بعد 50 عاماً من التقسيم.. قبرص في المصيدة الصهيونية
يوم السبت 20 تموز/يوليو أحيت تركيا الذكرى الخمسين لتدخّلها العسكريّ في قبرص في 20 تموز/يوليو 1974، وهو ما أدى إلى تقسيمها إلى شطرين بعد أن سيطر الجيش التركي على 36%من مساحة الجزيرة.
وباءت جميع محاولات الأمم المتحدة وأميركا والاتحاد الأوربي لتوحيد الجزيرة في إطار دولة فدرالية بالفشل، خاصة بعد أن أصبح الشطر الجنوبي اليوناني عضواً رسمياً في الاتحاد الأوروبي عام 2004 بصفته يمثّل الجمهورية القبرصية المعترف بها دولياً.
في الوقت الذي لا يعترف فيه أحد بجمهورية قبرص التركية سوى أنقرة التي فشلت مساعيها لإقناع الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي في القوقاز وآسيا الوسطى لإقامة أي نوع من العلاقة بينها وبين القبارصة الأتراك، وعددهم لا يتجاوز 150 ألفاً انضمّ إليهم نحو 250 ألفاً من الأتراك الذي سافروا إلى الجزيرة واستقرّوا فيها بعد 1974.
احتفالات الشمال شارك فيها الرئيس إردوغان وزعماء أحزاب المعارضة مع عرض عسكري كبير بمشاركة خمسين قطعة حربية من الأسطول البحري بالإضافة إلى الطائرات والمسيّرات، حيث أكد إردوغان عزم وإصرار بلاده على إقامة قواعد بحرية في الشطر الشمالي من الجزيرة فيما إذا استمرّ الرفض القبرصي اليوناني لأيّ حلّ نهائي يضمن حقوق القبارصة الأتراك في دولة مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع القبارصة اليونانيين، ويعترف بها في إطار دولة كونفدرالية وبحقوق متساوية بين الطرفين. وهذا ما ترفضه أثينا ومعها نيقوسيا التي ترى في الوجود العسكري التركي في الجزيرة (نحو 15 ألف عسكري) احتلالاً وهو ما يعرقل أيّ حوار بين أنقرة والاتحاد الأوروبي أيضاً.
وكانت "تل أبيب" المستفيد الأكبر من هذا الواقع المفروض على الجزيرة التي كانت منذ مئات السنين واعتباراً من عهد السلطان سليمان القانوني (1550) ضمن اهتمامات اليهود الذين كانت لهم علاقة مع السلطان العثماني، فوالدته وزوجته كانتا يهوديتين.
ومع التذكير بما كتبه وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، وهو يهودي أيضاً، عن قبرص حيث قال "كنّا على علم مسبق بالتدخّل العسكري التركي في الجزيرة في 20 تموز/يوليو 1974، ولكننا لم نتدخّل حتى تتحوّل القضية إلى مشكلة معقّدة تساعدنا للتلاعب بهذه الورقة إلى الأبد".
فقد بات واضحاً أن الحلّ للمشكلة القبرصية لا ولن يكون سهلاً مع استفادة الكيان الصهيوني من الوضع الحالي في قبرص بعد أن تحوّل جنوبه إلى مخفر متقدّم للدفاع عن المصالح الصهيونية شرق الأبيض المتوسط. حيث تبعد سواحل قبرص عن سوريا نحو 100 كم وعن لبنان 160 كم وعن مصر 450 كم، وهي المسافات التي توليها "تل أبيب" حسابات مهمة في مجمل استراتيجياتها الخاصة بقبرص التي تبعد عنها نحو 260 كم.
ودفعها ذلك إلى مزيد من الاهتمام بالجزيرة التي وقّعت معها خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد ما يسمّى بـ "الربيع العربي" وما نتج عنه من اتفاقيات التطبيع مع الأنظمة العربية، العديد من اتفاقيات التعاون العسكري والاستخباراتي ليتحوّل الشطر الجنوبي من الجزيرة إلى مرتع خصب لمجمل الفعّاليات السرية والعلنية للكيان الصهيوني.
وهو ما ساعده للاستفادة من الموقع الاستراتيجي للجزيرة التي سخّرت كلّ إمكانياتها وإمكانيات القاعدتين البريطانيتين، وهي كثيرة جداً، خدمة لمخطّطات "الجيش" الإسرائيلي خلال عملياته العدوانية على غزة.
وكلّ ذلك بعيداً عن اهتمام حتى الإعلام العربي والعالمي الذي أراد أن يخفي مدى خطورة هذا الدور القبرصي اليوناني على فلسطين والمنطقة وما زال، وهو ما أشار إليه السيد حسن نصر الله في خطابه في الـ 19 من حزيران/يونيو الماضي، حيث قال "إن فتح المطارات والقواعد القبرصية للعدو الإسرائيلي لاستهداف لبنان يعني أن الحكومة القبرصية جزء من الحرب وستتعاطى معها المقاومة على هذا الأساس".
في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أنّ انحياز القبارصة اليونانيّين وهم من المذهب الأرثوذكسي إلى جانب الكيان الصهيوني لم يكن كافياً بالنسبة لـ "تل أبيب" وواشنطن، التي أقنعت بل أجبرت نيقوسيا على الوقوف إلى جانب الحلف الأطلسي في جميع مشاريعه ومخطّطاته ضدّ روسيا، وهي أيضاً من الأرثوذكس حالها حال اليونان التي تسيطر ومعها تركيا على بحر إيجة ممر الروس الوحيد إلى الأبيض المتوسط.
وجاءت المعلومات الصحافية عن مساعي واشنطن لإقناع أنقرة بالسماح لها بإقامة قاعدة بحرية في جمهورية شمال قبرص التركية مقابل اعتراف أميركي بالمزيد من حقوق القبارصة الأتراك في الشطر الشمالي التركي، ليطرح العديد من التساؤلات حول احتمالات التدخّل القريب بالمشكلة القبرصية بعد الانتخابات الأميركية.
مع التذكير أنّ واشنطن هي التي عرقلت مثل هذا الحلّ طيلة خمسين سنة ماضية، ومن خلال الدور السلبي للدبلوماسية الأميركية في هذا الموضوع حيث كان معظم الأميركيين المسؤولين عن الملف القبرصي، بمن فيهم المندوبون الشخصيون للرؤساء الأميركيين فيما يتعلق بقبرص، هم من اليهود. ومن دون أن يعني كلّ ذلك أن الكيان الصهيوني قد اكتفى وسيكتفي بتحالفاته المباشرة وغير المباشرة مع القبارصة اليونانيين وأثينا، بل هو أيضاً أولى اهتماماً كبيراً بالشطر الشمالي للجزيرة.
فلا يمرّ يوم إلا ويتحدّث فيه الإعلام القبرصي التركي عن شراء اليهود لمساحات واسعة في الشطر الشمال التركي، مع الإشارة إلى أنشطة الكثير من الشركات اليهودية بمختلف جنسياتها في العديد من المجالات وأهمها التجارة والسياحة، حيث بنت شركة إسرائيلية مرفأً سياحياً شرق الشطر الشمالي التركي قبالة الشواطئ السورية واللبنانية. في الوقت الذي يتحدث فيه المواطنون عن نشاط عملاء الموساد الذين يتردّدون كمواطنين عاديّين على دور القمار في الشطر الشمالي التركي ومساحته 3300 كم2 (الشطر الجنوبي 5900 كم2)، ولا يمكن الوصول إليه إلا عبر المطارات التركية بسبب الحظر الدولي المفروض على القبارصة الأتراك.
ويعرف الجميع أنّ مصيرهم مرهون بقرارات أنقرة التي بات واضحاً أن وضعها ليس سهلاً مع استمرار تناقضاتها في السياسة الخارجية، تارة مع الاتحاد الأوروبي وأميركا والحلف الأطلسي، وتارة أخرى مع روسيا والصين العدوتين التقليديتين للغرب الإمبريالي الاستعماري الذي يدعم الكيان الصهيوني.
ومن دون أن يكون واضحاً أين وكيف سيكون اتجاه سياسات أنقرة حيال قضايا المنطقة قبل وبعد المصالحة مع دمشق، مع استمرار تواطؤ وتآمر العديد من الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني الصامد فقط بفضل دعم محور المقاومة بشقّيه اللبناني واليمني له، وهو ما سيكون كافياً وكفيلاً بإزالة هذا الكيان من الخارطة لولا تآمر المتآمرين من الخونة والعملاء وهم كثر وفي كلّ مكان، وبات أمرهم مفضوحاً أمام شعوبهم وكل شرفاء العالم!
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة