخصومته التقليدية مع حزب "العمال" التركي المعارض، علماً أنه خلال الآونة الأخيرة وقعت صدامات بين عناصر الأخير وتشكيلات من قوات البشمركة التابعة لحزب بارزاني، أدت إلى مقتل وإصابة البعض منهم.

وبينما يتهم حزب "العمال" الحزبَ الديمقراطي الكردستاني بالتواطؤ مع الجيش التركي والاستخبارات التركية لملاحقته واستهدافه، يؤكد الحزب الديمقراطي أن تواجد عناصر حزب "العمال" في إقليم كردستان ألحق ضرراً وأذى كبيراً بأعداد كبيرة من الناس، جراء عمليات الجيش التركي ضد الـ"P.K.K".      

وهناك مؤشر آخر جديد يعزز النيات التركية بالتوسع والتمدد، هو قيام الجيش التركي باقتلاع الأشجار من مساحات كبيرة في شمالي العراق، تمهيداً لإنشاء مقرات وقواعد ثابتة فيها، كما يبدو. والأنكى من ذلك، أن عشرات الشاحنات تولت نقل خشب الأشجار المقتلعة إلى تركيا بعد تقطيعها، للاستفادة منها لأغراض تجارية وصناعية، علماً أن الجيش التركي كان يقوم في السابق بجرف المساحات المزروعة أو إحراقها، لتسهيل عملية ملاحقة عناصر حزب "العمال".

وسارعت وزارتا الزراعة في الحكومة الاتحادية والحكومة المحلية في إقليم كردستان إلى إصدار مذكرة احتجاج شديدة اللهجة ضد الإجراءات التركية العدائية، فيما نشر رئيس الجمهورية برهم صالح تغريدة بهذا الشأن، قال فيها: "تجاوز السيادة والعنف ونزوح المدنيين من منازلهم.. فقطع أشجار الغابات في هرور وباتيفا وغيرها من المناطق الحدودية في إقليم كردستان، ممارسات غير إنسانية، وجريمة بيئية لا يجب غض النظر عنها.. واجبنا التنسيق العملي بين سلطات الحكومة الاتحادية والإقليم لإيقاف التجاوزات ومحاسبة المذنبين". 

من جهته، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية في مجلس النواب العراقي، كاطع الركابي، "أن القوات التركية المنتشرة في بعض مناطق شمالي العراق لم تكتفِ بقصف القرى والمناطق الجبلية من خلال الطائرات والمدفعية، بل امتدت إلى جرف الغابات وقطع أشجارها ونقلها إلى عمق أراضيها، من أجل بيعها للمصانع، وتحويلها إلى فحم يعاد تصديره إلى العراق. كل هذه التجاوزات تحصل فيما حكومة بغداد صامتة، ولم تحرك ساكناً، إذ إن حجم التجاوزات والانتهاكات التركية للسيادة الوطنية بات كبيراً جداً، وخصوصاً بعد زيارة وزير دفاعها وقياداته لبعض نقاط الجيش التركي المنتشرة في شمالي العراق".

إضافةً إلى ذلك، يشكو العراق باستمرار، ولا سيما في هذه الفترة، من نقص حاد في إمداداته المائية في نهري دجلة والفرات، بسبب الإجراءات غير الودية لدولة المنبع (تركيا) في خفض التدفقات، لدوافع قد يكون بعضها سياسياً، وبعضها الآخر اقتصادياً.  

وتلعب أنقرة، في تعاطيها مع مجمل الملف العراقي، على التناقضات السياسية بين الفرقاء، سواء في بغداد أو في إقليم كردستان، وضعف الحكومة الاتحادية، وصمت الولايات المتحدة الأميركية والقوى الكبرى حيال مجمل سياساتها ومواقفها، لاعتبارات مصلحية تتجاوز الحالة العراقية، وبالتالي فإنها لا تعير كثيراً من الاهتمام لاعتراضات بغداد الرسمية والشعبية منها، فهي – بحسب خبراء أمنيين - "لن تسعى  للحصول على موافقة العراق. وقد أسست جميع قواعدها من دون موافقة الحكومة العراقية". في الوقت ذاته، يستبعد الخبير الاستراتيجي التركي جواد غوك أن تحصل تركيا على موافقة العراق على إنشاء القاعدة العسكرية الجديدة، قائلاً في تصريحات صحافية: "إن الحكومة التركية لا تهتم بموافقة العراق، بل تطبق القانون الدولي دفاعاً عن أمنها؛ فمن تجاربنا السابقة، لم نحصل على موافقة الحكومة العراقية لإنشاء قاعدة بعشيقة أو غيرها من القواعد العسكرية في مناطق أخرى".

وإذا كانت أنقرة تقدّر أنها تمتلك العديد من عوامل القوة والقدرة لتمرير أجنداتها وفرض إرادتها، فإن واقع الأمر يشير إلى أن هناك حقائق ومعطيات لا يمكن في أي حال من الأحوال تجاوزها وتجاهلها والقفز عنها، لعل من بينها أن التجارب السابقة أثبتت أن من الصعب - إن لم يكن من المستحيل - القضاء على حزب "العمال" وإنهاء وجوده بالكامل.

ومن بين تلك الحقائق أيضاً، وجود مصالح سياسية واقتصادية متشابكة مع بغداد، تخطئ أنقرة كثيراً حين تفرط أو تزهد بها، كما أن علاقاتها ومصالحها الإقليمية، بل وحتى الدولية، قد لا تتيح لها فعل ما تريده لوحدها، بعيداً عن حسابات الآخرين ومصالحهم، ناهيك بأن المراهنة على خلافات واختلافات الفرقاء الكرد في الإقليم، وعموم الفرقاء العراقيين، قد يأتي بنتائج إيجابية مرحلية لأنقرة، بيد أن الأمور على المدى البعيد ربما ستكون مختلفة، وخصوصاً أن المشهد السياسي العراقي مشهد فضفاض  وخاضع للكثير من المتغيرات والتحولات السريعة والمفاجئة في المعادلات والمواقف والاصطفافات والمصالح. 

كل ذلك يعني في النهاية أن على صناع القرار التركي التفكير في طرق أخرى أكثر حكمة وعقلانية، وأقل استحقاقات وخسائر، وعدم التعويل على خيار القوة وجعجعة السلاح.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP