حرب "باردة" بين السعودية والإمارات في حضرموت
تمتلك حضرموت موقعاً مترامي الأطراف، وتمثل 36% من مساحة اليمن، وتكتنز 70% من ثروات اليمن، وترتبط جغرافياً بمأرب وشبوة والمهرة، وتمتد إلى الحدود الدولية مع سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، وتمتلك مخزوناً استراتيجياً كبيراً من النفط، إضافةً إلى إطلالتها على البحر العربي، وصولاً إلى أعالي البحار.
هذه المقومات الطبيعية والجغرافية والطاقوية تجعل من حضرموت محطة يسيل لها لعاب دول الصراع في اليمن، أبرزها السعودية والإمارات، ومن ورائهما أميركا وبريطانيا، وهذا ما يفسر الحرب الباردة بين الإمارات والسعودية عبر خطواتهما المتوالية، وخصوصاً الأخيرة منها.
في غضون الأيام القليلة الماضية، وبعد اجتماعات مكثفة منذ 20 أيار/مايو، أُعلن من العاصمة السعودية الرياض تأليف "مجلس حضرموت" الذي يضم في تشكيلته شخصيات معظمها، إن لم يكن كلها، يحمل الجنسية السعودية، و"لا تملك هذه الشخصيات حضوراً سياسياً قوياً"، وفق مصادر حضرمية.
اللافت أنَّ الخطوة جاءت من الرياض، وبحضور السفير السعودي غير المقيم في اليمن، محمد سعيد آل جابر، بمعنى أنّ هذه الخطوة الهادفة إلى عزل حضرموت أو فصلها جاءت بمباركة سعودية، وإشراف سعودي على صياغة ما سُمي "وثيقة مجلس حضرموت الوطني".
وبعيداً من الغوص في وثيقة المجلس التي تدغدغ مشاعر أهلنا في حضرموت، بالحديث عن حقهم "في إدارة شؤونهم الاقتصادية والسياسية والأمنية" و"المشاركة العادلة في صناعة القرار السيادي والتمثيل في الغرف البرلمانية والهيئات الحكومية والاستشارية والتفاوضية"، كان الأكثر لفتاً للنظر ذلك البند التي تضمن الحديث عن "ردع أي تهديدات تستهدف حضرموت"، فإلى أيِّ تهديدات تلمّح الرياض عبر من جمعتهم باسم أبناء حضرموت (غالبيتهم يحملون الجنسية السعودية).
هناك 4 تهديدات محدقة بمحافظة حضرموت، بعضها من وجهة نظر سعودية، وبعض الآخر من وجهة نظر وطنية، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
- التهديد الأول: الوجود العسكري الأميركي في مطار الريان وغيره من المواقع الاستراتيجية، وتردد المسؤولين العسكريين والسياسيين والدبلوماسيين الأميركيين إلى المحافظة، وهو، في اعتقادي، من أهم التهديدات وأخطرها.
- التهديد الثاني: مساعي الإمارات لتوسيع نفوذ ذرعها (الانتقالي) عسكريا وسياسياً وديموغرافياً... تمهيداً لإعلان فصل الجنوب عن الشمال، ولأنَّ الانتقالي هو الذي يحمل طموح الإمارات وأطماعها وأجندتها في السيطرة على الموانئ والمطارات والجزر الاستراتيجية في المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن، وهو تهديد خطر أيضاً.
- التهديد الثالث: التهديد السعودي بقضم حضرموت وضمّها أو في أقل الأحوال تأسيس فيدرالية حضرموت، على أن يتم تسييد الشخصيات ذات الميول الوهابي من الشخصيات ورجال المال والأعمال الحضارم الذين يحملون الجنسية السعودية لخدمة أهدافها وأطماعها التي أشرنا إليها سابقاً، وهو تهديد خطر قديم ومتجدد.
- الرابع لا يمكن اعتباره تهديداً، لكنه من وجهة نظر السعودي قد يكون كذلك، وهو أن تسعى صنعاء لمد الجسور مع القوى والشخصيات الوطنية في حضرموت لبسط سيادة الدولة عليها، باعتبارها جزء أصيلاً من الجغرافيا اليمنية، لكن هذا يظل في إطار الاحتمالات لا التهديدات، على الأقل في المدى المنظور.
وبالنظر إلى هذه التهديدات بواقعية، من المستبعد أن تدخل السعودية ومن يمثلها في حضرموت في صراع مع الأميركي، كما أن السعودية لا ترى نفسها تهديداً، بل تقدم نفسها بطرق مختلفة. ويبقى أمامها التهديد الثاني والفرضية الرابعة (صنعاء)، وعلى الأرجح أن الرياض باتت تنظر إلى الإمارات وأداتها في الجنوب (الانتقالي) على أنهما التهديد الحقيقي لمصالحها وأطماعها في الجنوب.
يفسر ذلك أنّ الخطوة السعودية جاءت بعد الخطوة الإماراتية بشهر، وبعدما حاول عيدروس الزبيدي عقد لقاء تشاوري في حضرموت مشابه للقاء الذي عقد الشهر الماضي في عدن. وتنظر السعودية إلى الانتقالي بأنه أصبح رهاناً حققت من خلاله الإمارات مكاسب جيوسياسية عسكرية وسياسية، وبالتالي فإنّ لديها مخاوف بأن تخرج من السوق من دون حمص، كما يقال، وهذا ما دفعها إلى هذه الخطوة.
الخلاف والسباق السعودي الإماراتي على تقاسم "الكعكة" في اليمن لم يعد خافياً على المراقبين للمشهد السياسي اليمني، فبعد شهر واحد من انعقاد ما سُمي "اللقاء التشاوري" في عدن أعلن من الرياض تشكيل ما سُمي "مجلس حضرموت الوطني" بهندسة سعودية واضحة.
صحيح أنَّ المجلس يتلطى بثوب الوطنية، لكنه في التشكيلة والأهداف، ومن ناحية التوقيت، يصبّ في خدمة الأطماع الجيوسياسية السعودية، لتثبيت وجودها وهيمنتها وبسط نفوذها على أكبر المحافظات اليمنية وأغناها بالثروات النفطية والمعدنية، ولمد أنبوبها "الحلم" من السعودية إلى البحر العربي المفتوح على أعالي البحار بعيداً من مضيق هرمز.
وبعيداً من الصراع والسباق مع الإمارات، فإن السعودية لديها نزعة توسعية تاريخية، ليس في اليمن فحسب، بل في كل الدول المحيطة بها أيضاً، بما فيها الإمارات والكويت وسلطنة عمان. وقد تأسست منذ اليوم الأول على هذه النزعة لتتحول من كيان زرعه المحتل البريطاني في نجد إلى ما يشبه القارة في شبه الجزيرة العربية.
المساعي السعودية الإماراتية من خلال محاولة فصل حضرموت أو فرض واقع جديد فيها لا يستقيم مع حديثها عن السلام ومفاوضاتها مع صنعاء، إذ إنَّ هذه الخطوات التقسيمية تهدد وحدة اليمن ومستقبله السياسي، وتمثل ألغاماً في طريق السلام، ولا يمكن أن تقبل صنعاء بهذا الواقع، لا للسعودية ولا للإمارات، ولا لأميركا ولا لبريطانيا؛ أبرز الدول الطامعة في السيطرة والهيمنة على المحافظات النفطية في اليمن.
واقعاً، إن هذه المشاريع التفتيتية مرفوضة شعبياً ومن النخب الوطنية في الجنوب التي تلاحظ كل هذه القوى المتصارعة المحلية والإقليمية التي حوّلت المحافظات الجنوبية والشرقية إلى ساحة صراع وتجاذبات لا همّ لها سوى مصالحها، ولم تقدم لأبناء الجنوب شيئاً يذكر طيلة السنوات الماضية، بدليل ما تعانيه المحافظات المحتلة، ومن بينها عدن، من أزمات اقتصادية ومعيشية وخدمية، أبرزها انقطاع خدمة الكهرباء لأكثر من 18 ساعة، ووضع سيئ وبائس دفع أحد المواطنين مؤخراً إلى إحراق نفسه في عدن، ما أعاد إلى الأذهان مشهد البوعزيزي في تونس.
في الخلاصة، إن "مجلس حضرموت" حلقة في سلسلة من الحلقات الفاشلة التي هندستها وشكلتها وأعلنتها الرياض، والتي انتهت بالفشل، ولم تكن لها أي قيمة، على سبيل المثال والعبرة ما سُمي بـ" مجلس القيادة الرئاسي" المنقسم والفاشل والمهدد بالسقوط، فإنشاء هذه التوليفة الجديدة في حضرموت يعني أن التوليفة السابقة فشلت، ولم تكن في مستوى الطموح السعودي.
والخلاصة الأهم أنّ هذه التوليفات والمشاريع السعودية الإماراتية الأميركية والبريطانية هي كيانات مؤقتة ومشاريع زائلة ستذوب في المتغيرات وتتلاشى، ومصير كل دول الاحتلال هو الخروج من اليمن، وسيعود اليمن موحّداً كما كان، إذ لا يمكن القبول شعبياً وسياسياً بأن يقسم اليمن إلى اثنين أو ثلاثة أو أربعة، وسيظل اليمن واحداً موحداً من صعدة إلى المهرة.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.