قبل 3 سنە
محمد منصور
416 قراءة

هل تتحول صفقات قطر العسكرية مستقبلاً إلى نقطة ضعف؟

تستمرّ محاولات الدوحة من أجل الاستحواذ على مزيد من المنظومات العسكرية القتالية والدفاعية، والتي بدأت بصورة فعلية مع تفعيل مقاطعة الرباعي العربي (المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، مصر) لها عام 2017. وعلى الرغم من انتهاء هذه المقاطعة فعلياً أوائل العام الجاري، والتي تُعتبر نظرياً السبب الرئيسي في سعي قطر للتسلّح من أجل مواجهة احتمالات "الاجتياح" السعودي لها، فإن صفقات الأسلحة القطرية استمرت بقوة، على نحو يفرض عدة تساؤلات.

من هذه التساؤلات ما يتعلّق بالأسباب الحالية في استمرار وتيرة التسلح القطري في هذا المستوى، على الرغم من تراجع التهديدات الافتراضية لها. لكن السؤال الأهم هنا يتعلّق بمدى العبء الذي ستشكّله هذه الصفقات على الميزانية القطرية، سواء فيما يتعلق بالقيمة المالية لهذه الصفقات، أو تكاليف تشغيل المنظومات المتعاقَد عليها وصيانتها. تاريخياً، عانت الدول التي انتهجت سياسة مماثلة، فيما يتعلق بصفقات الأسلحة - ومنها مثلاً الاتحاد السوفياتي - تبعاتٍ ماليةً ولوجستية سيئة، نتيجة دخولها في خضم "سباقات التسلّح"، استنزفت مواردها مع مرور السنوات، بين توفير مخصَّصات مالية لشراء أسلحة جديدة، وتوفير أموال لتطوير الأسلحة الموجودة فعلياً في الخدمة وصيانتها.

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أُثيرت في الولايات المتحدة الأميركية قضيةُ الطلب القطري الذي تم تقديمه العام الماضي، من أجل شراء أربع طائرات أميركية من دون طيار، من نوع "أم كيو-9 ريابير"، ضمن عقد تتجاوز قيمته 500 مليون دولار، بحيث تباينت الآراء داخل الإدارة الأميركية بشأن هذه الصفقة، بين اعتراض وزارة الخارجية على إتمام هذه الصفقة - لاعتبارات تتعلق بعدم توتير العلاقات مع دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - وموافقة وزارة الدفاع الأميركية على إتمام هذا التعاقد.

سلاح الجو القطري
حجم الصفقات العسكرية، التي أبرمتها الدوحة مع واشنطن مؤخراً، كان قياسياً، بحيث تعتبر قطر ثاني أكبر دولة وقّعت صفقات عسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات القليلة الماضية، بحيث وصلت قيمة هذه الصفقات مجتمعةً إلى 25 مليار دولار. التركيز الأساسي في هذه الصفقات - سواء مع الولايات المتحدة الأميركية أو حتى دول اخرى - كان على سلاح الجو، إذ تعاقدت الدوحة مع واشنطن على شراء 72 مقاتلة من نوع "أف-15"، ضمن صفقة وصلت قيمتها إلى 21 مليار دولار.

تتضمّن هذه الصفقة، إلى جانب التدريب والخدمات اللوجستية، تسليحاً يتكوّن من صواريخ الاشتباك الجوي التقليدية، وحُزَم التوجيه الخاصة بالقنابل التقليدية، بالإضافة إلى حاويات التهديف والحرب الإلكترونية، على أن تتسلّم قطر بحلول نهاية العام الجاري 36 مقاتلة.

تضاف هذه الصفقة إلى صفقات أخرى تتعلّق بسلاح الجو، مثل تعاقد الدوحة مع واشنطن على شراء ثلاث طائرات للإنذار المبكّر من نوع "بوينغ-737"، إلى جانب صفقة اخرى تحصل قطر بموجبها على 24 مروحية هجومية من نوع "أباتشي"، وتحديداً النسخة الأحدث في الترسانة الأميركية "إي"، قيمتها 3 مليارات دولار. وتشمل هذه الصفقة التسليح وتدريب الطيّارين وخدمات الصيانة، إلى جانب أنظمة تشغيل من إنتاج شركة "تاليس" الفرنسية.

لمْ تكتفِ قطر بهذه الصفقات في مجال سلاح الجو، بل أبرمت صفقتين إضافيتين مع كل من بريطانيا وفرنسا، بحيث وقعت في أيلول/سبتمبر 2018، عقداً مع شركة "بي أيه إي" البريطانية، لشراء 24 مقاتلة من نوع "تايفون"، وتسع طائرات تدريب متقدّم من نوع "هوك"، قيمتها تتعدّى خمسة مليارات جنيه إسترليني، بالإضافة إلى شراء ذخائر خاصة بهذه المقاتلات، بقيمة ثلاثة مليارات جنيه إسترليني، على أن يتم تسليم كل طائرات هذه الصفقة بحلول نهاية العام المقبل.

أمّا الصفقة الثانية فكانت مع فرنسا، بحيث تعاقدت الدوحة عام 2015 على شراء 26 مقاتلة متعدّدة المُهمّات، من نوع "رافال"، التي تنتجها شركة "داسو" الفرنسية، بقيمة إجمالية تصل إلى 7 مليارات دولار. واللافت في هذه الصفقة أن الدوحة طلبت تعديلات على انظمة تشغيل المقاتلات الجديدة، تمّ فيها دمج أنظمة أميركية في منظومة تشغيل هذه المقاتلات، بحيث تحولت إلى نسخة جديدة تمت تسميتها "رافال كيو أيه 202". وبدأ تسليم الدفعة الأولى من هذه الطائرات عام 2019. واللافت هنا أن قطر توجَّهت أيضاً إلى إيطاليا فيما يتعلق بسلاح الجو، بحيث تعاقدت مع روما على شراء 44 مروحية من نوع "أن أتش-90"، بينها 12 مروحية للمُهمّات البحرية، و16 مروحية للنقل، و16 مروحية للتدريب.

على مستوى الطائرات من دون طيّار، توجَّهت الدوحة مبكّراً - وتحديداً في آذار/مارس 2018 - إلى تركيا من أجل التعاقد على الطائرات الهجومية من دون طيار، من نوع "بيرقدار"، بحيث حصلت قطر حتى الآن على ست طائرات من هذا النوع، ويُتوقَّع أن تتوسع مستقبلاً في شراء الطائرات من دون طيار، بالنظر إلى التلكؤ الأميركي عن تزويدها بالطائرات من دون طيار.

القوات البحرية والبرية القطرية
على الرغم من أن التركيز القطري، في خطة التحديث الحالية، يبدو منصبّاً بصورة رئيسة على سلاح الجو، فإنّ سلاح البحرية كان له نصيب مهم ضمن هذه الخطة الباهظة التكاليف. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وقّعت الدوحة عقداً مع شركة "فيكانتري" الإيطالية، قيمته خمسة مليارات يورو، تحصل بموجبه البحرية القطرية على أربع فرقاطات، تبلغ الإزاحة الكلية لكلّ منها ثلاثة آلاف طن، بالإضافة إلى سفينتي دورية، تبلغ الإزاحة لكل منهما 700 طن، إلى جانب سفينة إنزال برمائي حاملة للمروحيات، تبلغ إزاحتها الكلية تسعة آلاف طن.

تمّ، حتى الآن، تدشين فرقاطتين من الفرقاطات الأربع المتعاقَد عليها، علماً بأن هذه الصفقة تُضاعف عملياً حجمَ البحرية القطرية الحالي، الذي يتَّسم بمحدودية التسليح، وضآلة القوة البشرية التي لا تتعدى 1800 فرد. كذلك، وقّعت الدوحة مؤخّراً مع شركة "أناضول" التركية، اتفاقيةً لبناء سفينتي تدريب من أجل تأهيل طلاب الكلية البحرية القطرية، ووقّعت عقدين آخرين مع شركتي "يونجا أونوك" و"أريس" التركيتين من أجل توريد سبعة عشر زورق دورية، بينها ثمانية زوارق للقوات البحرية، وتسعة لقوات حرس السواحل.

على مستوى القوات البرية، تبدو أيضاً الصفقات الموقَّعة أخيراً بين قطر وعدة دول أكبر كثيراً من الحجم الحالي للقوة البرية القطرية، التي يناهز تعداد أفرادها تسعة آلاف جندي وضابط، موزَّعين على لواء مدرع ووحدات للقوات الخاصة، إلى جانب قوات الحرس الأميري، الذي يتكون من لواء مشاة وثلاث كتائب مستقلة. وتتسلّح هذه القوة بأقل من مئة دبابة، ونحو خمسمئة عربة مدرَّعة، بالإضافة إلى 36 قطعة مدفعية متنوعة، و21 راجمة صواريخ.

تعاقدت الدوحة خلال الفترة الماضية مع فرنسا على 490 مدرعة متعددة المهمات، من نوع "في بي سي آي"، وتعاقدت مع ألمانيا على شراء 285 دبابة ثقيلة من نوع "ليوبارد" و24 مدفع ميدان من نوع "بي زد أتش-2000". كما تعاقدت مع شركة "نورول" التركية على شراء 556 عربة مدرَّعة من نوعي "يوروك" و"يالتشين".

بالنسبة إلى الدفاع الجوي، اعتمدت قطر، سنواتٍ طويلةً، بصورة أساسية، على منظومات الدفاع الجوي الأميركية المتوسطة المدى، "هوك"، لكنها حاولت قدر الإمكان، في الآونة الأخيرة، الحصول على منظومات بعيدة المدى. وكانت المفاضلة هنا بين منظومات "أس-400" الروسية ومنظومات "باتريوت" الأميركية. وفي النهاية تعاقدت الدوحة على شراء منظومات الدفاع الجوي الأميركية "باتريوت باك 3"، في صفقة تراوحت قيمتها بين سبعة وعشرة مليارات دولار، تحصل قطر بموجبها على 34 قاذف صاروخي وعشرة رادارات.

اللافت هنا أن قطر ما زالت تسعى لشراء منظومتَي "أس-400" و"بانتسير" الروسية، فلقد أعلن السفير القطري في روسيا، أوائل العام الجاري، رغبة الدوحة في شراء هاتين المنظومتين، وتمت مناقشة هذا الملف خلال اللقاء الذي جمع، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وزيرَ الدفاع الروسي ونظيره القطري. وشملت هذه المناقشات إمكان حصول الدوحة أيضاً على مقاتلات "سوخوي 35".

صاروخياً، اتَّجهت الدوحة إلى الصين، على نحو أساسي وغير معلن، بحيث ظهرت بصورة مفاجئة في كانون الثاني/ديسمبر 2017، المنظوماتُ الصاروخية الصينية التكتيكية والقصيرة المدى، "أم-20"، خلال عرض عسكري قطري بمناسبة اليوم الوطني للبلاد.

تخمة تسليحية ذات تكاليف عالية
مما سبق، يتّضح لنا أن الجيش القطري بات يمتلك، أو في طريقه إلى امتلاك أعداد كبيرة من المدرَّعات والدبابات والطائرات. لكن هذه الأخيرة تبدو الأكثر لفتاً للانتباه، فسلاح الجو القطري كان، حتى عام 2017، يتكون من 1500 مقاتل، مقسَّمين على سرب من طائرات ميراج 2000، و15 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز أباتشى، بالإضافة إلى 53 طائرة نقل، و23 طائرة تدريب. لكن مع بعض الصفقات التي سبقت الإشارة إليها، تضاعفت الترسانة القطرية من المروحيات، إلى جانب دخول - أو اقتراب دخول - نحو مئة طائرة مقاتلة جديدة في الخدمة.

هذا الواقع يفرض على الجيش القطري تحديات مالية ولوجستية وبشرية كبيرة، نظراً إلى أن الطائرات المقاتلة تحتاج، بصورة دورية، إلى عمليات صيانة مكلفة، ناهيك بتكاليف كل طلعة جوية، والنفقات الخاصة بتدريب الطيارين والفنيين، وهي نفقات باهظة وبعيدة المدى. أمّا أسباب لجوء الدوحة إلى هذا التوسُّع الكبير في سلاحها الجوي، والذي من خلاله تمت مضاعفة أعداد الطائرات لديها عدة مرات، فيمكن أن ترتبط بحسابات سياسية واستراتيجية تحاول من خلالها الدوحة فرض نمط معين من العلاقات بالدول التي تتعاقد معها على هذه المنظومات القتالية، لكنه نهج له تبعاته وتحدياته أيضاً.

لذا، يمكن فهم لجوء الدوحة إلى خيارات متعددة من أجل محاولة تقليل وطأة هذه التحديات، ومنها توقيع عقود خارجية لتدريب طياريها، سواء في الولايات المتحدة أو إيطاليا، وقد يلجأ سلاح الجو القطري - مثله في ذلك مثل بعض أسلحة الجو في منطقة الخليج - إلى استقدام ضباط طيارين من دول أخرى، مثل باكستان وتركيا، من أجل سدّ الفجوة المتوقعة في القوة البشرية اللازمة لتشغيل الطائرات الجديدة.

يُضاف إلى ذلك اتفاق قطر مع كل من تركيا وبريطانيا، من أجل تكوين أسراب مشتركة تتمركز من خلالها طائرات القوات الجوية القطرية في الخارج، بحيث تعتزم الدوحة نشر عشرات الطائرات الحربية في تركيا، بموجب اتفاقية غير معلنة مدتها خمس سنوات، تم توقيعها، بحسب الصحافة التركية، في آذار/مارس 2021، بحيث يتم تمركز نحو 12 مقاتلة قطرية من نوع "رافال"، وعشر مقاتلات من نوع "ميراج-2000"، إلى جانب عدد من طائرات النقل من نوع "سي-130" و"سي-17". ووقّعت الدوحة اتفاقية مماثلة مع لندن في نيسان/أبريل الماضي، تتضمن تشكيل سرب مشترك من طائرات التدريب المتقدّم، "هوك".

تتيح هذه الاتفاقيات لقطر، إلى جانب تقليل الأعباء اللوجستية التي ستنتج من وجود أعداد كبيرة من المقاتلات الجديدة في أراضيها، فرصةً لطياريها كي يستفيدوا من الخبرات الجوية للطيارين البريطانيين والأتراك، وتحصيل نقاط جديدة في إطار الصراع الجيوسياسي في المنطقة. لكنّ الأكيد أن هذا الكمّ من الطائرات والآليات المدرعة، لن يمثّل لقطر قيمةً إضافية على المستوى الداخلي أو حتى الخليجي، بالنظر إلى محدودية نطاقها الجغرافي، وانحصار دورها الإقليمي في ملفات محدَّدة، لا تتضمن أيّ استخدام للقوة العسكرية، سواء كان هذا الاستخدام قتالياً أو بهدف الردع.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP