هل تكون إيران البديل المحتمل للطاقة في الأسواق العالمية؟
ليس هناك أمام القوى الكبرى التي أقدمت على فرض عقوبات مشددة على روسيا إثر تنفيذها عملية عسكرية في أوكرانيا إلا الرضوخ لمطالبها والإبقاء على إمدادات الطاقة، لكبح جماح أسعار النفط التي قفزت سريعاً إلى 130 دولاراً للبرميل، وربما تقفز إلى أكثر من ذلك بكثير، بعد أن فكّر الأوروبيون في الاستغناء عن الغاز الروسي، لكنهم اختلفوا في حسم هذا الأمر، بعد أن عارضت بعض دول الاتحاد المقترح بشدة، مثل ألمانيا، وتوجَّس بعضها الآخر خيفة من الدخول في متاهات تعثر إمدادات الطاقة في ما لو حدث هذا السيناريو، وربما ستتعطَّل الخدمات في سائر البلدان بصفة مؤقتة إلى حين الوصول إلى اتفاق جديد.
لكنَّ الولايات المتحدة الأميركية تتمنى أن يحصل ذلك حتى يعاقَب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتتعرض روسيا لأزمة اقتصادية حادة، وهي في الوقت نفسه تضع عينها على إيران، المصدر البديل للطاقة في نظرها، فتحثّ الخطى نحوها لإبرام اتفاق جديد معها يخوّلها الإفراج عن حمولتها النفطية التي تقدر بخمسة ملايين برميل يوميا تقريباً، وهي الكمية التي تحتاجها أوروبا ليكون ممكناً الاستغناء عن النفط الروسي مؤقتاً أو على المدى الطويل، في حال أرادت أميركا أن تتوسع في عقوباتها لإنهاك الاقتصاد الروسي وإحداث أزمة ثقة بين الرئيس فلاديمير بوتين وشعبه.
هذا الاتفاق الجديد، إن حدث، وهو ما تريد أميركا أن يتحقَّق على الأرض بسرعة، سيسهم، ولو بشكل غير مباشر، في انهيار روسيا من الداخل وإحراج الرئيس الروسي أمام العالم، حتى ينسحب من أوكرانيا، ويكون قد تلقى درساً في حال فكَّر يوماً في الاقتراب من أي بلد آخر أو سوّلت له نفسه بأن يتوسّع إلى شرق أوروبا، مهما كانت المبررات والغايات.
لكنَّ روسيا استبقت الأمر، وطالبت بضمانات، واعتبرت أنَّ إيران - وهي حليفها الكبير - من حقّها أن تطلب ضمانات تتعهّد أميركا بموجبها بأن لا تنسحب مرة أخرى، إن حدث هذا الاتفاق، وهو الشَّرط الذي ما زالت الولايات المتحدة الأميركية ترفضه إلى هذه اللحظة ولا تقتنع بجدواه، إذ يتطلَّب موافقة من الكونغرس قبل اعتماده، وبالتالي سيجد معارضة شرسة من النواب الجمهوريين الذين يرفضون أي تسوية مع إيران، مهما كانت الظروف والأسباب والمسببات.
يبقى الصراع قائماً بين الدولتين العظميين في هذا الملف الذي طال أمده، وتبقى إيران في وسط المعمعة بين شد روسيا وجذب أميركا، وهي تنتظر ما تسفر عنه المداولات والمباحثات والمفاوضات، لعلها تحصل على غنيمة تنقذ بها نفسها، بعد أن تعرَّضت لحصار شديد سنوات وسنوات، وهي اليوم ترى الفرصة مناسبة جداً لإحراز تقدم كبير في المحادثات، وقد تتحوَّل إلى ثنائية مباشرة للمصلحة الاستثنائية والملحة والأساسية التي تتطلبها المرحلة الحالية.
كل العيون تتجه إلى فيينا؛ المحطة الرئيسة لهذه المداولات، وتنتظر ما تسفر عنه التجاذبات الأخيرة التي قد تربك المشهد السياسي، لأنَّ السبب هو أزمة الطاقة التي بدأت تستفحل بشكل مخيف يمكن أن يؤدي إلى اشتعال المنطقة برمتها، وخصوصاً أنَّ أوروبا ما زالت تعيش أجواء الشتاء كلياً، وإن دخلت في فصل الربيع، وهي تحتاج إلى إمدادات كبيرة من الغاز والنفط حتى تستطيع أن تواصل المشوار الطبيعي لحياتها العادية.
هل ستسمح روسيا لإيران بأن تعقد صفقتها مع واشنطن، وهي العدو اللدود اليوم لكلا الطرفين، مراعاةً لحالها وخروجاً من النفق المظلم الذي عاشته لسنوات طويلة أو أنها ستختلق العقبات الواحدة تلو الأخرى لإحداث مزيد من البلبلة لأميركا واستفزازها، حتى تعدل عن خطّتها في محاولة حظر النفط الروسي والاستغناء عن الغاز الذي تمدّ به موسكو أوروبا؟ أعتقد أن الأمر سيتعقّد أكثر خلال الأيام المقبلة، وسيثير جملة من التكهّنات الصعبة.
هناك تحذير واضح من نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك من أنَّ حظر النفط الروسي سيؤدي إلى كارثة كبيرة في الأسواق العالمية، وستشتعل الأسعار أكثر لتصل إلى حدود 300 دولار للبرميل، وستكون الدول المستهلكة أكبر المتضررين من هذا الخط التصاعدي الذي ستشهده بورصات النفط العالمية. وهناك في المقابل أمل لدى السلطات الإيرانية في أن تعقد الدول الكبرى اتفاقاً مقبولاً معها لتجاوز المحنة الحالية.
المشهد ضبابي إلى حد كبير، وليس هناك ما يشير إلى توصل الأطراف إلى تفاهمات من شأنها أن تبعث الأمل في نفوس هؤلاء أو أولئك. ويبقى الحال على حاله إلى أن تقرر روسيا ما تنوي فعله: هل ستحتل أوكرانيا بالكامل وتجبرها على التبعية لروسيا، أو ستعزل الحكومة الحالية، وتقبض على الرئيس الأوكراني، وتعيّن حكومة موالية، أو ستراقب الوضع عن قرب وتتصرف وفق المعطيات على الأرض؟
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.