قبل 2 سنە
فوزي بن يونس بن حديد
328 قراءة

الاحتلال التركي لسوريا من جديد.. ماذا يريد إردوغان؟

بعد أن هدأت الحرب في سوريا نسبيّاً، وانشغل العالم بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وجد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنَّ الوقت مناسب جداً لإثارة ما يُمكن وصفه بالاحتلال التركي لشمال سوريا، فقد عبّر عن نيته إعادة سيناريو الحرب والتوغل في الشمال السوري إلى حدود 30 كيلومتراً على طول الحدود السورية، وادعى إقامة "منطقة آمنة" لتجنيب دولته شرّ الإرهابيين الَّذين قد يفدون من سوريا، ويعني بهم الكرد الذين "جنّنوا" الدولة التركية على مدى حكم إردوغان.

لكنَّ هذا التبرير الذي اتخذه إردوغان ذريعة للدخول إلى سوريا واحتلال أراضيها عُنوة وبالقوة، رغم اعتراض أميركا وروسيا، وربما الاتحاد الأوروبي، قد يضع الرئيس التركي في مأزق سياسي، وربما اقتصادي، إذ إنه سيواجه مقاومة شديدة ربما من الكرد في سوريا، الّذين يعارضون هذه الخطوة التركية، ويعتبرونها استفزازاً كبيراً لإرادتهم السياسية، ويعملون على إفساد هذه الرؤية، من خلال تقويض خطة إردوغان في السيطرة على الشمال السوري على امتداد الحدود التركية.

لا شكّ في أنَّ إردوغان، ومن خلال ما يدعيه بقوله إنَّ "المنطقة الآمنة" تخدم شريحة كبيرة من السوريين الذين يعيشون لاجئين في تركيا منذ بدء الحرب السورية، ربما أراد التخلص منهم، لأنهم يمثلون عبئاً كبيراً على تركيا من الناحية الاقتصادية، فقد انهارت الليرة التركية إلى مستوى متدنٍّ، وارتفع معدل التضخم، وبدأت المشاكل تطفو على الساحة، بعد أن ألقت الحرب الروسية في أوكرانيا بظلالها على تركيا وعلى جميع دول المنطقة، وبعد أن تراجع إردوغان عن مواقفه السياسية الحازمة تجاه كل من الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وزار الدولتين، وطلب منهما زيارة تركيا ليتخلص من رواسب الركود الذي ضرب اقتصاد بلاده أخيراً.

ويبدو أن ركل الرجل التركي العجوز السورية على وجهها سرّع اتخاذ مثل هذا القرار، رغم إبداء تركيا امتعاضها مما حصل، وتضامنها مع العجوز، من خلال قيام مسؤول تركي وزوجته بزيارتها ورعايتها طبياً. كل ذلك حصل تحت مرأى وسائل الإعلام العالمية للتعبير عن تضامن تركيا مع الشعب السوري.

قد يكون هذا الرجل مريضاً نفسياً، كما يقولون، إلا أن هذه الحركة التي بدت ظاهرياً شاذّة، إنما تعبر عن غضب الشعب التركي وامتعاضه من السوريين المقيمين في أرض تركيا، وهذه الحالة قد تتكرّر في قادم الأيام. وقد حدثت ربما من قبل، ولكن لم ترصدها مواقع التواصل الاجتماعي، ليتأكد الجميع أن ما قاله الإعلام التركي غير صحيح.

ما تعرضت له العجوز السورية هو غيضٌ من فيض الغضب الشديد الَّذي يحمله الكثير من الأتراك في قلوبهم تجاه شعب ترك وطنه ولجأ إليهم يبحث عن الأمن والأمان. وبما أن المدة طالت، بدأ الأتراك يتذمّرون ويعلنون أنَّ صبرهم بدأ ينفد، بعد أن شهدت الدولة التركية وضعاً اقتصادياً صعباً، فالرجل الذي ركل العجوز لم يكن مريضاً نفسياً، إنما كان يريد أن يوصل رسالة إلى المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم إردوغان، مفادها: كفى تحمّلاً وصبراً! على السوريين أن يرجعوا إلى بلادهم ويتركونا وشأننا.

هنا، ابتكر إردوغان فكرة التوغل إلى حدود 30 كلم داخل الأراضي السورية بنيّة الاحتلال عن قصد، وضرورة إيواء جميع السوريين اللاجئين في تركيا، وحثهم على الرجوع إلى بلادهم بعد استتباب الأمن، بفرض حالة من الطوارئ ونشر الجيش التركي وقمع أي مقاومة أو أي تحرك ضد القوات التركية المتمركزة في سوريا، لكن هذا قد يجلب لها معاناة أكبر وتكلفة أعظم ومعارضة أقوى.

تريد القيادة التّركية أن تتملّص من المسؤولية التي ألقتها على عاتقها طوال السنوات الماضية، بعد أن تغيرت الظروف، وهدأت الحرب، واستقرت الأمور في كثير من المناطق السورية، ودُحرت العصابات الإرهابية وزال خطرها نسبياً، وبعد أن قوي جناح الرئيس السوري بشار الأسد، وسيطرت قواته على معظم البلاد. 

واليوم، وبعد كل هذا، وخوفاً من تمدّد هذه القوات إلى الحدود السورية التركية، استبق إردوغان الحدث، وأراد أن يضفي عليه نوعاً من الإنسانية المغلفة بالتخلّص من الملفات العالقة، أبرزها اللاجئون السوريون.

إنَّ الحدود التركية السورية إبان الحرب كانت مسرحاً لدخول الإرهابيين القادمين من تركيا نفسها، لا من الاتجاه المعاكس، وأقصد من سوريا إلى تركيا، فكيف تخاف أنقرة من الإرهابيين أنفسهم اليوم أو من تسمّيهم كرداً، لتقوم باحتلال الأراضي السورية عنوةً، وتقيم "منطقة آمنة" جديدة تتبع الحكومة التركية، ويقطنها سوريون؟ بأي صفة سيكونون؟ هل سيكونون مواطنين سوريين أو ستمنحهم تركيا الجنسية التركية حتى لا تطالب بهم سوريا؟ ما الذي يريده إردوغان فعلاً من وراء احتلال سوريا، والحال أن الأمم المتحدة تحرّم مثل هذا النوع من التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مهما كان السبب، إلا بتفويض كامل وتام منها؟

لاتتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP