قبل 2 سنە
محمد منصور
345 قراءة

خيارات أنقرة الصعبة في شرقي أوروبا

هي علاقة تبدو أساسية في هذه المرحلة بالنسبة إلى أنقرة، لكنها تمثّل، في الوقت نفسه، نموذجاً عن علاقات "الضرورة" الإقليمية، التي تستمر على الرغم من وجود عدد كبير من التناقضات التي قد تتسبب، بين آن وآخر، بتوتير العلاقات بين طرفيها.

ففي محطات التوتر السابقة بين أنقرة وموسكو، وعلى رأسها المحطات التي رافقت السواد الأعظم من الملفات المرتبطة بالأزمة السورية، مثل وضع إقليم إدلب في شمالي سوريا، والعلاقة بالأجسام العسكرية والسياسية الموجودة في شرقي الفرات، وغيرهما من الملفات التي وصل التوتر فيها بين الجانبين إلى حدّ خطير عشية إسقاط سلاح الجو التركي قاذفة روسية من نوع "سوخوي-24" عام 2015، مروراً بمحطات أخرى مرتبطة بالأزمة السورية، مثل اغتيال السفير الروسي في أنقرة، والهجوم الجوي الروسي الذي أسفر عن مقتل عدد من الجنود الأتراك شمالي سوريا عام 2020، كانت محطة الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان، عام 2020، في إقليم ناغورنو كاراباخ، بمثابة مثال على إمكان توافق موسكو وأنقرة على الرغم من اختلاف وجهات نظريهما فيما يتعلق بأزمة ما، بالنظر إلى أن تموضع تركيا في صف أذربيجان - عبر التعاون، اقتصادياً وعسكرياً - لم يترافق مع تشدد روسي نحو تغليب وجهة النظر الأرمينية في هذا الملف، ما دام في استطاعة موسكو في النهاية فرض ما تراه ملائماً من حلول، وهو ما لم تقف أنقرة عائقاً حياله، لأنه أعطى مساحة جديدة لنفوذ باكو في الإقليم المتنازَع عليه منذ عقود.

الأزمة الأوكرانية تتباين عن سابقاتها
الأزمة الحالية في أوكرانيا، والتوتر الذي يصاحبها بين موسكو وعدة دول، وبينها تركيا، مُغايران لما سبق ذكره، لأن هذه الأزمة تتعلق بملف مصيري وأساسي بالنسبة إلى روسيا، يطال أمنها القومي بصفة مباشرة. وبالتالي، وجدت تركيا نفسها أمام خيارات صعبة، بين تحديد مصير بوابة كييف الإقتصادية التي تحرص عليها - في ظل الظروف الاقتصادية الحالية لتركيا - وبين المحافظة على علاقة استراتيجية ومهمة بموسكو، والتي تسبّب تصعيدها إلى مستويات جديدة - تتضمّن شراء أسلحة نوعية - بتأثر العلاقات التركية الأوروبية، والتركية الأميركية، على الرغم من تسليم الأطراف الغربية بأهمية تركيا كواحدة من أبرز القوى العسكرية في حلف الناتو.

بصورة عامة، وبالنظر إلى زيارة إردوغان - المباغتة - إلى كييف أوائل الشهر الماضي، وكذا المواقف التركية الأخرى فيما يتعلق باندلاع المعارك في أوكرانيا، ومسألة وقف عبور السفن الحربية في مضيقي البوسفور والدردنيل، يبدو الموقف التركي الحالي حيال هذه الأزمة، منحازاً على نحو "محسوب" إلى اوكرانيا، ومن خلفها أوروبا، بعد أن بدا في البداية مروّجاً أداء أنقرة دور "الوساطة" بين الجانبين، وهو الدور الذي لم يَلقَ تجاوباً من موسكو، ولم يلقَ تجاوباً حتى من بعض الأطراف الغربية الأساسية، التي لم تُلَبِّ دعوة الرئيس الأوكراني، منتصف الشهر الماضي، إلى عقد اجتماع يجمع قادة تركيا وأوكرانيا وألمانيا والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن من أجل البحث في هذه الأزمة.

الموقف التركي تجاه هذه الأزمة يبدو بين شقَّي الرحى. فمن جهة، يبدو مرتبطاً بصورة أساسية بتراجع أنقرة  - التدريجي - عن مواقفها السابقة، والتي تصادمت فيها مع عدة دول في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، سواء على خلفية أزمة المهاجرين والعلاقة باليونان، أو على خلفية ملفات إقليمية، مثل الملف الليبي، على سبيل المثال. وهذا يبدو واضحاً بصورة أكبر من خلال التعاطي التركي مع إدارة الرئيس الأميركي بايدن، وطلبها التزود بمزيد من مقاتلات "أف-16" الأميركية.

يُضاف إلى ذلك ظهور رغبة تركية واضحة في استدراك التصاعد اللافت في حجم تأثير فرنسا في الاتحاد الأوروبي، وظهورها طرفاً أساسياً في الأزمة الأوكرانية، من خلال الاجتماع الذي جمع الرئيس الفرنسي والرئيس الروسي في موسكو، أوائل الشهر الماضي، بحيث بدأت تتضح ملامح عودة قوية للتضامن الأوروبي، وخصوصاً على المستوى الأمني. لذا، تحاول تركيا، من خلال تموضعها الحالي في الملف الأوكراني، حجزَ مقعد في التشكيل المقبل للمنظومة الأوروبية، عسكرياً وأمنياً، وتخفيف التوجس الذي ظل يراود بعض الدول الأوروبية الكبرى بشأن حقيقة توجهات أنقرة الإقليمية والدولية.

لذا، كان واضحاً الفارق الكبير في مواقف تركيا تجاه الملف الأوكراني قبيل بدء المعارك وبعده. ففي مرحلة ما قبل المعركة، خَلَتِ المواقف التركية من أي تنسيق مع حلف الناتو، بل انتقدَ بعضُ هذه التصريحات مواقف دول الحلف "المتسببة بتفاقم التوتر"، في حين تصاعد، على نحو لافت، التنسيق بين الجانبين بعد بدء المعارك، ما بين التواصل اللافت بين الرئيس التركي والرئيس الفرنسي، وكذلك المحادثة الهاتفية بين وزير الدفاع التركي ونظيريه الأميركي والأوكراني، واللقاء بين وزير الخارجية التركي والممثل الأعلى للسياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل. 

من الجهة الأخرى، ربما وضعت موسكو في اعتبارها سابقاً، وبصورة خاصة خلال أزمة أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عام 2008، خصوصيةَ الموقف التركي وارتباطاته الاقتصادية، والتي جعلت أنقرة تتخذ موقفاً - شبه محايد - تجاه هذه الأزمة، إلاّ أن عدم التجاوب الروسي مع رغبة أنقرة في أداء دور الوسيط في الأزمة الأوكرانية الحالية، كان دليلاً على أن موسكو لن تقبل موقفاً محايداً من جانب تركيا هذه المرة، بالنظر إلى التأكيد التركي المستمر لعدم الاعتراف بـ"ضمّ موسكو شبه جزيرة القرم". لكن، على الرغم من هذا، فإنه يمكن القول إن الموقف التركي الحالي بشأن الأزمة الأوكرانية، يَشُوبه بعضُ المرونة تجاه روسيا، وخصوصاً فيما يتعلق بالوقوف ضد فرض العقوبات عليها، من زاوية أنها "لن تكون مجدية"، وهو الموقف نفسه الذي اتخذته أنقرة خلال أزمة "شبه جزيرة القرم" عام 2014.

وعلى الرغم من عدم التجاوب من جانب موسكو مع محاولات الوساطة التركية، فإنها أبدت، في الوقت نفسه، نوعاً من "التفهم" لخلفيات الموقف التركي في هذه الأزمة. لذا، لم تصدر عنها انتقادات واضحة للتموضع التركي الحالي في هذه الأزمة. لقد كان هذا التفهم من ملامح السياسة الخارجية الروسية، بصورة عامة، وخصوصاً حيال مواقف دول الشرق الأوسط تجاه الأزمات التي تحتفظ فيها موسكو بموقع معين. وهنا، يبدو من المهم الحديث عن ملفين أساسيين، ربما يمثلان - ظاهرياً - تصعيداً من جانب أنقرة تجاه موسكو، هما ملفا إغلاق المضائق، والصادرات العسكرية التركية إلى أوكرانيا.

مونترو وبيرقدار
قرار إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام الملاحة العسكرية، يبدو بصورة أساسية موجَّهاً ضد موسكو، بالنظر إلى أن اتفاقية "مونترو"، التي على أساسها تم اتخاذ هذا القرار، تعطي أنقرة خيار إغلاق المضائق أمام جميع السفن الحربية الأجنبية في "وقت الحرب"، أو عندما تكون مهدَّدة بعمل عسكري مُعادٍ. ومع ذلك، أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن بند الاتفاقية المتعلق بحقوق تركيا وقت الحروب، لا يزال يسمح للدول المطلة على البحر الأسود بإعادة سفنها إلى قواعدها، الأمر الذي يعني ضمنياً السماح لوحدات أسطول البحر الأسود الروسي بالعودة إلى قواعدها في شبه جزيرة القرم.

تُضاف إلى ذلك حقيقة مفادها أن البحرية الروسية قامت بإدخال الوحدات البحرية اللازمة لعمليتها العسكرية في أوكرانيا، للبحر الأسود أوائل الشهر الماضي. وتتألف من 7 قطع بحرية هجومية، من بينها غواصة من الفئة "كيلو"، والفرقاطة الثقيلة "الأدميرال غريغوروفيتش". وتنفّذ هذه الوحدات فعلياً – إلى جانب وحدات أسطول البحر الأسود - الضربات الصاروخية بصواريخ "كاليبر" وعمليات الإنزال البحري، في المحور الغربي للجبهة الجنوبية، الذي يستهدف ميناء "أوديسا" الأوكراني. وبالتالي، يمكن القول إن إغلاق المضائق لن يؤثّر، بصورة كبيرة، في العمليات البحرية الروسية – على الرغم من أن وزير الخارجية التركي أكد أن تركيا قامت فعلاً برفض مرور أربع قطع بحرية روسية في مضيق البوسفور أواخر الشهر الماضي، لكنه قد يمثل - في حالة استثناء سفن حلف الناتو منه - شرارة توتر كبير في العلاقات بين موسكو وأنقرة.

فيما يتعلق بملف الصادرات العسكرية التركية لأوكرانيا، ترتكز أنقرة، في هذا الإطار، على حقيقة مفادها أن التعاون بين الجانبين ليس وليد اللحظة. وبالتالي، لا يمكن وضع أي صادرات عسكرية تركية إلى أوكرانيا، في الخانة نفسها للمساعدات العسكرية التي تتدفق على أوكرانيا من الدول الأوروبية منذ أوائل العام الجاري، إذ إن التعاون العسكري بين الجانبين يعود إلى عام 2016، الذي شهد توقيع عدة اتفاقيات للتعاون العسكري بين الجانبين، تلتها اتفاقيات أخرى للتعاون في مجال التصنيع العسكري تم توقيعها عام 2017.

التصنيع العسكري الأوكراني يبدو مهماً جداً لأنقرة في هذه المرحلة، نظراً إلى معاناة الصناعات العسكرية التركية جراء توتر العلاقات بين تركيا وبعض الدول، مثل فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، الأمر الذي أثّر في إمكان استيراد أحد أهم المكونات التي تحتاج إليها هذه الصناعة من أجل إدامة استمرار دوران عجلة التصنيع العسكري المحلي، ألا وهي المحركات. فبعد إيقاف شركة "روتاكس" النمساوية، إحدى شركات مجموعة "بومباردير" الكندية للصناعات الجوية، تصديرَ محركات "روتاكس 912" الخاصة بطائرات "بيرقدار" إلى تركيا، أصبح البديل المتاح أمام أنقرة هو التزود بمحركات أوكرانية الصنع.

لذا، اتفقت أنقرة مع كييف على تبادل المنافع في هذا الصدد، بحيث تشترى الثانية طائرات "بيرقدار" من الأولى، وتتزود الأولى بالمحركات الأوكرانية، وهو ما تم تدشينه بصورة أساسي خلال زيارة أردوغان الأخيرة لكييف، بحيث تم توقيع اتفاقية الإنتاج المشترك لهذا النوع من الطائرات من دون طيار، على أن تتزود بمحركات من إنتاج شركة "موتورسيتش" الأوكرانية، علماً بأن كييف حصلت على اثنتي عشرة طائرة من هذا النوع عام 2019. وأعلنت، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أنها ستشتري خمس طائرات أخرى.

هذا التعاون في مجال التصنيع العسكري، يُضاف إلى أمثلة أخرى، بينها بدء كِلا الجانبين، عام 2018، التفاوض على التصنيع المشترك لطائرة النقل التكتيكي "أنطونوف 178"، وتوقيعما، في آب/أغسطس 2019، اتفاقية مشتركة لتصنيع أجيال جديدة من الطائرات القتالية من دون طيار، البعيدة المدى، "أكينسي"، بحيث أسست شركة "بايكار" التركية و"أوكرسبيتسيسكبورت" الأوكرانية، شركة مشتركة متخصّصة بالصناعات الجوية، تعمل على إنشاء مصنع لتجميع الطائرات من دون طيار. كذلك، وقّع الجانبان، في كانون الثاني/يناير الماضي، عقداً بقيمة 600 مليون دولار، من أجل توريد محركات توربينية من إنتاج شركة "أيفشينكو" الأوكرانية، من أجل تزويد صواريخ الكروز التركية الجديدة، من نوعي "جزكين" و"أطمجة"، بها، بعد أن تعذَّر حصول أنقرة على المحركات الفرنسية التي كانت تعتزم شراءها من أجل هذه الصواريخ، إلى جانب اتفاقيات أخرى تتعلق بالتعاون في مجال بناء القطع البحرية المتوسطة والثقيلة.

أبدت موسكو، من جانبها، بعض الامتعاض من التعاون بين الجانبين، وخصوصاً فيما يتعلق بطائرات "بيرقدار"، لأن هذا النوع من الطائرات تم استخدامه في أوكرانيا للمرة الأولى أواخر العام الماضي  ضد الوحدات الانفصالية في إقليم دونباس، وضد منظومات الدفاع الجوي الروسية في عدة مناطق حول العالم، ما بين إقليم ناغورنو كاراباخ وسوريا وليبيا. هذا الامتعاض تم التعبير عنه، عدة مرات، على نحو غير رسمي، لكن كان لافتاً حديث الرئيس الروسي، خلال محادثة هاتفية مع الرئيس التركي أواخر العام الماضي، عن أن الطائرات التركية من دون طيار تسبّبت باتخاذ كييف "سلوكاً مدمراً". لكن، على الرغم من ذلك، فإنه لا يمكن اعتبار هذا الملف من ملفات التوتر بين الجانبين، على الرغم من  استخدام هذا النوع من الطائرات عدة مرات خلال العمليات العسكرية الجارية حالياً في أوكرانيا، بالنظر إلى مرور التجارب السابقة السالف ذكرها مرور الكرام من دون أي تجاذب بينهما.

خسائر أنقرة الاقتصادية من معارك أوكرانيا
يؤثّر موقف تركيا الاقتصادي أيضاً في حساباتها في الأزمة الأوكرانية، بحيث وصل الاقتصاد التركي إلى وضع صعب وغير مسبوق أواخر العام الماضي، ولا يزال يعاني جراء عدم الاستقرار، الذي سيغذيه ارتفاع أسعار الطاقة العالمية وتعطُّل إمدادات الغاز الطبيعي، ناهيك بالتأثيرات المحتملة لهذه الأزمة في موسم السياحة الصيفي في تركيا، والذي يمثّل الأمل الأساسي لأنقرة من أجل تعويض النقص الذي أصاب احتياطياتها من العملة الصعبة، بحيث بلغت عائدات قطاع السياحة التركي نحو 24.5 مليار دولار العام الماضي. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه، وفقاً لبيانات وزارة الثقافة والسياحة التركية، استضافت تركيا 24.7 مليون سائح أجنبي في عام 2021، منهم 4.7 ملايين من روسيا، و2.1 مليون من أوكرانيا. وبلغت حصة روسيا وأوكرانيا في إجمالي عدد السياح الأجانب، القادمين إلى تركيا في عام 2021، نحو 27.34 في المئة.

ملفّا الغاز والقمح يُعدّان أيضاً من الملفات الاقتصادية المهمة، والتي يجب أن تضعها أنقرة في الاعتبار من أجل تحديد هوامش موقفها الحالي في أوكرانيا وخطوطه. فعلى الرغم من استمرار تدفق الغاز الروسي إلى تركيا، بفعل العقود الطويلة الأجل، والتي تم توقيعها بين البلدين، فإن الأزمة الحالية في أوكرانيا تحمل في طياتها مخاطر ارتفاع أسعار الغاز والوقود عالمياً، وهو ما قد يؤثّر في تركيا، التي أنفقت - بحسب تقارير هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية "EMRA" - نحو 50.5 مليار دولار عام 2021 على عقود شراء المحروقات، علماً بأن الغاز الطبيعي الروسي شكّل ما نسبته 33.6 في المئة من احتياجات تركيا السنوية من الغاز الطبيعي من روسيا عام 2020. هذا يُضاف إلى واردات تركيا من القمح الروسي، بحيث استوردت أنقرة العام الماضي 6.7 ملايين طن من القمح الروسي، بقيمة إجمالية تبلغ 1.8 مليار دولار، لتصبح حصة روسيا من إجمالي واردات تركيا من القمح ومنتوجاته نحو 66 في المئة.

خيارات تركيا الاقتصادية صعبة حتى على الجانب الأوكراني، بحيث تهدد الأزمة الحالية مسار تدفق الصادرات التركية إلى كييف، والتي بلغت العام الماضي 2.9 مليار دولار، ناهيك بتأثر الاستثمارات التركية في أوكرانيا، وعدم تفعيل سلسلة الاتفاقيات الجديدة التي وقعها الرئيس التركي مع أوكرانيا، بما في ذلك اتفاقية التجارة الحرة، التي تستهدف تعزيز التجارة الثنائية السنوية من 7.5 مليارات دولار إلى 10 مليارات دولار، تستفيد منها أكثر من 700 شركة تركية تعمل في أوكرانيا.

يبدو العام الجاري عاماً حاسماً بالنسبة إلى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي وجد نفسه أمام أزمة إقليمية ضاغطة على بلاده، تلت أزمة اقتصادية ما زال الداخل التركي يعيش تداعياتها، قبيل أشهر من الانتخابات الرئاسية المقرَّرة العام المقبل. قربُ الاستحقاق الانتخابي جعل وتيرة تحركات إردوغان الإقليمية تتسارع بصورة أكبر في اتجاهات تتعلق بالعلاقات الاقتصادية والسياسية بالمحيط الدولي، على نحو عام، فيما يبدو أنه عودة - متأخرة – إلى سياسة "صفر مشاكل". وهنا، يمكن النظر إلى زيارته اللافتة لأبو ظبي، والتي شهدت توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية، والزيارة التي يعتزم الرئيس الإسرائيلي القيام بها لأنقرة من هذه الزاوية نفسها.

لكن، بالنظر إلى الميزان الاقتصادي، تبدو العلاقات بين موسكو وأنقرة أساسية بالنسبة إلى إردوغان، على الأقل في هذه المرحلة. فموسكو، التي تفادت توجيه نقد صريح او علني إلى سياسات إردوغان المتعارضة مع بعض توجهاتها، بدأت إظهار غضب مكتوم من هذه السياسات، بفعل الأزمة الأوكرانية، التي يبدو فيها الروس أكثر تحفزاً من أي أزمة سابقة. وربما يمكن اعتبار التحركات الروسية في شرقي الفرات، وتحليق طائراتها هذا الشهر، فوق مدينة الباب التي تسيطر عليها تركيا في محافظة حلب السورية، والصاروخ الذي تعرضت له سفينة شحن تركية قبالة ساحل مدينة "أوديسا" الأوكرانية - في اليوم نفسه لطلب كييف من أنقرة إغلاق مضيق البوسفور - كنماذج عن الغضب الروسي المكتوم، والذي يبدو تحدياً أساسياً أمام إردوغان لتحديد مسار تموضعه الحالي في الأزمة الأوكرانية، التي يبدو أنها ستشهد فصولاً جديدة وطويلة الأمد.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP