سياسة ’الذباب’ و’الذوبان’ والاستخبارات الاميركية
لا أسماء لهم نحفظها، ولا صور عنهم نعرفها، ففي كل مكان لهم اسم وصورة جديدة، انهم انفسهم الذين شحذوا سكاكينهم لتهشيم الدولة والجيش والشعب السوري، تحت مسميات كثيرة، منها "داعش" و"النصرة" وما يسمى بـ"الجيش الحر"، وجديد هؤلاء مسميات جديدة تتوافق مع طبيعة المعركة التي ستنطلق قريبا لتطهير ما تبقى من مناطق تتواجد فيها تلك المجموعات.
غرزت انتصارات الجيش السوري الاخيرة شوكة في أعين الدواعش ومشغليهم، وسياق التطورات الميدانية يؤكد ان الدول الغربية والولايات المتحدة وبعض الدول العربية باتت مذعورة بعد تقدم الجيش وانتصاراته، وتنطق باسمها واشنطن افعالا على الارض، في محاولة لاعادة تدوير "داعش" و"النصرة" وجميع الارهابيين في اطر جديدة، ستسمح بانتاج تشكيلات عسكرية ملونة بألوان شتى، يصعب معها تحديد الخطوط الرئيسية فيها، حيث لايزال تنظيم "داعش" يطل برأسه فى البادية السورية وريف دير الزور، بينما القصة تدور في فلك انتقال بندقية بعض الارهابيين من كتف لكتف ومن منطقة لمنطقة، ضمن صفقات أمريكية وتركية، كنوع من إعادة تدوير التنظيم أو توظيفه من قبل أطراف إقليمية ساهم بعضها فى تأسيس "داعش" و"النصرة".
الحكاية تنسج في عدة مناطق وزوايا من الجغرافية السورية، بدأت بعد دخول القوات الامريكية و"قسد" الى الرقة، وتبخر جماعة داعش الارهابية، الا ان المعلومات تؤكد نقلهم عبر طائرات امريكية حملت على متنها مئات "الدواعش"، بعد ان اخلتهم من الرقة وريف حلب الشرقي ومناطق اخرى، الى ريف محافظة الحسكة وغالبيتهم تمركزوا في بلدة الدشيشة بريف الحسكة الجنوبي قرب الحدود السورية العراقية واجزاء من منطقة تل الشاير وغالبيتهم من الاجانب، وتم جلب الكثيرين من ريف دير الزور الشرقي ووضعوهم بمواجهة الحشد الشعبي العراقي، كما نُقل الكثير من إرهابيي "داعش" بحماية التحالف الى بادية دير الزور وبادية التنف، بالتزامن مع نشاط لافت للحوامات الامريكية حيث نفذت انزالات عدة اخلت خلالها الكثير من عناصر التنظيم ووضعوهم في مخيم الهول شرق الحسكة، واما الدواعش المحليين نقلو الى مخيم العريشة ٢٥ كم جنوب الحسكة، ترافقت عمليات الاخلاء مع عملية تسوية اوضاع لدواعش من ابناء المنطقة مع "قسد" وحاليا يقاتلون الى جانبهم وقسم كبير وقع عقودا مع الامريكي بعيدا عن "قسد" وتم استخدام مركز بمديرية حقول الجبسة القديمة ١٨ كم شرق الشدادي لتدريبهم والغالبية من ابناء ريف دير الزور الشرقي، ضمن عملية تدوير واضحة لمسلحي "داعش"، ليتم استثمارهم لاحقاً كورقة أمريكية في مواجهة الجيش السوري وحلفائه.
اما الفصل الاهم في الحكاية كان في عمل استخباراتي دقيق، تنفذه الولايات المتحدة الامريكية منذ بداية عام 2016، وتدور احداثه بين ارياف ادلب وحلب والرقة ودير الزور، والتخطيط له كان في مقر المخابرات المركزية الامريكية، في ضاحية "لانغلي" والتي تبعد 15 كلم عن واشنطن العاصمة، والخطة، برنامج يعمل بالتوازي مع دعم ما يسمى بالمعارضة السورية بشقيها المسلح والسياسي، له غاية اساسية على المستوى الامني والعسكري، اطلق عليها "جذب الذباب"، والمقصود بها، جذب التكفيريين الذين ينتمون للفكر التكفيري من داخل جبهة "النصرة" و"داعش"، واعادة تدويرهم ودمجهم في مجموعات تسميها الولايات المتحدة بالمعتدلة، في ظل الحديث عن تقسيمات المسلحين في سورية بين معتدل ومتطرف، وهذا يساعد في الاستفادة من هؤلاء الارهابيين في مراحل لاحقة من الحرب على سورية.
ضباط الاستخبارات الامريكية، وبالتنسيق مع المخابرات التركية، وتدخل المخابرات السعودية، بحسب المعلومات، اختاروا عددا من المجموعات المسلحة لتساهم في هذا المشروع، وكان ابرزها "الجبهة الشامية" و"كتائب الصفوة" و"فرقة حمزة"، وتم اختيار عدد من الاشخاص المؤثرين على المستوى الاجتماعي، لادارة المشروع، عرف منهم بحسب المعلومات، "محمد عبد الحي الأحمدي"، من قرية قليدين في ريف حماة الشمالي، وهو من مواليد عام 1983، وكان له علاقات وثيقة مع ضباط اتراك، وبعد ان قُتل محمد عبد الحي الاحمدي، في ظروف غامضة، وترجح المصادر انه تم تصفيته، اعتمدت المخابرات المركزية الامريكية على عدة اشخاص من بينهم الصحفي الأميركي بلال عبد الرحمن الذي كان يعمل مراسل شبكة "أون ذا جراوند نيوز" في حلب، ومحمد معيوف الملقب ابو بحر، وبالفعل بدأ العمل على هذا المشروع، وخلال شهرين من تطبيقه في عام 2016 تم استدراج اكثر من ثلاثين تكفيرياً من "داعش" و"النصرة" ومن جنسيات مختلفة.
المرحلة التي تلي انفكاك الوسم "التكفيري" من "داعش" و"النصرة"، هي نقله الى داخل الاراضي التركية، وهناك تتم اعادة تأهيل هؤلاء وزجهم في مجموعات ارهابية، واعادتهم الى ارض المعركة تحت مسميات عديدة، واستفادت المخابرات التركية كثيرا من هذه التجربة، وزجت بالكثير من هؤلاء الارهابيين ضمن ما يسمى بمجموعات "درع الفرات"، اما الخطر الحقيقي فهو يكمن في اللجوء الى استخدام اسلوب "الذوبان"، الذي يُستخدم ضمن مجتمعات محلية في سورية، وهذا التكتيك استخدمته المخابرات الامريكية مع مقاتلي "القاعدة" في افغانستان، حيث يعمل المشروع على ذوبان عدد من الارهابيين في داخل القرى والبلدات والمدن السورية، وتجهيزهم كخلايا نائمة وتفعيلها وقت الضرورة، ضمن قاعدة بسيطة مفادها انخراط الارهابيين بين المدنيين وانتظار ساعة الصفر، وبالطبع هذا اخطر بكثير، وهنا بيت القصيد، ان يُمحى اثر "داعش" من الارض التي كانوا يتواجدون فيها، ومن ثم استعمال هؤلاء في مراحل لاحقة، ان كان على مستوى المجموعات المسماة معتدلة او منع استقرار البلاد وبالذات سورية والعراق، وبالطبع هذا كله يندرج تحت السياسية الامريكية القائلة ان العالم ينقسم الى قسمين دول مستقرة وهادئة، وباقي العالم يعتبر مجرد خزان للموارد الطبيعية، من خلال تدمير هياكل الدولة في ذلك الخزان يعني رميها في الفوضى، وهو مفهوم مقتبس عن الفيلسوف ليو شتراوس، وينطبق مع الرؤية في الكيان الاسرائيلي والتي تقول ان "الاستقرار" للكيان الغاصب لن يتحقق الا باغراق الدول المجاورة له بالفوضى.
وفي حال تقدمت فرضية ان الولايات المتحدة بدأت تتخلى عن فكرة انشاء فاصل جغرافي بين ايران والبحر المتوسط ودول محور المقاومة، الا ان العقلية الامريكية لم تتخلى بعد عن إستراتيجية الأدميرال آرثر سيبروسكي لتدمير المجتمعات، لذلك تم استقطاب بعض ارهابيي "داعش" و"النصرة" لمتابعة هذه الخطة، كقوات خاصة إضافية، عبر تغيير اسماء الارهابيين.