ماذا في زيارة أمير قطر المرتقبة إلى السعودية؟
بدأ صوت العقل والحكمة يظهر في المنطقة من جديد ويتأكّد يوماً بعد يوم، وخصوصاً بعد الزيارة الّتي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى دولة قطر، ولقائه الأمير تميم بن حمد آل ثاني ومحمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، ومباحثاته معهما حول مستجدات محادثات فيينا المتعلقة بالاتفاق النووي.
وقد أعقب هذه الزيارة اتصال بين الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير تميم، وتوجيه الملك سلمان دعوة إلى أمير قطر لزيارة المملكة العربية السعودية، ما ينعش الآمال أكثر ويزيدها قوة دبلوماسية إذا تحققت في أقرب الآجال.
ويبدو أنَّ التقارب السعودي القطري الذي حدث بعد قطيعة دامت سنوات يسهم بشكل كبير في تهدئة الأوضاع في المنطقة وتغليب لغة الحوار والتفاوض وصوت العقل والحكمة في تدبير الأمور، ولا سيما أنَّ المنطقة تشتعل شرقاً وغرباً، ولا يمكن أن تزداد اشتعالاً مرة أخرى.
هذه الزيارة التي سيقوم بها أمير دولة قطر إلى السعودية ستمنح الطرفين مساحة كبيرة لترميم العلاقات بين البلدين ونفض غبار ما تبقى من غشاوة، لتظهر الصورة ناصعة، وينطلق البلدان في اتجاه تمتين العلاقات بينهما على المستويات جميعها، فيستفيد الطرفان في هذا الطريق، ويفتحان نافذة جديدة للعلاقات مع إيران، بعد أن أظهرت استعداداً كبيراً وإصراراً على تحسين العلاقات مع السعودية عن طريق الحوار والتفاوض، لا عن طريق التصعيد المباشر، وهو ما يفسّر زيارة ظريف إلى العراق بعد قطر، فربما أخبر بغداد عن هذا الاستعداد، بعد أن جرت مباحثات بين السعودية وإيران في الفترة الأخيرة هناك، مقابل ما يتلقاه العراق من دعم مباشر للمساعدة في الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها مع تطور الأحداث السياسية والأمنية والصحية.
ولا شكّ في أن هذه الدبلوماسية التي ستقودها الدوحة وبغداد ودور الوساطة الذي تقومان به، سيؤتيان أُكلهما إذا صدقت النيات، وما لم يعكّر صفوها شيء في الداخل والخارج، كالتحركات الإسرائيلية المتكرّرة لإفساد محادثات فيينا والتشويش عليها، عبر قيامها باستفزازات متعمّدة، ومحاولة تقريب وجهات النظر مع بعض الدول العربية التي قامت بتوقيع اتفاق التطبيع على حساب دول عربية أخرى ترفض التوقيع حتى الآن، وتعتبر ذلك خيانة للشعب الفلسطيني الحرّ المجاهد، ورفض "إسرائيل" أيّ تقدّم في هذه المحادثات وأي وصول إلى اتفاق جديد يمكن أن يهدّئ الأمور ويرجعها إلى مسارها الصحيح، بل حاولت عرقلة أي تقدم منذ أن انبرت الإدارة الأميركية الجديدة واستعدّت لهذا الملف جيداً، عبر دبلوماسيةٍ طويلة المدى، وصبر بلا حدود، وترصّدٍ لأي معوقات يمكن أن تحدث هنا أو هناك، وتصدٍّ لها في الوقت المناسب، كما فعلت أخيراً مع "إسرائيل"، حين وبّختها على ثرثرتها ومحاولات تشويشها، فانقلب السحر على الساحر، وبقيت "إسرائيل" تولول وتندب حظها الذي دفنته مع خروج ترامب من البيت الأبيض، وما عليها إلا الانصياع والقبول بالأمر الواقع أو الانفراد بالقرار والرأي والتحرك نحو الاتجاه الخطأ.
لا شكّ في أنَّ الزيارة المرتقبة لأمير دولة قطر إلى السّعودية ستضفي على العلاقات السعودية القطرية مزيداً من الألق، وعلى المحادثات بين السعودية الإيرانية مزيداً من الجدية والمتابعة من الحكومتين، لتنطلق مباحثات على مستوى المنطقة، إلى جانب مباحثات أخرى عالمية تقودها الولايات المتحدة الأميركية، وربما نشهد توافقاً في كلتا المفاوضات، وسعياً بجدية إلى التكامل السياسي والاقتصادي، بعيداً من أي مصادمات أو أي تصعيد في المنطقة، ولا سيما أن الدول العربية بدأت تتعافى تدريجياً مما أصابها بعد "الربيع العربي" وما تلاه من تدمير كامل للكيان العربي ولجامعة الدول العربية، وإهمال كامل للقضية الفلسطينية التي كانت يوماً القضية التي شغلت العالم، ليتفرغ العرب من جديد للملمة الجروح وإعادة بناء البيت العربي والإسلامي وفق أسس متينة وصحيحة.
ولعلَّ ما يساعد على هذه الأجواء الإيجابيّة المرتقبة لجميع القضايا العالقة، التفاهم الذي بدأ يسود دول المنطقة، وتغليب صوت الحكمة والعقل، والنظر في جميع المعوقات التي كانت سبباً في التدمير والتخريب، ولا سيما حرب اليمن، التي باتت من أسوأ الحروب على الإطلاق، لما تحمله من مآسٍ وكوارث إنسانية بالجملة، وهي تحتاج إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإلى إطلاق عملية سياسية وحوار موسّع مع الأطراف اليمنية كافة، لإيجاد حل سريع وبلورة اتجاهات جديدة نحو معالجة القضية بالطرق السلمية، والجلوس إلى طاولة الحوار والمفاوضات بين جميع الأطياف اليمنية.
وقد نشهد بعدها خلال الأشهر القادمة انفراجاً كبيراً في الأحداث الجارية في اليمن، وهو ما يخدم جميع الأطراف في المنطقة، ما عدا الطرف الإسرائيلي الذي تزعجه هذه التسويات وتربكه، لأنه طرف دخيل وهجين ينبغي عزله في زاوية محدودة والتعامل معه وفق ما يمليه علينا ديننا ووحدتنا.
من حقّ الشّعب الفلسطيني أن يتحرّر من الاحتلال الصهيوني، وينشئ دولة مستقلة لها أركانها وأسسها، عاصمتها الأبدية القدس الشريف. وبذلك، تكتمل المنظومة العربية والإسلامية، وتتحرّر من القيود الغربية التي تفرضها عليها بين الفينة والأخرى، لتعيش البلاد العربية حرة مستقلة أبية، في ظلّ نظام عالمي جديد لمصلحة المقاومة والعدل والمساواة، قد تتشكل على إثره تكتلات جديدة تخدم المنطقة برمتها.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً