3 أسئلة حول الانتخابات السورية في زمن الحرب.
في مواصلة مسيرة التحدي نفسها للمنظومة الغربية، التي تحاول فرض الهيمنة على بلداننا، تستكمل سوريا خطواتها في المواجهة، ولسان حالها يقول: "كما منعنا نحن أهدافَ الحرب على سوريا من التحقق، وكما لم نستجب لكل الضغوطات الهادفة إلى نزع سيادتنا وتحويلنا إلى طرف مطيع وهشّ في منظومة العولمة، كذلك تماماً، نحن مَن يحدّد موعد الاستحقاق الديمقراطي في بلادنا".
ما هي أهمية الانتخابات في زمن الحرب؟
أن تُجري أيُّ دولة الانتخابات في زمن الحرب، فذلك أمر طبيعي، بل ضروري. وعلى الرغم من أهمية القضايا التي يدور حولها التنافس الانتخابي في زمن السلم (العدالة الاجتماعية؛ القضايا المعيشية؛ التمثيل السياسي؛ السياسة الخارجية)، فإن الموقف من الحرب يتبوَّأ المركز الأول في خيار الناخب، عندما تجري الانتخابات في زمن الحرب (ما اكتشفه الناس من أسباب للحرب وطبيعتها؛ أداء الأطراف المتنافسة في الدفاع عن أمن الناس ووحدتهم وسيادتهم على أرضهم؛ خطط إعادة الإعمار واسترداد الحياة الطبيعية للبلد).
الولايات المتحدة نفسها، قامت بإجراء الانتخابات في مناخات الحرب الأهلية عام 1861م، والتي أعلنت خلالها 7 ولايات جنوبية الانفصال عن مشروع الاتحاد. لقد كانت ضرورة إجراء الانتخابات تنبع من أهمية اختيار توجُّه الأغلبية آليةَ التعامل مع ملف الحرب الأهلية (مع تجاهل طبيعة القانون الأميركي هنا)، وتم آنذاك اختيار أبراهام لينكولين.
إيران، بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979م، لم تتوقف عن إجراء الانتخابات في ظل الحرب، التي تم تحريكها غربياً ضدها. كان اختيار السيد خامنئي رئيساً للجمهورية آنذاك، تعبيراً عن خيار شعبي للتوجُّه الأسلم بشأن التعامل مع ملف الحرب، ولاسيما بعد فشل أبي الحسن بني صدر في إدارة الحرب، وتبنّي سياسة قائمة على خسارة مساحات واسعة من الأراضي في بداية المعارك، ثم بعد ذلك تنسيق العمل العسكري الكلاسيكي، الأمر الذي لم يكن فعالاً.
مع اختلاف الحالة السورية عن الحالة الأمريكية (إن ما جرى في سوريا ليس حرباً أهلية، وإنما حرب كونية أدارتها دول، واشتركت فيها جماعات مسلَّحة عبثية من الخارج)، وعن الحالة الإيرانية (من ناحية تعدُّد الأطراف المشاركة في الميدان ضد الدولة)، إلاّ أن ثمة مبدأً مشتركاً، هو تصويت الناس للخيار الأنسب لهم في زمن الحرب. لذلك، صحيح تماماً أن بشار الأسد هو الأوفر حظاً، ويعود ذلك إلى انكشاف أسرار الحرب الحقيقية على سوريا في الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى، وإدراك الكتلة الناخبة هويات "من هاجم البلاد وحاول تفكيكها"، و"من دافع عنها وحافظ على وحدة أراضيها".
إن الانتخابات السورية اليوم، هي تعبير عن نتيجة الحرب ومعناها في ذهن المواطن السوري. هي تقييم لحالة الحرب، وتقييم للشخوص الذين كانوا فاعلين فيها، من دافع عن البلاد ومن استنزفها، من هاجم ومن دافع. هي محاكمة لعشرية النار منذ بدايتها. هي نتيجة الكشف، بأثر رجعي، عن أسئلة كانت الإجابة عنها مطمورة ومخفية، وعلى رأسها السؤالان الأهم: مَن كان السبب في كل ذلك؟ ومَن تصدّى له؟
الإجابة عن سؤال الحرب تصبح أكثر أولوية وأهمية لدى الجميع، وعلى نحو طبيعي، من مسوَّدة الدستور التي تُستخدم أداةَ تسويف ضد الاستحقاق الانتخابي، الذي يصبح ملحّاً في زمن الحرب!
لماذا يعترض الغرب؟
ثلاثة عناصر، متفرقة أو مجتمعة، تحرّك الغرب للاعتراض على أيّ انتخابات في أيّ مكان في العالم.
أولاً: استقراؤه الحاسم والبيِّن نجاحَ منظومة معادية له، تواجهه، ترفض تسليم خيارها السيادي، وهذا ما حدث في أكثر من مناسبة من انتخابات تشيلي عام 1973م، وإطاحة سلفادور ألّليندي عبر انقلاب بنيوشيه، مروراً بالاعتراض على الانتخابات في فنزويلا، والتي اعتاد تشافيز جنيَ النسبة الأكبر من الأصوات فيها.
ثانياً: عجزه عن تكوين جسم معارض منافس "بحسب معاييره هو"، وقادر على اجتذاب كتلة تصويتية قوية وواسعة. وهو ما حدث في الحالة الفنزويلية في عهد نيكولاس مادورو.
ثالثاً: محاولته شراء الوقت، وإحداث فراغ سياسي في مرحلة استثنائية تعيشها البلاد.
العناصر الثلاثة مجتمعةٌ في الحالة السورية. فالغرب جرّب امتناع سوريا من شروط تسليم قرارها السيادي في منظومة العولمة الرأسمالية (التوقف عن الإنتاج؛ التوقف عن تطوير القدرات العسكرية؛ عدم الالتزام بالنموذجين الاجتماعي والثقافي، اللَّذين تفرضهما العولمة). كما أنه عاجز عن إلباس المسلَّحين بدلة أنيقة خادعة لاستقطاب الناخبين. بمعنى آخر، هو عاجز عن بناء جسم سياسي من العدم ومن فوضى السلاح. الغرب يهدف، عبر محاربة الجولة الانتخابية، إلى إحداث حالة من الفراغ الرئاسي، ولو صُوَرياً، ولو إعلامياً، وإدخال متغيّر جديد في معادلة الانتصار السوري في الميدان، وهو "أن الرئيس الحالي ليس شرعياً، لأن الانتخابات لم تحدث أصلاً" .
هل النموذج الديمقراطي الغربي هو المرجع؟
واحدٌ من تداعيات العولمة هو شعور شعوب العالم بأن النموذج الديمقراطي الغربي، أو "المركزية الأوروبية"، هي المعيار أو المرجع في بناء مجتمع ديمقراطي (القانون الناظم للانتخابات؛ آليات التصويت، وغيرها). لكنْ عملياً، يبدو أن ذلك أثبت فشله في مجتمعاتنا، التي تعيش ظروفاً مُغايرة، وسيكولوجيا جماعية مُغايرة، ونظرة عامة مغايرة إلى العلاقة بين السلطة والمجتمع.
ما قاله وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، يستحقّ التأمل جيداً. فالانتخابات الأميركية، التي وصفها بالمهزلة، تتَّسم بالتالي:
أولاً: ثمة انتقادات سياسية جادة لطبيعة اختيار الرئيس في الولايات المتحدة، والقانون الناظم لها، والقائم على الكلية الانتخابية، والنقاط التي تسجَّل لكل ولاية.
ثانياً: دور المال في الانتخابات الأميركية هو عُرف، ولا تشعر الكتلة الناخبة بحَرَج من ذلك أساساً ("ضع مالك في المكان نفسه لصوتك أو كلماتك"). ما نعتبره نحن "المال الأسود" في الانتخابات هو إجراء طبيعي للحملات الانتخابية في الولايات المتحدة. بمعنى آخر، هي عملية منح حق الاختيار، لكن مع نزع الحرية عنه.
في ديمقراطيتنا، أو في ديمقراطيتهم، مصطلح "الديمقراطية" ليس كلمة مجرَّدة من دون وصف يلحق. ديمقراطية الغرب، في شقّ كبير منها، هي ديمقراطية رأس المال؛ وبمعنى آخر: خيارك داخل إطار النموذج الرأسمالي في العيش. في روسيا ، ما بعد بوتين، مثلاً هي الاختيار داخل إطار السيادة. في حالتنا نحن، تبدو المسألة مشابهة من حيث المبدأ، ومُغايرة في التفصيل. فنحن في حاجة إلى ديمقراطية داخل إطار المقاومة، وداخل إطار "أسئلة الحرب"، التي ستبدو الإجابات عنها أكثرَ وضوحاً مع نتائج الانتخابات!
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً