روسيا في اليمن: وساطة؟ أم مناورة في "لعبة الأمم"؟
في توقيت مفصلي، محلياً وإقليميا ودولياً، دخلت موسكو، على نحو لافت، على الخط بين صنعاء والرياض، بعد أن أحبطت واشنطن جهود الوساطة العمانية على مدى الأشهر الماضية.
في الـ25 من شباط/فبراير الماضي، طار نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إلى العاصمة العُمانية مسقط، والتقى في مقر السفارة الروسية هناك رئيس الوفد الوطني المفاوض، محمد عبد السلام، من أجل "مناقشة الوضع في اليمن، عسكرياً وسياسياً"، بحسب ما أعلنته وزارة الخارجية الروسية، مضيفة أن بوغدانوف شدّد على" ضرورة توحيد جهود كل القوى الاجتماعية والسياسية اليمنية من دون استثناء، من أجل ضمان نظام وقف إطلاق نار مستقر وطويل الأمد". ولم تعلّق صنعاء أو أي من دبلوماسيّيها على ذلك اللقاء.
بعد يومين من لقاء مسقط، أرسلت الرياض - على جناح السرعة – سفيرها (غير المقيم باليمن) محمد آل جابر مباشرة إلى موسكو للقاء نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف. وجرى في اللقاء "تبادل شامل للآراء بشأن الوضع في اليمن، عسكرياً وسياسياً وإنسانياً"، بحسب الخارجية الروسية، التي عبّرت عن "دعمها الإجراءات التي تتخذها السعودية". ودعتها، في الوقت نفسه، إلى "اتخاذ مزيد من الخطوات بهدف إقامة حوار سياسي يمني واسع بشأن القضايا المتعلقة بتسوية شاملة"، و"البحث عن حلول مقبولة من جميع الأطراف، في سبيل خلق ظروف مواتية لإنشاء عملية تفاوض بنّاءة تحت رعاية الأمم المتحدة، من أجل حلّ الأزمة في اليمن بصورة كاملة، وتعزيز السلام والأمن في المنطقة".
في التوقيت، فإن التحرك الدبلوماسي الروسي جاء لافتاً، مع دخول الأزمة في أوكرانيا عامها الثاني، وانتقالها من "عملية عسكرية" إلى حرب شاملة بين روسيا و"الغرب الجماعي"، على حد توصيف الجيوبوليتك الروسي، ألكسندر دوغين، وبالتزامن مع تدفق الدعم الأطلسي على كييف، عسكرياً ومالياً، وعقب زيارة بايدن الاستفزازية وتعهّده مواصلة الدعم العسكري لفولوديمير زيلينسكي. هذا على المستوى الدولي.
أمّا على المستوى الإقليمي فجاء لقاء بوغدانوف وعبد السلام في مسقط، في ظل مماطلة دول العدوان في الاستحقاقات الإنسانية، ومحاولتها التنصّل من أي التزامات تترتّب على أي اتفاق أو تفاهم. كما أن الأميركي يسعى جاهداً لعرقلة مساعي الوساطة العمانية، وهو ما استدعى موقفاً حازماً وحاسماً من صنعاء، مفاده أنه لا يمكن تجاوز الملف الإنساني، ولا يمكن القبول بأن تقدّم قيادة تحالف العدوان نفسَها وسيطاً، ولا يمكن قبول استمرار بقاء القوات الأجنبية في اليمن، وأنه سيجري التعامل معها على أنها احتلال، فيما يوحي في فرض معادلات عسكرية لاستهداف القواعد الأميركية والبريطانية والسعودية والإماراتية في اليمن.
الغريب أن زيارة السفير السعودي لموسكو، وحديثه الزائف عن السلام، تزامنا مع زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لكييف، الخصم اللدود لموسكو، وتقديم الدعم المالي إليها. وهذا يطرح عدداً من الفرضيات:
- إن زيارة السفير السعودي، إنما جاءت بهدف احتواء غضب موسكو وسخطها من الدعم السعودي لأوكرانيا، والاصطفاف إلى جانب الأطلسي.
- ضمان الرياض موقف موسكو في ملف اليمن إذا ما طُرح في مشروع قرار في مجلس الأمن.
- زيارة السفير السعودي تعكس خشية سعودية من أن تقدم موسكو دعماً عسكرياً إلى صنعاء، كخطوة مقابلة للرد على الدعم السعودي لأوكرانيا من جهة، ولوضع اليد على جرح واشنطن في منطقتنا، وهو الخليج، وفي المقدمة النفط السعودي، من جهة أخرى. وهذا يحمل هدفين: عسكرياً بهدف تخفيف الضغط الغربي في أوكرانيا، واقتصادياً من أجل ضمان حصة موسكو في السوق العالمية للنفط، أو ربما زيادتها، من أجل تعويض خسائر الحرب.
- تناقض الدبلوماسية السعودية، وعدم جديتها في إحلال السلام في اليمن، كما في أوكرانيا، إذ كيف تطلب إلى موسكو التوسط في اليمن، وتدعم أعداءها في أوكرانيا.
- الفرضية الرابعة مفادها أن صانع القرار السعودي يتوهم أن علاقة صنعاء بطهران علاقة تبعية، كما هو شأن مرتزقته. وبالتالي، يريد من موسكو الضغط على إيران، والأخيرة بدورها تضغط على صنعاء. وهذا يُنبئ بسوء تقدير، وغباء سياسي مركّب.
الحقيقة أن فرضية أن السعودية، تريد لموسكو أن تكون وسيطاً، أمر مستبعَد. ولو افترضنا جدلاً أنها تريد التحرر من الولاية الأميركية عليها، وتخرج من بيت الطاعة الأميركي، فهل إنها (السعودية) لا تثق بسلطنة عمان، التي بذلت جهوداً إيجابية خلال المرحلة الماضية؟ أم أن الأخيرة أعلنت فشلها في التوسط، وهذا لم يحدث طبعاً، أم أنها لا تريد أن تعطيها هذا الدور؟ هذه الأسئلة برسم النظام السعودي. أمّا صنعاء فلا تزال تتمسّك بالوسيط العماني، وتثق وتشيد به، وتعطيه الفرصة - قبل أن ينفد صبرها – في إقناع أطراف العدوان والحصار برفع حصارهم ووقف عدوانهم وسحب قواتهم الأجنبية من اليمن، وتحمّل كل الالتزامات والتبعات.
أمام هذه الفرضيات والتساؤلات، هناك عدد من الثوابت لدى صنعاء، أُولاها أنه لا يمكن أن تساوم على حقوق الشعب اليمني، وسيادته واستقلاله، ولا تتحوّل إلى ورقة للمساومة والضغط في لعبة الأمم. لكن، إذا كان من ناحية أن لدى موسكو وصنعاء عدواً مشتركاً، وتهديداً مشتركاً (أميركا والغرب)، ومصالح مشتركة ومشروعة، ويكون أي تعاون تحت هذا السقف، ففي الأمر وجهة نظر، ولصنعاء قيادة حكيمة لها الكلمة الفصل في ذلك.
في حقيقة الأمر، فإن موقف روسيا تجاه الملف اليمني، على مدى ثمانية أعوام، غير مشجّع، إن لم يكن سلبياً. والدليل أن موسكو مررت قرار مجلس الأمن المشؤوم 2216، ووضعت الاعتبار لمصالحها الاقتصادية مع السعودية والإمارات فوق كل الاعتبارات الإنسانية في اليمن، وساهمت في تدمير الاقتصاد اليمني، من خلال طباعة تريليونات الريالات من العملة المحلية ومن دون غطاء لحكومة المرتزقة. لكن، إذا كانت عدّلت موقفها بعد أن اكتوت بنيران العقوبات والمؤامرات الأميركية والغربية أكثر من ذي قبل، فهذا أمر سترحّب به صنعاء من دون أدنى شكّ.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.