قبل 4 سنە
حميد لشهب
351 قراءة

الإمارات تعترف بـ"إسرائيل".. من ينقذ من؟

قَرْقَشَ قرقاش القضية الفلسطينية في مقابلة تطبيعيّة يوم 13 آب/أغسطس 2020، بمناسبة قرقسة سيده ترامب للامتثال لأوامره والاعتراف بحقّ أخيه نتنياهو في قتل الشعب الفلسطيني وتجويعه وتشريده وإبادته.

والواقع أنَّ ارتماء الإمارات في حضن الصهاينة لم يفاجئنا، بل كنا ننتظره، لأنَّ التحضيرات له والعمل عليه، يعود إلى سنوات خلت، انفضحت كلّها بكشف الكثير من الجهات عنها، وخصوصاً موقع "ويكيليكس"، إذ تأكد للعالم أنَّ الإمارات ليست في الواقع إلا منتجاً صهيونياً بامتياز. وما أدهشنا هو سبب هذا التوقيت بالضبط، وبهذه الطريقة، أي أنَّ الإعلان لم يتم مباشرة من الطرف الإسرائيلي والإماراتي، بل بتغريدة من ترامب.

إنَّ الثلاثي المأزوم، ترامب وأمير الإمارات ونتنياهو، استشعروا الخطر يداهمهم في عقر ديارهم، واندفعوا في أحضان بعضهم البعض، لعلَّهم ينقذون أنفسهم من قدر محتوم: كلّ الرياح العاصفة في أميركا لا تهبّ لصالح ترامب النرجسيّ وهو في عز حملته الانتخابية. الكل يدير له ظهره، وأغلبية الأميركيين - حتى من صفوف حزبه - لم تعد مقتنعة به كرئيس، للأسباب التي يعرفها الجميع. وتغيير استراتيجيته حيال فيروس كورونا، والتأكيد على خطورته بعدما غنى لشهور بأنه غير خطير، كما يوهم الآخرون، لم تأتِ بثمارها، بل تعقَّدت الأمور، ووجد نفسه يعدّ الأصوات القليلة التي قد تختاره مرة ثانية كرئيس.

وبما أن الانتخابات تستلزم أموالاً باهظة، فإن اللوبي الصهيوني في أميركا هو مرجعه المهم حالياً، لكن هذا اللوبي، كما يعرف الجميع، غاضب من ترامب لأنه لم يوافق بعد على الضمّ الإسرائيلي للمزيد من الأراضي الفلسطينية. ولإنقاذ ما بإمكانه إنقاذه، قرقس لأمير الإمارات لكي ينبطح تماماً وعلانية أمام آل صهيون، مقدماً إياه بهذا قرباناً آدمياً حقيقياً.

يحاول نتنياهو تقديم هذا التطويع الأميركي للإمارات كحدث تاريخي له فيه الباع الطويل، في وقت يأتي كل شيء ضده في "إسرائيل"، وشعبيته، كما شعبية ترامب، في الحضيض. وما يمثل كابوساً حقيقياً له هو ملاحقة القضاء له، بسبب الجرائم التي ارتكبها، مستغلاً سلطانه وجاهه، وهو متربع على كرسي الحكم في "إسرائيل".

وعلى الرغم من أنَّ الاعتراف الرسمي الإماراتي بـ"إسرائيل" وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني بكامله لا يتميزان بوزن كبير في عيون الإسرائيليين، نظراً إلى محدودية قدرات فعل هذه الإمارة، فإنّ نتنياهو متشبّث بتقديم ارتمائها في حجر آل صهيون، كمقدمة ضرورية لإسراع كل المهرولين العرب للتطبيع مع الصهاينة، وبذلك توسيع حظوظ استمرار "إسرائيل" في الوجود على حساب أصحاب الأرض الحقيقيين.

أما الجانب الإماراتي، فحدِّث ولا حرج، فإضافةً إلى كل الحروب المخربة التي شاركت فيها الإمارات في الكثير من الدول العربية، وتجنيدها آلاف المرتزقة من كل الجنسيات، وخصوصاً المسلمين، لإراقة دماء المسلمين، لانسداد أفق حصولهم على مصدر للرزق في بلدانهم، فإنَّ أميرها، بسياسته غير المسؤولة تجاه الإماراتيين، يعرف أنه منبوذ بالكامل من طرف الكثير من الديكتاتوريين العرب الآخرين، بسبب بنيته النفسية العدوانية على وجه الخصوص، ولم يبقَ من "يستعين" بهم إلا السيسي وابن سلمان ولم يبقَ له من يحميه غير "إسرائيل" إلى حين.

علاوةً على ذلك، أُصيب الاقتصاد الإماراتي بإسهال حاد، لتضافر أسباب عدة، منها على وجه الخصوص الإسراف في شراء السلاح، وتخلخل عائدات البترول، وركود الاقتصاد العالمي. وإذا استحضرنا كل الجرائم المنظمة للإمارات في حروبها المختلفة، والتي ترقى معظمها إلى جرائم حرب، فربما نفهم أنها تشعر بأنها بحاجة إلى من يغطي عليها ويخرجها كالشعرة من العجين، في وقت بدأت جلّ بؤر التوتر تهدأ، وستحاسب الشعوب العربية التي ذاقت ويلات الإمارات حكّام الأخيرة في المؤسَّسات القانونية الدولية، آجلاً أو عاجلاً.

افتتح محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان منصَّة التطبيع رسمياً مع آل صهيون، وسنشاهد في الشهور القليلة القادمة التوقيع الرسمي في واشنطن على معاهدة التطبيع برعاية ترامب نفسه، الذي طالب بأن تحمل المعاهدة اسمه. ولن نتفاجأ إن هرولت إمارات خليجية قزمية أخرى أيضاً للقيام بالشيء نفسه قبل نهاية هذه السنة، لأنها تدور بأكملها في فلك الصهاينة والأميركيين. 

وعلى الرّغم من أنَّ العالم كلّه يعرف أنَّ آل النهيان لم يقدموا على خطوتهم هذه حباً في فلسطين والفلسطينيين، وعلى الرغم من إيهام العالم العربي بأنَّ خطوتهم هذه هي ثمن عدم ضمّ "إسرائيل" لما كانت تنوي ضمه من الأراضي الفلسطينية، فإنَّ محمد بن زايد لن يحرك أيّ ساكن عندما تضمّ "إسرائيل" أراضي الفلسطينيين في المستقبل.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP