الشيخ نعيم قاسم.. من 2000 إلى 2024
عندما استمعت إلى كلمة الأمين العام المساعد لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تذكّرت لقائي به في بداية حزيران/يونيو 2000، عندما كان الشعب اللبناني بكلّ أطيافه يحتفل بتحرير الجنوب وطرد القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل المنطقة لمدة 18 عاماً. وتذكّرت أيضاً لقائي بسماحة السيد محمد حسين فضل الله، رضوان الله عليه، حيث حدّثني آنذاك عن الجوانب العقائدية لروح المقاومة الإسلامية التي حقّقت ما حقّقته بفضل هذا الإيمان النقي.
وتذكّرت أيضاً ما قاله لي سماحة السيد فضل الله والشيخ نعيم قاسم ولو بجمل وعبارات مختلفة حيث تحدّثا عن "التضحيات التي قدّمتها المقاومة الإسلامية مع حلفائها لتحقيق هذا الانتصار العظيم الذي لا ولن يتقبّله العدو بسهولة، وسيحاول أكثر من مرة الانتقام من المقاومة التي أذلّته".
وجاء العدوان الصهيوني في تموز/يوليو 2006 وكنت آنذاك أيضاً في بيروت، ليؤكّد ما تنبّأ به الشيخ نعيم قاسم حيث ذاق العدو طعم الهزيمة الثانية على الرغم من تواطؤ العديد من الأنظمة العربية، التي استمرّت في مؤامرتها ضد حزب الله ليس فقط لأنه أذل العدو بل أيضاً لأنه منع سقوط الدولة السورية عندما كانت تحارب كلّ أنواع الإرهاب المدعوم من العديد من العواصم الإقليمية والدولية مع بدايات ما يسمّى بـ "الربيع العربي" الدموي. وكنت شاهداً على معظم أحداثه في سوريا والعراق ومطلعاً على خفايا كلّ المشاريع والخطط التي كانت وما زالت في خدمة الكيان الصهيوني، الذي استغل تلك الظروف فوضع خططه العسكرية والاستخباراتية للانتقام من حزب الله.
وهذا ما أثبتته أحداث غزة والآن لبنان بعد أن وقفت الأنظمة العربية والإسلامية وما زالت موقف المتفرّج حيال العدوان الهمجي لهذا الكيان، الذي لمّا تجرأ للقيام بما يقوم به الآن لولا هذا التواطؤ العربي والإسلامي الذي ساهم بشكل أو بآخر في كلّ ما تعرّض له حزب الله من الغدر والخيانة التي أودت بحياة أمينه العام السيد حسن نصر الله، رضوان الله عليه، وعلى رفاق دربه وكلّ الشهداء من مناضلي الحزب وفصائل المقاومة وكلّ أطياف الشعب اللبناني، والذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن العظيم لبنان.
حزب الله صمد وما زال في وجه كل المؤمرات الداخلية والإقليمية والدولية، التي بدأت بالاحتلال الأميركي لبيروت صيف 1958، واستمرّت بالحرب الأهلية عام 1975، ثمّ الغزو الصهيوني ومجازر صبرا وشاتيلا في أيلول/سبتمر 1982 حيث كنت آنذاك أيضاً في بيروت.
وربما لهذا السبب قال الشيخ نعيم قاسم في حديثه الأخير (الاثنين) "عندما نتحمّل التضحيات ونؤلمهم نكون قد حمينا الأجيال القادمة". وربما لهذا السبب أيضاً أشار الشيخ قاسم إلى خطورة المرحلة المقبلة عندما قال إن "إسرائيل تهدف إلى ضرب القيادة والقاعدة العسكرية من أجل فقدان قدرتنا على المواجهة وإنهاء حزب الله، وصياغة لبنان جديد تحت إدارة أميركية".
وهو ما كانت تهدف إليه اتفاقيات التطبيع التي سمّيت بالاتفاقيات الإبراهيمية لتضييق الحصار على محور المقاومة، في الوقت الذي كانت أنظمة الخليج تتآمر فيه على اليمن لأنها تعرف أن الشعب اليمني العظيم قادر على إزعاج الكيان الصهيوني.
وبالمعنويات نفسها والتفاؤل والايمان بالنصر الأكيد الذي تحدّث عنه في حزيران/يونيو 2000 عاد الشيخ قاسم وخاطب الكيان الصهيوني ومواطنيه ليقول لهم "جيشكم مهزوم وحزب الله قوي ورمّمنا قدراتنا التنظيمية ولا يوجد مركز قيادي شاغر، والميدان هو الذي يعطي النتيجة وعلينا أن نصبر. وأملنا بالنصر لا حدود له، وإن المقاومة ستمسك رسن العدو وتعيده إلى الحظيرة"، كما فعلت ذلك في أيار/مايو 2000 بعد صبر ونضال طويل دام 18 عاماً رغم عملاء الداخل وتواطؤ الخارج إقليمياً ودولياً.
ويبقى الرهان على مدى متانة وقوة التنظيم لدى حزب الله على جميع مستويات القيادة والكوادر والعاملين في مختلف القطاعات، التي يبدو أنها لم تتأثر كثيراً بكلّ ما تعرّض له الحزب وما زال بسبب التفوّق العسكري والاستخباراتي للعدو الصهيوني الذي يملك أنواع التكنولوجيا كافة، من الأقمار الصناعية والمسيّرات الاستخباراتية والقواعد العسكرية في جميع دول المنطقة، يضاف إليها عدد كبير من العملاء والخونة ممن باعوا شرفهم وكرامتهم من أجل حفنة من الدولارات، وهي كثيرة لمن لا شرف ولا كرامة لهم أساساً.
وهنا لا بدّ من التذكير بمقولة كاتب النشيد الوطني التركي محمد عاكف الذي قال "يقولون عن التاريخ إنه يكرّر نفسه. ولكن لو استخلصت الدروس منه لما كرّر نفسه أبداً". فإذا نجح الحزب ومن معه من الحلفاء الصادقين في استخلاص الدروس من كل تجاربه القاسية والمؤلمة، وهو ما أثبتته الأيام القليلة من المواجهات مع الكيان الصهيوني، فالأمور ستكون على ما يرام خلال المرحلة المقبلة التي على الحزب أن يثبت للجميع، وقبل كل شيء لنفسه بكل قياداته وكوادره وتنظيماته ومقاتليه وحاضنته الشعبية العظيمة، أنه ما زال قوياً والنصر سيكون حليفه من دون أدنى شكّ ومهما كانت التضحيات الجسام.
لقد أثبت الشعب اللبناني دائماً ومعه الشعب الفلسطيني، كما هو الحال الآن في غزة والضفة الغربية، أنهما على مستوى هذه المعاناة التي يعيشونها ليس فقط على يد العدو الإجرامي بل بدعم عملائه الخونة داخلياً وإقليمياً من العرب والمسلمين، ودولياً من كل الدول والقوى الإمبريالية والاستعمارية التي تحلم وتخطط للعودة إلى المنطقة من جديد، ليس فقط للانتقام من شعوبها التي طردتها في الماضي، بل أيضاً لمساعدة الكيان الصهيوني العبري في تحقيق أهدافه في إقامة "دولته" الدينية والأسطورية، التي يؤمن بها المحافظون الجدد في أميركا وأمثالهم في جميع أنحاء العالم، ومعهم خونة المنطقة المتصهينون من الأغيار عرباً كانوا أو مسلمين والإسلام بريء منهم جميعاً.
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة