قبل 4 سنە
حياة الحويك عطية
697 قراءة

للأسف سيدنا صاحب الغبطة

مجد سوريا وكل البلاد   مارون البار فخر العباد 

للأسف ... أن اُضطر إلى تذكيركم سيدي بطريرك انطاكية وسائر المشرق، بهذا الاستهلال الذي تعوّدنا صغاراً على ترتيله في عيد مار مارون الذي ننتسب إليه – وأحمل أنا اسم واحد من أهم بطاركته. 

نسبة مزدوجة: سوريا وأنطاكية، لا ذكر فيها لا لبكركي ولا للديمان ولا لأي موقع في جبل لبنان. 

صحيح أن الاضطهاد هو ما جعل موارنة أنطاكية يزورون الجبل اللبناني، ولكنني أعتقد أن حزب الله والمقاومة لـ"إسرائيل"، لم يكونا وراء تهجيرهم. مَن هجّرهم قديماً وحديثاً هو مَن تندرجون، يا سيدنا، في سياساته وتضعون ثقل البطريركية في رصيد مواقفه.

مسيحيّو الشمال السوري تعرّضوا مرة جديدة للتهجير على أيدي العصابات الإرهابية التي تشكلت لتدمير سوريا وبتمويل من دول الخليج التي لم تتوقفوا عن التحسر على فقدان دورها في لبنان، في أي من تصريحاتكم. ومسيحيّو العراق هُجروا على يد احتلال أميركي وتواطؤ غربي وجماعات إرهابية، يصبّ في خطها كلها، اصطفافكم العنيف ضد المقاومة اللبنانية، أما مسيحيو فلسطين (وفيهم جزء من الموارنة، إن أردنا التكلم بلغة الطوائف) فقد تراجع عددهم في الأرض المقدسة بنسبة 80 %. فماذا فعلتم، أصحاب المرجعيات الدينية المسيحية لحمايتهم؟ لمقايضة تبعيتكم للغرب مثلاً بالحفاظ على بقائهم؟ 

لم تهجّر المقاومة وحزب الله مسيحياً واحداً من جنوب لبنان، يوم حرّرته، حتى المتعاملون مع العدو الإسرائيلي – إلا من هرب بإرادته منهم، إما لأنه يعرف خطورة جرائمه بحق الناس، وإما لأن الحقد والكراهية جعلاه يفضّل الإسرائيلي على أهله. في حين هجّرت الميليشيات المسيحية آلاف المسيحيين، والموارنة منهم، خلال الحرب الأهلية – لمجرد أنهم يختلفون في الرأي والانتماء السياسي. فماذا فعلتم لإطفاء هذا الحقد والإقصاء ولإعادة اللُحمة المسيحية والوطنية بين الجميع؟ 

إنها مسؤوليتكم الدينية والعقدية والكهنوتية إزاء جميع هؤلاء، وإلا فتخلّوا عن اللقب العظيم: بطريرك أنطاكية وسائر المشرق.

قد يقول قائل، إنكم إنما تفعلون حفاظاً على آخر معقل للمسيحيين في المشرق العربي. المسيحيون ليسوا بحاجة الى معقل – مهرب، على طريقة الدولة اليهودية. المسيحيون بحاجة إلى دولة المواطنة، يمارسون فيها حقوق المواطن وواجباته، من دون تمييز. المسيحيون بحاجة إلى أن يذوبوا في مجتمعاتهم، كما كل الآخرين، يحمون بلادهم وتحميهم. وهذا ما كان مؤمّناً في سوريا والعراق قبل أن يجتاحهما هذا الغرب البغيض بقيادة السيد الذي تنحنون أمامه، كما ينحني المؤمنون على يدكم. أمهاتنا الحنونات في هذا الغرب لم يسعَين يوماً لتثبيت مواطنة المواطن، مسيحياً كان أم غير ذلك، بل عملوا منذ قرون على زرع الانعزالية الدينية والمذهبية، وعلى تهجير المسيحيين، وتربية أناس لا ينتمون لا للوطن ولا للأمة، بل إلى طوائف ومذاهب، كي يسهل عليهم توظيفهم وتحريكهم لتبرير وجود الدولة العبرية التي لا تقيم مشروعيتها إلا على سند ديني. 

سيُقال إن هذا الوضع بات عامّاً ولا يقتصر على الموارنة وبطريركهم. صحيح ومغالط.

 صحيح في جزئه المتعلق بالمحاصصة الطائفية والمنطق الديني الذي زُرع من لبنان إلى العراق فإلى سوريا وسائر العالم المشرقي. وأضع ذلك بالترتيب، لأن المحاصصة بدأت من لبنان، فسمعنا الحديث عن لبننة العراق، ومن ثم عن عرقنة سوريا. 

ومغالط، لأن ثمة فارقاً يقع بين الخيانة والشهادة، بين مَن يقاتلون للحفاظ على الوطن أرضاً وشعباً، رغم اختلافاتهم، ومَن يقاتلون لبيع الوطن للإسرائيلي أو للغربي الأطلسي. بين جيش عربي سوري أفنى عديده ليدحض عن العالم شر الإرهاب، وعن سوريا شر التقسيم، وعن مواطنيه شر التمييز والذبح على الهوية، وبين " جيش الإسلام- زهران علوّش " و " داعش –هيلاري كلينتون" و"النصرة القطرية الأميركية " وكل هؤلاء تمَّ تمويلهم وتدريبهم وتوجيههم من قبل الدول الخليجية والغربية التي لا تفتأ تردّد، سيدنا، أسفكم على خسارة صداقتها للبنان بسبب حزب الله. 

هل نسيتم سيدنا، أنه لولا حزب الله لكان هؤلاء الإرهابيون جميعاً في زحلة ومن ثم في بيروت، وربما كان البغدادي يصلّي في بكركي، ولكانت شقيقاتي وبناتي في عداد سبايا الأيزيديات. ولكانت "إسرائيل" قد أعادت رحلة الـ82 وسط تأييد الغرب وتهليله بأنها جاءت تحمينا من الإرهاب.    

لأن مشروع الإرهاب – "إسرائيل" المدعوم أميركياً وغربياً وخليجياً لم ينجح، كان الحصار الاقتصادي على لبنان، مستفيداً من ثلاث ثغرات أساسية: الفساد الإداري والمالي وحس التعصب المذهبي الذي تحوّل الى هوية بديلة عن الهوية الوطنية والقومية وأخيراً، الاقتصاد الريعي الذي حوّل البلد الى متسوّل رخيص بدلاً من أن يكون منتجاً. فهل عملتم كمراجع (دينية أو مدنية) على معالجة السبب لتنتفي النتائج؟ 

في الفساد، عجبنا كيف أن بطريرك الموارنة الذي يعتصم في كرسيه فوق السلطات السياسية والمالية، يأتون إليه ولا يذهب الى أحد، كيف يتنازل ويزور بعبدا عندما لاحت محاسبة رياض سلامة ومن ورائه حزب المصارف. للمناسبة، أين هي أموال البطريركية الهائلة من هذه الأزمة المالية في لبنان؟ لقد وزّع ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي صوراً قديمة للبطريرك الحويّك وهو يوزّع الخبز بيديه على المحتاجين في مجاعة الحرب الأولى، وقالت الموسوعات التاريخية: " فتح البطريرك الحويّك أموال البطريركية المارونية وأمواله الخاصة لمساعدة الفقراء وإطعامهم، ويُذكر أن مقر البطريركية ذاته كان أحد مراكز الحشود لتوزيع الطعام " فماذا وزّعت بكركي اليوم، على الناس (من الفقراء وليس من الزعماء وأصحاب المصارف)؟  

أما الاصطفاف الطائفي، فمحاربته واجب على كل حريص بقدر موقعه، وصيانة الوحدة الوطنية في ظل وجوده، تقتضي مواقف شجاعة كتلك التي اتخذها البطريرك المعوشي عام 1958. ومقولته الشهيرة " عندما تطأ أول رجل لجندي أميركي لبنان، سأكون أول الذين يخوضون المعركة". أو ما حاول اتخاذه البطريرك خريش من مواقف في بداية الحرب الأهلية. 

أما الاقتصاد الريعي الذي كنا نقاومه مذ كنا طلاباً قبل أربعين سنة، داعِين إلى اقتصاد الإنتاج الذي يجعل صغريات الدول قادرة على خطاب السيادة وعلى تحقيق الأمن الغذائي، وكان في المقابل ثمة تيار لا يدعو الى اقتصاد الخدمات والريع، كأن الفلاح اللبناني لم يخلق إلا للسياحة التي يخدم فيها الأجانب ويتملّق وينافق لهم ثمناً لبضعة قروش، وكأن المرأة اللبنانية الرائدة في كل شيء منذ فجر التاريخ لا تصلح إلاّ كنموذج لثقافة الاستهلاك ولصورة على إعلانات تجتذب العرب!! لكأن روما التي يلجأ اليها سيدنا البطريرك تعتمد على نسائها والبيتزا لتحقيق اقتصادها. 

 جاء العهد السعودي، فلم يكتفِ بتكريس نموذج سوليدير، بل كرّس سلوك الاستدانة التي لم يكن لها إلا أن تصل بالبلد إلى ما وصل إليه. فهل رأيتم متسولاً ذا كرامة وحرية؟ 

نعم لقد راهن المستدينون على أن يوفوا ديونهم بعملة غريبة: التسليم بالقضايا الوطنية وتفصيلاً: توطين اللاجئين من فلسطينيين وسوريين، فهل هذه هي مصلحة لبنان والمسيحيين سيدي راعي الكنيسة. 

نعم الوطنيون وحزب الله والمقاومة يعرقلون هذه الصفقة، ومعهم نسبة كبيرة من المسيحيين، على رأسهم رئيس الجمهورية وزعماء آخرون، ولذلك تُشَنّ عليهم الحرب. فهل واجب الكرسي البطريركي أن يدعمهم أم أن يدعم المؤامرة عليهم؟  ثم مَن قال إن دول العالم – العربية وغير العربية - هي كلها ضدهم. من قال إن العروبة مقتصرة على ثلاث دول خليجية، لم تكن يوماً عروبية، وهي نفسها مَن حارب ناصر يوم صرخ " ارفع رأسك!!".  لم تكن هذه الدول ولا دول الغرب هي مَن بنى السد العالي ودعم الإصلاح الزراعي ودعم مئات الآلاف من المنح الدراسية للطلاب العرب. بل إنهم مَن أسّس المؤتمر الإسلامي ردّاً على التيار العروبي، وهذا المؤتمر هو الذي اجتمع تحت جناح ترامب وصهره الأميركي – الإسرائيلي، ليعلن حزب الله منظمة إرهابية... هؤلاء هم من عمل على تحطيم المشروع العراقي العروبي والسوري العروبي. ويشكون اليوم من هيمنة إيران وتركيا. أي هيمنه إيرانية تركية كانت ستكون بوجود كتلة عربية ناهضة؟ فماذا عساهم يفعلون بلبنان؟   

أما الكلام عن الحل السحري الكامن في الحياد، فهو لا يشكل إلا إعادة لمعزوفة قديمة جعلت رئيس الأركان الإسرائيلي يقول قبل 1982 إن الفرقة الموسيقية لشاحال كافية لاحتلال لبنان، بينما يعكف جميع مراكز دراسات العدو اليوم على دراسة قوة لبنان ومقاومته ولا تتجرأ على ضربه.  هذا التحول وهذا التحرير والصعود الى القوة كلّف دماءً وعذابات وناراً، دماء شباب تجاوزوا المعتقلات الطائفية وكسروا القوقعة للخروج الى حضن الوطن. 

إنه حل للسعودية وفرنسا والولايات المتحدة في الخلاص من عدو لربيبتهم "إسرائيل"، وللدخول " بالرخص" على الثروات اللبنانية الجديدة ومنح مساحة منها للدولة العبرية كما يريد شنكر (أليس من الغريب أن هذه الدول هي التي زارها غبطة سيدنا دون سواها؟) 

أم أن الدرس الذي تقدمه لنا دول تجاوزت الحياد إلى معاهدات السلام الكاملة، هو درس لا يُقرأ. لقد جوَّعوا مصر كامب ديفيد طوال خمسين سنة فتحوّل شبابها إلى عمالة رخيصة في الدول العربية، وها هم اليوم يبدأون مرحلة تعطيشها لتكون "مصر هديتهم الكبرى" كما كتبت صحيفة "معاريف" غداة احتلال العراق.

بذا لن يكون لبنان بدوره هدية صغرى، بل هو أيضاً هدية كبرى بمقاييس القوة والكرامة وبما يمكن أن يؤدي إليه تحييده من ارتدادات. بحق السيد المسيح، الذي لا يعترف العدو الصهيوني به، ولا بنا وبكم، لا تساهموا في تقديم الهدية. 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP