اللجنة الدستورية السورية وحقول الالغام المرافقة لها
بالرغم من عبور لجنة مناقشة الدستور الى عالم الوجود، وانجازها للاجتماع الاول في جنيف بشقيه الموسع والمصغر، الا ان حالة الاشتباك السياسي لم تنحسر، وتصل شظاياها كل الدول التي تسعى ليكون لها دور في صياغة البلوكات السياسية الاساسية في عملية مناقشة بعض مواد الدستور الانفراج بانطلاق اعمال هذه اللجنة، أطفأت دمشق من خلال مرونتها اندفاع بعض الدول للامعان في التدخل وتدويل عمل اللجنة، بعد ان نجحت الدبلوماسية السورية باستدراج المُحرِكين والمُحرَكين الى ملعب النفس الطويل، والذي تجيد اللعب فيه.
من البديهي ان عمل هذه اللجنة يشكل جزء من المستقبل السياسي السوري، وانهاء الحرب المفروضة على البلاد، والجيع يعلم ان الدولة السورية تؤكد دائما ان هذه اللجنة يجب ان تكون انعكاس للهوية الوطنية السورية، وتتبنى رفض المس بوحدة البلاد وسلامتها الإقليمية ورفض إحداث اي تغييرات جذرية في شكل الدولة السورية وطبيعتها كأساس في اي نقاش. الا ان من يجلس حول طاولة المفاوضات من المعارضة، لا ينفك عن التأثيرات السياسية التي هي احد اشكال الصراع السياسي عبر تجاذبات اقليمية ودولية، والتي تعرق بشكل او بأخر الانتقال من حالة العسكرة الى المسار السياسي، وتجاهلها لكل ما يتطلبه الحاجة الاقتصادية للبلاد، وكل ما يسعى اليه هو فقط ايجاد خرق لاحد القوى التي تستقطب المجتمعين من مجموعة المعارضة التي تحاول كسب الوقت لتعويض ما فاتها من كسب ميداني بعد بسط الدولة السورية لسلطتها على معظم المناطق.
هذا كله يفسر ما اكده مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أن دستور سورية ورسم مستقبلها هو ملك حصري لشعبها لا يمكن التنازل عنه، مشيراً إلى أن أكبر خطر على لجنة مناقشة الدستور هو محاولة البعض التدخل في عملها وعرقلة جهودها، واوضح الجعفري انه كان من المتوقع خلق ظروف مناسبة للسماح للجنة بالعمل في أجواء مريحة تتيح نجاحها إلا أن الجميع فوجئ بما قدمته بعض الجهات الدولية والإقليمية لعمل اللجنة ولا سيما "النظام التركي الذي احتل أراضي سورية وقتل الكثير من المواطنين السوريين وشرد ما يزيد على 180 ألفا، والإدارة الأميركية التي أعلنت بالتزامن مع انطلاق عمل لجنة مناقشة الدستور عن احتلال آبار نفط سورية وسرقة مواردها العائدة للشعب السوري وذلك في ظل صمت ما يسمى "حملة القلم الإنساني والسياسي والكيميائي" في مجلس الأمن ومن يقف وراءهم فيما شن كيان الاحتلال الإسرائيلي العدوان تلو الآخر على سورية وواصل محاولاته لتكريس احتلاله للجولان السوري في انتهاك للقانون الدولي ولقرار مجلس الأمن رقم 350 لعام 1974 المتعلق باتفاقية فصل القوات.
كل ذلك يدلل ان ما يمارس من تدخل خارجي في عمل لجنة مناقشة الدستور، يتأطر ضمن موجات متعددة من الحرب المفروضة على البلاد، فبعد فشل المشروع العسكري، نرى اليوم موجة الحصار الاقتصادي والسياسي، لتحقيق ما عجزوا عنه في الميدان، والهرب من صوابية الرؤية التي اطلقتها الدولة السورية منذ عام 2013 ، التي تحدثت عن ضرورة الاجتماع حول طاولة حوار سوري سوري، بهدف الحفاظ على بنية المجتمع السوري الثقافية والاجتماعية، وخلق بنى مؤسساتية سياسية تدخل في اطار الحل السياسي، الا ان الدولة الداعمة للارهابين، وماتسمى بالمعارضة الخارجية، واجهت عرض الدولة السورية بالرفض، وبدأ هدر الوقت من قبل المنظمات الدولية والاممية، والذي كان يساعد في استمرار الحرب، فمن انتقاء مبعوثيين امميين بشكل غير موضوعي، الى الانتقال لتكون المنظمة الدولية بسلوكها احد اوجه الحرب العسكرية والسياسية والاقتصادية على سورية، وبعدها تحولت تلك المنظمات لجزء من الصراع الدولي، في محاولة مفضوحة لاحتواء الدولة السورية لصالح القطب الامريكي والغربي، كل تلك الوقائع وغيرها، توضح سبب التدخل الخارجي بعمل اللجنة، والتي بات عملها ضمن حقل من الالغام القابلة للانفجار في اي لحظة، ومقاعد يجلس عليها من يحمل نواة افشال عمل اللجنة، عبر من يهمس بأذنه من خارج القاعة، ومحاولة محمومة لبعض استخبارات الدول الداعمة للارهاب، باختراق جدران فندق " كراون بلازا" والتواصل المباشر مع وفد مجموعة المجتمع المدني.
إن الرهان على نجاح عمل لجنة مناقشة الدستور، يجب ان يترافق مع ضمان عدم تدخل بعض الدول، بشكل مباشر او غير مباشر، واستقلالية عمل وفد المعارضة و مجموعة المجتمع المدني، كي نضمن استمرار عمل اللجنة اولا، وعدم نسفها للتذكير بانجازات تلك المجموعات بقتل كل حراك سياسي في مهده، كما في جنيف وسواها، وان كان بيدرسون المتأثر بجان جاك روسو، والحريص على تطبيع نظريته حول العقد الاجتماعي أو مبادئ الحق السياسي، ان يحرص بنفس المقدار على استمرار وتماسك عمل اللجنة، للانطلاق ببناء هيكلية سياسية جديدة، وافق لمشروع الحل السياسي، ولو كانت مجرياته بطيئة.