آخر التطوّرات في مأرب: طلائع صنعاء على أبواب المدينة.
خلال الأيام القليلة الماضية، تمكّنت طلائع قوات صنعاء من تحقيق إنجازات ميدانية كبيرة في مديريتي رحبة والعبدية الواقعتين جنوب مدينة مأرب. وهنا، لا نكشف جديداً، فقد انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور لبعض المقاتلين، التقطت أمام منزل القيادي الكبير في معسكر العدوان المدعو مفرح بحيبح وسط مديرية رحبة، كما وصلت طلائع المقاتلين إلى المثلث الرابط بين مأرب والبيضاء وشبوة. وبهذا الإنجاز، استطاعت القوات المسلّحة ربط 3 جبهات مهمة، وبالتالي إحكام الطوق الميداني بشكل مكتمل من 3 جهات، وهي: الجهة الجنوبية، والجهة الشمالية الشرقية، والجهة الشمالية الغربية (صرواح وسدّ مأرب).
قبل أيام قليلة، رفعت القوات المسلحة السرية عن المعلومات والمشاهد التي وثقت العمليات العسكرية في الجهة الشمالية الغربية من جهة صرواح وسد مأرب، ضمن ما أطلقت عليها اسم عملية "فجر الانتصار". إنّ اختيار هذه التسمية لم يكن عفوياً، إنما جاء استناداً إلى ما أرسته العملية من معادلات ونتائج ميدانية مكّنت القوات المسلّحة من الوصول إلى نقاط متقدمة ومشرفة على مدينة مأرب التي باتت في مرمى البصر، كما أظهرت المشاهد، والتسمية هنا تحمل في طياتها رسائل لما هو أبعد، وتعبّر عن توجّه لا تراجع فيه عن مسار الحسم.
لم يعد مسار الحسم أمراً صعباً على مقاتلين صقلتهم تجربة 7 سنوات، وأكسبتهم مهارات وخبرات عالية جداً في خوض المعارك البرية ضمن أي تضاريس، وتحت أيّ ظروف، مهما كانت قساوتها، وليس في الأمر مبالغة، فقد أظهرت المشاهد التي وزعها الإعلام الحربي اليمني كيف طوعت طلائع مقاتلي صنعاء التضاريس الصعبة، واقتحمت أعالي الجبال التي خندقها معسكر العدوان وجهزها طيلة السنوات الماضية.
وكان المقاتلون في الطرف المقابل يهربون كالخراف في قمم الجبال، ويتركون آلياتهم المدرعة، ويسلمون أنفسهم، كما أظهرت المشاهد صورة المقاتل المحترف في التصويب بالصواريخ الموجهة، حتى حوّل مسرح العمليات إلى ما يشبه ميدان الصيد للآليات والمدرعات والتجمعات، والأبعد من ذلك إدارة المعركة بحكمة وحنكة واقتدار وتنسيق عالٍ بين المشاة وقوات الإسناد وضد الدروع والقوات الصاروخية والدفاعات الجوية، حتى أصبحت طائرات العدوان الحربية والاستطلاعية بلا قيمة وبلا معنى. كل هذه الأمور يدركها المتابع البسيط، ويتوقف عندها الخبراء والمحللون بكثير من القراءة والتأمل.
لا شكّ في أنّ مثل هذه العمليات وهذه المشهدية البطولية تحصل هذه الأيام في المعارك الدائرة جنوب مدينة مأرب، وتحديداً في مديريتي الجوبة والعبدية. إقدام وتقدم يسنده رجال القبائل في مأرب، تقابلهما انهيارات دراماتيكية عسكرية ونفسية، وحتى إدراكية، في معسكر العدوان والمرتزقة، وصلت حد التخوين وتقاذف الاتهامات والمعايرة داخل طوابيرهم، فالمرتزقة يتهمون التحالف بخذلانهم، والتحالف يتهم المرتزقة بالفشل والعجز.
وهنا، نستحضر على سبيل الطرفة مقابلة تلفزيونية في إحدى القنوات السعودية، تسأل المدعو عبده مجلي المتحدث باسم قوات هادي: لماذا عجزتم عن فكّ الحصار على العبدية منذ أسابيع؟ كان مجلي يهرب من الإجابة، فيعود إليه المذيع بالسؤال نفسه، إنما بصيغة أخرى: ما الذي قمتم به من أجل دعم القوات المتواجدة في العبدية؟
الشاهد هنا أنَّ صيغة السؤال فيها اتهام للمرتزقة. وقد ألقى مسؤولية الهزيمة على عاتقهم. في المقابل، إن بعض المحسوبين على علي محسن الأحمر (نائب هادي) يتّهم التحالف بشكل غير مباشر بإضعاف ما يصفه بـ"الجيش الوطني"، ويحذر من تداعيات ذلك على المنطقة وأمن السعودية، ويذهب إلى استنتاج عجيب غريب، مفاده أنَّ سقوط مأرب يعني سقوط البحرين.
ضمن حالة التخبّط وتقاذف الاتهامات، ثمة ما يلفت الانتباه، وهو حرص دول تحالف العدوان وحكومة المرتزقة على العبدية أكثر من الجوبة، وإيلاؤها جزءاً كبيراً من الاهتمام في المحافل الدولية ووسائل الإعلام، والكلّ يرفع شعار "الإنسانية" و"حماية المدنيين"، بدعوى أنَّ العبدية محاصرة، وهي تحتضن عشرات الآلاف. مثل هذه الشعارات اعتدنا سماعها عند كلّ مأزق ميداني، وكان بإمكانهم تلافي هذا المأزق في الاستجابة السريعة لمبادرة مأرب المنصفة التي قدمتها صنعاء ورحّبت بها معظم قبائل مأرب.
ارتفاع منسوب الصّراخ على العبدية تحديداً، ليس حرصاً على المدنيين، ولا على الإنسانية "ولا هم يحزنون"، فصنعاء أعلنت عبر نائب وزير الخارجية أنَّها وفّرت ممرات آمنة إن كان هناك مدنيون يريدون الخروج، وكلَّفت أحد مشايخ البيضاء بهذه المهمة، ولكن الطرف الآخر لم يتجاوب مع هذه الدعوات. وخلافاً لما يرفعه معسكر العدوان ومرتزقته من شعارات إنسانية، ذهبوا ليقطعوا الطريق العام أمام آلاف المسافرين وعائلاتهم ومئات شاحنات النقل التجاري في مديرية الجوبة، وأطلقوا النيران الحية والمباشرة على المسافرين.
الأسباب الحقيقة وراء حملة العويل والتهويل باسم "الإنسانية" في مديرية العبدية، وفق ما علمناه من مصادر قبلية، هي على النحو الآتي:
- تعتبر العبدية المنطقة العسكرية الخلفيّة لميلشيات الإصلاح والعناصر التكفيرية من "القاعدة" و"داعش".
- تحتضن أكثر القيادات العسكرية للإصلاح و"القاعدة"، إضافةً إلى عدد كبير من عناصر "القاعدة" الذين فرّوا مؤخراً من مديريات الصومعة ومسورة وناطع في محافظة البيضاء.
- تعتبر المركز الرئيسيّ لمخازن السّلاح والذخائر والعبوات الناسفة ومعامل التفخيخ.
- تعدّ آخر معاقل "القاعدة" والإصلاح في المديريات الجنوبية لمأرب.
- تعتبر أكثر جبهة تحظى بالدعم السعودي السخيّ وبأقوى الأسلحة.
- العبدية هي مسقط رأس القيادي عبد الرب الشدادي الذي قُتل قبل أشهر، وهو واحد من الاعتبارات المعنوية.
وبالاستناد إلى هذه المعطيات، إنَّ تحالف العدوان ومرتزقته يحاولون بكلّ الطرق والوسائل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من قيادة "القاعدة" والقيادات العسكرية المحسوبة على حزب الإصلاح، إلى جانب كميات السلاح المخزنة في هذه المديرية، وبالتالي إعادة التموضع والتوزيع.
يعزز هذا الأمر تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية، الّذي خرج بعد صمت وغياب طويل ليعلن حصيلة غاراتهم على محيط مديرية العبدية. هذا التصريح يكشف حرص الرياض على عناصر "القاعدة" من جهة. ومن جهة ثانية، يريد رفع العتب بأنَّ التحالف لم يدّخر جهداً، وأنَّ الإصلاح تحديداً هو الذي يتحمّل مسؤولية الهزيمة.
الملاحظ، والأمر ليس جديداً، أنَّ الإصلاح والسعودية و"القاعدة" يقاتلون جنباً إلى جنب في العبدية والجوبة، وقبلها في البيضاء وغيرها من الجبهات. وقد أصدرت "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب - ولاية مأرب" بياناً أعلنت فيه مصرع أحد قياداتها، وهو المدعو ياسر العمري المكنى "أبو طارق العمري"، وكشفت في البيان أنَّ هذا القيادي شارك في أفغانستان والعراق وسوريا، ومكث في السعودية لسنوات، وتم ترحيله قبل 5 سنوات مع عدد من عناصر القاعدة إلى مأرب لـ"مواجهة الرافضة والمجوس"، في إشارة إلى "أنصار الله".
وتحت هذا البند، كانت السّعودية تدفع لعلي محسن الأحمر 10 مليون ريال سعودي شهرياً قبل اندلاع العدوان. إذاً، هناك حلقات متشابكة وعلاقة وطيدة بين السعودية ومحسن و"القاعدة"، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة الأميركية، ولكنَّ الأمور خرجت عن سيطرة الجميع، وفقدوا زمام المبادرة، وبات كلّ منهم يخوّن الآخر ويرمي الهزيمة على عاتقه.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.