ثماني سنوات من الخيبة الأميركية - السعودية في اليمن
بات من المسلّم به أن التحالف العسكري فشل في عدوانه على اليمن، وبات ملموساً أن اليمن تكفّل بإنزال السعودية من الشجرة، ونقلها دفعة واحدة من سياسة المواجهة إلى سياسة البراغماتية والحوار مع محيطها العربي والإسلامي، وتلك قناعة باتت راسخة لدى الكثير من المراقبين بمن فيهم الأميركيون أنفسهم.
وهنا، من المفيد التذكير بأهداف التحالف وشعاراته قبل ثماني سنوات، من بينها أن الحرب جاءت لـ " إعادة اليمن إلى الحضن العربي" وأن العدوان على اليمن يهدف إلى "مواجهة النفوذ الإيراني"، و "حماية الأمن القومي العربي"، و"إعادة الشرعية إلى صنعاء"، ولأجل تلك الشعارات والأهداف، ركبت السعودية على عجل تحالفات عسكرية وسياسية، عربية وإسلامية ومحلية، وجيء بآلاف المرتزقة متعددي الجنسيات، وسخرت مليارات الدولارات بهدف "هزيمة اليمنيين"، وحسم المعركة ضدهم في غضون أسابيع معدودة، كما نقل جون برينان، مسؤول الأمن القومي الأميركي عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقال حرفياً " إنه ستتم إطاحة الحوثيين في غضون أسابيع قليلة".
كل هذه الشعارات استحالت لعنات وحسرات على تحالف العدوان، لتجد السعودية نفسها في نهاية المطاف، وحيدة تفتش عن مخرج من ورطتها التاريخية، وكشفت السنوات الثماني الماضية أن ذلك التحالف كان يقاتل في سبيل أميركا وبريطانيا و"إسرائيل"، وذهبت الدول المنضوية تحت مظلة التحالف العربي، بمعظمها، إلى التطبيع سراً وعلانية مع "إسرائيل"، وتفكك التحالف دولاً وجماعات، على المستويين القومي والمحلي، وباتت الشرعية في خبر كان، بعد أن طلقتها الرياض في حفل علني في الرياض في نيسان/أبريل من العام 2022، لتشكل بدلاً من هادي مجلساً من ثمانية أشخاص لا يجمعهم شيء سوى مجلس هولامي شكلته السعودية على عجل، وظهر منقسماً مفككاً، لم يحقق للنظام السعودي أياً من أهدافه العسكرية والسياسية والاستراتيجية، بل تحوّل إلى عبء إضافي على تحالف مثقل بالهزائم الأخلاقية والسياسية والعسكرية، ومع تبدد الوقت بين يدي صانع القرار السعودي، وجد نفسه مضطراً إلى النزول التدريجي من على الشجرة، وطرق الأبواب الخلفية للحوار مع اليمن القوي والقادر والمستقل، فتهافتت الوساطات العمانية والأممية والعراقية، وتوالت الوفود السعودية إلى العاصمة صنعاء، بحثاً عن طوق نجاة يحفظ للنظام السعودي بعضاً من هيبته المفقودة.
من المواجهة إلى الدبلوماسية
إن التحوّل الذي طرأ على السياسة الخارجية، خلال السنوات الثماني الماضية، وانتقالها من سياسة الصدام والمواجهة إلى الحوار وتصفير المشكلات، بدءاً من قطر وتركيا، وصولاً إلى اتفاق بكين بين الرياض وطهران، والحوارات الثنائية بين صنعاء والرياض، ما كانت لتحصل لولا الهزيمة والحصاد المر لثماني سنوات في اليمن، لتجد السعودية أنها مضطرة ومكرهة وليست مخيّرة لإنقاذ أولوياتها الاقتصادية والاستثمارية والتنموية والطاقوية، بالحوار لا بالنار مع اليمن ومع محيطها العربي والإسلامي، وخصوصاً أن الفترة الزمنية الفاصلة بينها وبين تحقيق رؤية 2030، باتت قصيرة جداً.
صحيح أن السعودية قوة عسكرية كبرى، وقوة اقتصادية عظمى، لكنها وضعت ثقلها العسكري والاقتصادي في المكان الخطأ، ورسمت لها أهدافاً حالمة بهزيمة اليمنيين، فغرقت وبددت أموالها، وفشلت وهي اليوم – بعد ثماني سنوات -تجني ثمرة ذلك الوهم حسرة وخيبة وهزيمة تاريخية في اليمن المشهور عنه تاريخياً بأنه مقبرة الغزاة.
سقوط ثلاثية القوة والمال والتحالفات
لقد اعتمدت الرياض، في حربها على ثلاثية المال والقوة والتحالفات العربية والإسلامية والدولية، وكانت تظن أن أميركا ركن وثيق سيوفر لها الأمن الحماية، بل لم تكن تتوقع في يوم من الأيام أن جغرافيتها المترامية ستكون عرضة للصواريخ والمسيّرات اليمنية، وأنها ستكون أمام انكشاف استراتيجي يهدد مصادر قوتها وعصب اقتصادها، وأن ثلاثية المال والقوة والتحالفات ستسقط أمام صمود المارد اليمني الذي امتص الصدمة، وانتقل من مرحلة امتصاص الصدمة إلى الدفاع ومنها إلى فرض معادلات قوية، أبرزها عملية "بقيق وخريص" التي عطلت نصف إنتاج المملكة أواخر العام 2019م، وعمليات "توازن الردع" الثماني، و"عمليات كسر الحصار" الثلاث في العام 2022 والقائمة تطول، قائمة كشفت هشاشة المنظومة الدفاعية الأميركية والإسرائيلية والفرنسية واليونانية...إلخ، وبيّنت هشاشة النظام السعودي، وحجمه الطبيعي في الميزان الإقليمي والدولي، وكيف تحوّل من أسطورة إلى مسخرة على لسان كل خصوم أميركا، وأثبتت بالتجربة الحسية الملموسة أن المتغطي بأميركا عارٍ.
اليوم، بعد ثماني سنوات، تدرك الرياض عواقب سوء التقدير، وكيف أن أميركا أدارت لها ظهرها، وعجزت عن حمايتها، وترى كيف تحوّل اليمن من قوة محلية، ومن اللادولة، واللاجيش واللامؤسسات، إلى قوة إقليمية، بدولة قوية وجيش قوي قادر ومقتدر على فرض المعادلات داخل اليمن وخارجه، ومن أبرز تلك المعادلات ما فرض عقب الهدنة من معادلة حماية الثروة ومنع سرقة النفط والغاز اليمنيين ونهبهما، بل باتت اليمن بما كشفته من قدرات صاروخية، وقوات جوية، وسلاح جوي، وقوات بحرية قادرة على استهداف أي نقطة في العمق الاستراتيجي لدول العدوان، بل أصبحت قادرة على استهداف أي نقطة في البحر وصولاً إلى ميناء إيلات، وباتت السعودية وأميركا و"إسرائيل" تخشى صنعاء التي دخلت – بفضل الله – مرحلة مرعبة لكل أطراف التحالف المعلنة وغير المعلنة.
معجزة إلهية
صحيح أن اليمن لم يحقق النصر الكامل، إذ إن معظم المحافظات النفطية والجزر الاستراتيجية لا تزال تحت سيطرة الدول المحتلة، تتقاسمها السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، ونحن هنا نتحدث عن المهرة وحضرموت، وسقطرى، والمخا، وباب المندب، ومارب وشبوة وعدن ولحج وأبين، ولا يزال يرفع إلى اليوم استراتيجية التحرير الشامل، ويطالب بضرورة انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، وسينجح بإذن الله في ذلك، فما حصل على مدى ثماني سنوات، لا نقول أشبه بالمعجزة بل معجزة إلهية بكل ما للكلمة من معنى، ذلك أن النتائج أكبر بكثير من المقدمات، وبشكل لم يجد له الخبراء والمحللون والمراقبون تفسيراً منطقياً، بالنظر إلى فارق الإمكانات المادية عسكرياً واقتصادياً وتجييشاً وتحالفات. ومن يدقق في القراءة والتحليل في الأرقام التي قدمها المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، في حصاد ثماني سنوات يدرك تلك الحقيقة، وبأن التحالف لن يجني من اليمن سوى الخيبة والفشل والهزيمة.