"إسرائيل" تبحث عن أسواق أسلحة جديدة لتدارك المأزق
تعكس طبيعة الصفقات التسليحية الجديدة التي وقعتها "إسرائيل" مؤخراً، رغبة تل أبيب في محاولة تقليل الآثار السلبية المستقبلية التي يتوقع أن تظهر قريباً، نتيجة للتعديلات التي أقرتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أواخر العام 2016 على بنود المعونات العسكرية المقدمة من واشنطن للكيان الصهيوني.
خلال الشّهر الجاري، أعلنت شركة "إيلتا" التابعة لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية "أي أيه أي" عن توقيعها عقداً مع الجيش السلوفاكي بقيمة 182 مليون دولار، لتوريد نحو 17 منظومة رادار ثلاثية الأبعاد مضادة للصواريخ من نوع "أم أم أر" ومعدات ميكانيكية وإلكترونية أخرى. وشمل هذا العقد نقل تكنولوجيا التصنيع والإشراف الإسرائيلي على التصنيع المحلّي السلوفاكي لبعض أجزاء هذه المنظومات.
يمكن اعتبار هذه الصفقة بمثابة مؤشر أساسي على توجه إسرائيلي متزايد لفتح أسواق تصديرية جديدة لأسلحته ومنظوماته الإلكترونية في أفريقيا وآسيا وشرق أوروبا، علماً أن هذه الصفقة العسكرية تعد الأولى على الإطلاق بين تل أبيب وبراتيسلافا، وذلك من أجل تحقيق هدفين أساسيين:
الأول هو تدارك التراجع المستمر في إجمالي الصادرات العسكرية الإسرائيلية منذ العام 2016.
والثاني هو الاستعداد لمحاصرة التأثير الذي يتوقع أن تحدثه التعديلات التي تمت أواخر العام 2016 من جانب إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على بنود المساعدات العسكرية المقدمة للدولة العبرية سنوياً.
في ما يتعلَّق بالهدف الأول، لوحظ منذ العام 2017 أن قيمة الصادرات العسكرية الإسرائيلية منذ ذلك التاريخ بدأت بالتراجع بشكل تدريجي، فسجّلت في العام 2017 نحو 9 مليارات و200 مليون دولار.
وفي العام 2018، بلغت ما مجموعه 7.5 مليار دولار. وفي العام 2019، انخفضت مجدداً لتصبح 7.2 مليار دولار، شكَّلت أنظمة الرادار والحرب الإلكترونية ما نسبته 17% منها، تلتها الصواريخ والقذائف الصاروخية وأنظمة الدفاع الجوي بنسبة 15%، ثم طائرات الجناح الثابت والطائرات من دون طيار بنسبة 8%، وأنظمة المعلومات والاستخبارات الإلكترونية بما نسبته 7%.
على الرغم من أنَّ هذا المستوى من المبيعات الخارجية إلا أنه ما زال يحافظ لتل أبيب على موقعها ضمن أكبر 10 دول مصدرة للسلاح في العالم، لكنه يعد مؤشراً جدياً على دخول هذا القطاع المهم من القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية في حالة ركود تدريجي، وهو ركود قد يكون لتداعيات تفشي جائحة كورونا دور فيه خلال العام المنصرم، لكن حقيقة أنه بدأ قبل الجائحة بسنوات تشير إلى أن المعضلة ربما تكون في بروز دول أخرى في أسواق تصدير السلاح.
الهدف الإسرائيلي الثاني من محاولاتها الأخيرة لفتح أسواق خارجية جديدة لأسلحتها، هو التغيرات التي طرأت على بنود المعونة العسكرية السنوية التي تقدمها لها الولايات المتحدة الأميركية، والتي بلغت قيمتها نحو 3 مليارات و100 مليون دولار، أي ما يعادل 54% من إجمالي المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن للدول الحليفة والصديقة.
هذه المعونة وصلت إلى أكبر حجم لها على الإطلاق العام الماضي، إذ بلغت 3 مليارات و800 مليون دولار، إلا أنها قبل ذلك تعرَّضت لتعديل جوهري في بنودها في العام 2016، ففي الفترة السابقة لهذا التاريخ، كانت تل أبيب تمتلك حرية أكبر ومرونة تامة في استغلال وإنفاق المبالغ التي تتلقاها كمساعدات عسكرية، حيث كان يتم تخصيص جزء منها لتمويل المشاريع الصاروخية الإسرائيلية، ويتم استغلال الجزء المتبقي في عدة اتجاهات، منها دعم الصناعات العسكرية المحلية وبحوث التطوير والإنتاج، وكذا شراء منظومات قتالية ودفاعية، سواء من الإنتاج المحلي أو من الولايات المتحدة أو من دول أخرى.
أزمة بنود المعونة العسكرية الأميركية
هذه المرونة انتهت بشكل شبه كامل بعد تعديل إدارة أوباما بنود المساعدات العسكرية المقدمة لتل أبيب. ونصت التعديلات على تثبيت قيمة هذه المساعدات حتى العام 2028، لتصبح قيمتها 4 مليارات و300 مليون دولار، بما فيها 500 مليون دولار يتم تخصيصها لدعم برامج التصنيع الصاروخي الإسرائيلية، على أن يتم بالتوازي مع ذلك خفض النسبة المخصصة للمشتريات العسكرية الخارجية من هذه المساعدات من 25% في العام 2019 إلى 0% في العام 2028، وهو ما سيمنع عملياً تل أبيب من توجيه جزء من هذه المساعدات لشراء أسلحة ومنظومات عسكرية من دول خارج الولايات المتحدة أو حتى من سوقها المحلية، كما سيمنعها كذلك من دعم الصناعات العسكرية المحلية، وكذا برامج الأبحاث والتطوير المتعلقة بالشأن العسكري، وهو ما سيؤثر بشكل قطعي في أداء شركات تصنيع السلاح الإسرائيلية، سواء على مستوى دورة الإنتاج الحالية - المتأثرة أساساً بتداعيات جائحة كورونا - أو على مستوى ابتكار واختبار منظومات وأسلحة جديدة لتسويقها في الخارج.
هذه النتيجة التي تقترب منها تل أبيب حثيثاً كلَّما اقتربنا من العام 2028، ربما يمكن من خلالها تفسير توجهاتها الأخيرة في ما يتعلَّق بالصفقات العسكرية الخارجية، والتي باتت تركّز بشكل أكبر على الدول التي تعاني صراعات داخلية، أو الدول التي لم يسبق أن تعاقدت مع "إسرائيل" على شراء أسلحتها، أو لم تتم معها تعاملات عسكرية تسليحية منذ فترات طويلة، إضافة طبعاً إلى بعض الدول التي تحتفظ معها بعلاقات عسكرية وطيدة ومستمرة.
من هذه الأمثلة، العقد الذي وقعته شركة "إلبيت" في كانون الثاني/ يناير الجاري مع الجيش الهولندي، وبلغت قيمته 24 مليون دولار، لتزويده بأجهزة كومبيوتر تكتيكية محسنة، وهي صفقة تأتي بعد أكثر من 10 أعوام على توقيع آخر صفقة بين الجانبين في العام 2009.
كذلك، وقّعت شركة "إيلتا" في كانون الأول/ديسمبر الماضي عقداً مع الجيش المجري، لتزويده برادارت ثلاثية الأبعاد مضادة للصواريخ من نوع "أم أم أر"، علماً أن كلا البلدين لم يوقّع سابقاً سوى صفقة عسكرية وحيدة في العام 2005، لتثبيت أنظمة إلكترونية على مقاتلات "جريبين" التابعة لسلاح الجو المجري.
صفقات جديدة ومؤشرات مهمّة
كذلك، بدأت تل أبيب بالتركيز بشكل تدريجي على الدول التي تعتبر أسواقاً أساسية للأسلحة الأميركية أو تلك التي كانت تدور سابقاً في فلك التسليح الشرقي، فوقعت مع كوريا الجنوبية خلال الشهر الجاري على 3 عقود لترقية إلكترونيات الطيران الخاصة بثلاثة أنواع من الطائرات الحربية العاملة في الترسانة الكورية الجنوبية، بقيمة إجمالية تصل إلى 50 مليون دولار.
كما اتفقت تل أبيب مع رومانيا في كانون الأول/ديسمبر الماضي على بدء شركة "إلبيت" بترقية وتحديث طائرات التدريب المتقدم الرومانية من نوع "إي أيه أر – 99"، وذلك على مدار 4 سنوات مقبلة. ويشمل هذا الاتفاق بنوداً خاصة بالتدريب وتحديث إلكترونيات الطيران، إلى جانب إضافة قدرات الهجوم الأرضي والاشتباك الجوي إلى الطائرات الرومانية، بحيث يمكن اعتمادها كمنصة لتأهيل الطيارين الرومان للعمل على مقاتلات "أف-16".
التوجه نحو آسيا بدا واضحاً بشكل كبير أيضاً في ملامح الصفقات الإسرائيلية الأخيرة، فقد فازت شركة "إلبيت" في كانون الثاني/يناير الجاري بعقد لتزويد جيش دولة آسيوية (لم يتم تحديدها بشكل قاطع) بالدرونز البحرية "سي جل" المتخصصة في مهام مكافحة الألغام والغواصات.
وفي الشهر الماضي، فازت شركة "رفائيل" للصناعات الجوية بعقد مماثل لصالح جيش دولة آسيوية (لم يتم الإعلان عن اسمها أيضاً)، بلغت قيمته 200 مليون دولار، من أجل توريد القنابل الجوية "سبايس – 2000" وصواريخ "سبايك" المضادة للدروع.
مساعي "إسرائيل" للتغلّب على العقبات المتوقع أن تصادف صناعاتها العسكرية لم تتوقّف عند هذا الحد، فقد جددت تل أبيب محاولات نسج خيوط علاقات تسليحية مع الصين، وهي محاولات بدأت سابقاً خلال حقبة التسعينيات، وسعت من خلالها إلى تصدير منظومات الرادار "فالكون" والدرونز الانتحارية "هاربي" إليها، لكن في ذلك التوقيت أدت الاعتراضات الأميركية إلى إلغاء هاتين الصفقتين. ويبدو أن تل أبيب تحاول إحياء هذا التعاون مرة أخرى مع دولة يشكل التعاون معها ما بين 10 إلى 15% من الاقتصاد الإسرائيلي، وتعدّ ثاني أكبر شريك تجاري لـ"إسرائيل" بعد الولايات المتحدة.
البوابة التي فعَّلت منها "إسرائيل" هذا التعاون هي البوابة التكنولوجية، إذ بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في الشركات الإسرائيلية العاملة في هذا المجال نحو 400 مليون دولار في العام 2018.
أسلحة تغذي الحروب الأهلية
شهد العام الجاري أيضاً الكشف عن جانب آخر من جوانب السياسات التسليحية الإسرائيلية، وهو جانب مشابه لبعض جوانب السياسات التسليحية لبعض الدول الأخرى، مثل ألمانيا، وهو تصدير الأسلحة إلى الدول التي تشهد نزاعات داخلية وحروباً أهلية، فقد كشف منظمات حقوقية غربية عن تعاون تل أبيب مع السلطات في ميانمار، التي تشهد انتهاكات ممنهجة ضد المسلمين.
وكشفت المعلومات المتوفرة أن الشركات الإسرائيلية قامت بتصدير كميات من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والذخائر إليها خلال السنوات الأخيرة بقيمة 32 مليون دولار. واستمرت هذه العمليات وتوسعت لتشمل التسليح البحري، ممثلاً بـ6 زوارق للهجوم السريع من نوع "سوبر ديفورا"، تم تسليمها للجيش في ميانمار ما بين العامين 2017 و2019، رغم صدور حكم قضائي من المحكمة الإسرائيلية العليا في العام 2017 يقضي بإيقاف كل الصادرات العسكرية الإسرائيلية إليها.
يضاف إلى ذلك تورط 3 شركات إسرائيلية، هي شركة "جيلات" لأنظمة الاتصالات الفضائية، وشركة "إيديل كونسبتس"، وشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، في دعم جيش ميانمار منذ العام 2014 بمعدات لالتقاط بثّ الأقمار الصناعية، ووحدات اتصالات فضائية تكتيكية، وهوائيات أقمار صناعية للمركبات، ومعدات عسكرية أخرى متنوعة.
يبرز الدور الإسرائيلي في تسليح القوات الأمنية في المكسيك إلى الأذهان حين نطالع المشهد في ميانمار، فقد باعت الشركات الإسرائيلية، وعلى رأسها شركة "إي دبليو إي"، أكثر من 23 ألف قطعة سلاح خلال الفترة الممتدة بين العامين 2006 و2018 للقوات العسكرية والأمنية المكسيكية، تركزت بشكل خاص على البندقيات الهجومية "جاليل" و"تافور". وتم استخدامها في عمليات اغتيال وقتل خارج إطار القانون، إلى جانب تسريب أعداد كبيرة منها وبيعها لعصابات ترويج المخدرات على الأراضي المكسيكية.
وقد سبق لـ"إسرائيل" أن ساهمت في العنف الذي يندلع من وقت إلى آخر في المكسيك، فقد دعمت الجيش المكسيكي في العام 1994 خلال الانتفاضة المعروفة باسم "زابيستا"، وقامت بتدريب هذه القوات على التكتيكات نفسها التي استخدمتها القوات الإسرائيلية خلال تصديها للانتفاضة الفلسطينية الأولى.
هذا النهج على مستوى التوسع في بيع الأسلحة الخفيفة إلى الدول التي تشهد صراعات داخلية، نفذته "إسرائيل" أيضاً في كل من جنوب السودان وهايتي والفيليبين والهند، وتشير التوقعات إلى أنه سيتزايد خلال السنوات المقبلة، بهدف دفع مستوى الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى الارتفاع مجدداً.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً