قبل 3 سنە
فوزي بن يونس بن حديد
418 قراءة

ماذا تريد "إسرائيل" من أميركا في الملفّ النوويّ الإيرانيّ؟

ثمة قلق إسرائيليّ كبير من تذمّر الولايات المتّحدة الأميركيّة من تصريحات المسؤولين الصهاينة الأخيرة، والتي كانوا يتباهون فيها باستهداف منشأة "نطنز" النووية، ودعوتها الاحتلال إلى الكفّ عن الثرثرة في هذه المسألة، لأنّها لا تخدم القضية الأساسيّة، ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى استغراب اللوم الأميركيّ الذي جاء، بحسب رأيها، في التوقيت الخاطئ، بعد أن كان بنيامين نتنياهو مزهوّاً بصديقه دونالد ترامب، الَّذي حقّق له ما أراد في فترة وجيزة جدّاً، ليجد نفسه اليوم في موقف محرج جدّاً أمام الإدارة الأميركيّة الجديدة.

ونظراً إلى فتور الاتصالات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية منذ تسلّم بايدن الحكم، وانشغال إدارته بالملفّ النووي الإيراني وبعض الملفات الداخليّة، رأت "إسرائيل" نفسها كأنَّها مُقصاة من الملف النووي الإيراني ومعزولة عنه بشكل تام، ما حدا بمسؤولي الاحتلال إلى المحاولة من جديد للضغط على الإدارة الأميركية، والتشويش على المفاوضات التي تجري في فيينا بهذا الخصوص، وبيان المخاوف الإسرائيلية الحقيقية تجاه هذا الملف الذي بات يؤرّق الإسرائيليين ويشغلهم ليلاً ونهاراً.

يرى الاحتلال الإسرائيلي في الانشغال الأميركي عنه أمراً مُريباً لم يحدث طوال فترة دونالد ترامب. ورغم التصريحات الأميركية بأن أميركا ستقف دوماً إلى جانب "إسرائيل"، وأنَّ أمنها يعدّ خطّاً أحمر، فإنّها لم تشعر بالاطمئنان، وهي الآن تحاول أن تبعث رسائل جديدة إلى الإدارة الأميركية بأن تهتمّ بها قليلاً في مسألة إيران وما يحوم حولها من تهديدات حقيقية لها، سواء من حيث الملف النووي أو من حيث التصريحات النارية التي يطلقها المسؤولون الإيرانيون بين الفينة والأخرى حول إزالتها من الخريطة ومحوها.

لذلك، أصرّت على إرسال وفد إسرائيليّ للتشاور مع إدارة بايدن والتعبير عن هذا القلق الكبير ومحاولة نزع اعتراف منها، ولو ضمنيّاً، بخصوص هذا الملف وملفات أخرى، أبرزها اتفاق "أبراهام" الذي توقف العمل به حتى إشعار آخر، والخوف كلّ الخوف الذي تشعر به الحكومة الإسرائيلية اليوم هو أن لا تحصل "إسرائيل" من هذه الزيارة على شيء، وأن ترجع خالية الوفاض أو بخفي حنين.

ولو نظرنا إلى الإدارة الأميركية الجديدة اليوم، لتأكّدنا أنها تحاول دفع إيران إلى القبول بما تعرضه من إغراءات، والموافقة على الدخول في مفاوضات وحوار استراتيجي والإعلان عن الالتزام به. وكان ذلك، ولا يزال، همها الكبير، لأنَّ هناك إصراراً منها على النجاح وكسر الجمود الذي يلفّ العملية السياسية للملف النووي الإيراني.

لذلك، تبحث عن "مُعينات" يمكن أن تكون عوامل إيجابية في هذه القضية، منها التقارب السعودي الإيراني الّذي حصل بداية في بغداد، بحسب مصادر إعلامية عراقية، ومحاولة إيجاد طريق آخر يمكن من خلاله تسهيل الأمر وفتح شقّ جديد في المفاوضات السياسية التي تحدث في فيينا اليوم، وتخفيف حدة التوتر بين السعودية وإيران، والمساهمة في تغيير الموقف الإيراني، ولو قليلاً، للقبول بالعرض الأميركي، وهو التدرج في رفع العقوبات والوصول إلى هدف الاتفاق من جديد.

لا شكّ في أن هذا الأمر يقلق أيضاً "إسرائيل"، التي تحاول من خلال وفدها تغيير النظرة الأميركية الإيجابية جداً للرجوع إلى الاتفاق النووي، كما تحاول من جديد أن تصور إيران بوصفها الكابوس والأخطبوط المُخيف في المنطقة برمتها، وسوف تقدّم للإدارة الأميركية مستندات ووثائق حصلت عليها إثر القرصنة الأخيرة التي نفذتها في محطة "نطنز" النووية، والتي ظهرت إيران بعدها في موقف قوة أكثر من أي وقت مضى.

كما ستحاول إقناع الإدارة الأميركية بأنَّ مسار المفاوضات عبثي، وأن إيران "دولة إرهابية"، ومليشياتها تقاتل من أجل إزاحة "إسرائيل" عن المشهد العالمي، وإثارة البلبلة في المنطقة، وتقويض اتفاق "أبراهام"، وغيرها من المشاريع التي وصفتها إيران سابقاً بأنها مشاريع شيطانية.

وسوف تأتيها "إسرائيل" من أمامها ومن خلفها، وعن أيمانها وعن شمائلها، لتغيّر نظرتها وتربك المشهد السياسي، لكن لا يستطيع شيء حتى الآن أن يضمن نجاح ما ستُقْدم عليه، رغم أن الإدارة الأميركية غير متحمسة بتاتاً لمشروع "أبراهام" الذي ركّز دونالد ترامب عليه كثيراً، ما يوحي بفشل المحاولة الصهيونية والرجوع بالفُتات الذي يمكن أن تقدمه الإدارة الأميركية لها في الوقت الحاضر.

لا تُغضب أميركا "إسرائيل" بتاتاً، ولا ترضيها تماماً. هذه هي سياسة بايدن مع نتنياهو في هذه المرحلة، إن بقي على رأس الحكومة الإسرائيلية، كما أنها تستمتع إليها وتُنصت بإمعان وتعبّر لها عن تضامنها وعلاقتها المتينة معها، لكنها على أرض الواقع لا تهتم كثيراً بذلك، على الأقل في الوقت الحاضر، حتى تفكّ عقدة إيران أولاً.

وإذا استطاعت أن تحلّ هذه المسألة المعقدة التي يبدو أنها ستأخذ وقتاً طويلاً، فسيكون لذلك اليوم حديثٌ آخر. أما إذا لم تستطع إقناع إيران بقبول العرض الأميركي، ورفضت الجمهورية الإيرانية كل الحلول الممكنة والمطروحة، فقد تلجأ أميركا إلى "إسرائيل" مرة أخرى، للضغط عليها من جديد بأساليب قديمة جديدة، منها فرض العقوبات، وزيادة عزلها عن العالم الخارجي، والاستقواء بالحلفاء، ولكن لا يستطيع أحد كذلك أن يضمن نجاح هذا السّيناريو.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP