قبل 4 سنە
محمّد لواتي
270 قراءة

الجزائر والمموّلون لصفقات الأوهام

منذ بداية الانتفاضات العربية، في ما عرف زوراً بـ"الربيع العربي"، تحاول بعض القنوات الإعلامية والدبلوماسية جرّ الجزائر إلى مثل تلك الانتفاضات على بؤسها، وإلى التطبيع أيضاً. والمؤسف أنَّها تلتقط الأخبار السيّئة عن الجزائر، ولو كانت صادرة عن "إسرائيل"، وتحاول تسويقها ضدّها.

من المؤكّد أن الجزائر تعلم جيداً بما أصاب سوريا واليمن وليبيا من جحيم هذه القنوات وأسيادها، ممن هم خلف الستار، والكل فيها يعلم أيضاً أنها اختزلت المهنية للإضرار بالآخرين، رغم أنها تعلم يقيناً أنها تسبح في الأوهام، فالجزائريون لا ينظرون إليها في هذه النقطة أصلاً إلا نظرة احتقار، وخصوصاً بعد أن أصبحت بوقاً للتطبيع ومنابر للفتنة.

إحدى هذه القنوات وصل بها الهوس إلى نشر أخبار محرفة ومسيئة عن الرئيس السابق بوتفليقة حول رسالة التهنئة الموجّهة منه إلى علي عبدالله صالح بمناسبة عيد بلاده، فوضعت العنوان التالي: "بوتفليقة مهتم بالتعاون مع الصالح"، وهي بذلك تريد أن تقول لدول العدوان على اليمن بأن بوتفليقة مع صالح، وليس مع المتمردين من جماعة هادي عملاء السعودية، ولا هي مع التحالف. وقد صححت العنوان لاحقاً بما يناسب مواقف الرجل ومواقف الجزائر وتاريخ الثورة بعد أن تم تحذيرها.

بالتأكيد، ليس في الجزائر مرتزقة حتى تأتي أسماء إعلامية أو دبلوماسية مهووسة "بالغريزة البدائية"، وتحرض عليها مرة تلو الأخرى، وليس فيها هواة قتل داعشيون أو غير داعشيين، حتى تأتي لتريها ما يجب أن تؤمن به وتسعى إلى تثبيته في سياستها الخارجية، فإذا كانت هذه القنوات ومن هم وراءها يعتقدون أنَّ الجزائر على طريق الاحتراق حتى يضحكوا عليها لاحقاً، فإنهم واهمون، وإذا كانوا يظنّون أن الجزائر لا تنعم بالاستقرار فهم إلى الشر ينظرون، وإذا أحسوا بأن ما قاموا به ضد ليبيا وسوريا واليمن قد فضح نياتهم، وأدخلهم اللعنة؛ لعنة الشعوب، بأنهم بضم الجزائر إلى طريق الفتنة تجعلهم بريئين منها، فإنهم أيضاً يلعبون بالنار.

للتذكير المختصر فقط، نقول لهؤلاء: الجزائر تملك المواقف، تملك التاريخ ومعه الحقيقة.. ليعلم هؤلاء أن أول فوج من المجاهدين ذهب إلى البوسنة في منتصف نهاية القرن الماضي كان جزائرياً، ودم الجزائريين ما زال هناك ينبت الأشجار والمقاومة.. وأن المجاهدين الجزائريين هم من الأوائل الذين ذهبوا إلى القدس بالسلاح دفاعاً عن فلسطين، وإلى الآن يطالبون بالذهاب إلى الحرب هناك... وأن الجزائر هي التي قاومت من أجل استقلال أهم الدول الأفريقية، ودربت قادتها في مدارسها العسكرية، وعلى رأسهم المناضل مانديلا، وحسني مبارك، ودماء أبنائها تعرفه سيناء ونحوها من القطر المصري الشقيق.

المبدأ والمواقف

نعم، الجزائر لا تؤمن نفاقاً بالقضايا المصيرية للأمة العربية، ولا تقر أصلاً بالزندقة في خطابها السياسي. تؤمن بالمبدأ والمعتقد أنَّ الدفاع عن الأمن القومي العربي دفاع مقدس... لقد ذهب الرئيس بومدين إلى روسيا وسلمها شيكاً على بياض من أجل تقديم السلاح إلى الجيش المصري في حرب العام 1973، وذهب إلى الأمم المتحدة، وصرح من هناك بأنَّ القضية الفلسطينية يجب أن تحل، ونادى بنظام دولي جديد، وأدخل بخطابه اللغة العربية إلى الأمم المتحدة. ولم تكن لها في كل ذلك أطماع سياسية أو حبّ في الزعامة، بل كان كل ذلك من أجل الشرف العربي والأمن القومي لكل الأمم المستضعفة. 

لقد استقبلت المظلومين، وأخذت بأيديهم، وهم الآن يقودون دولاً ترفض بدورها الهيمنة. نقول هذا لا أذى منا لهم، لكن لإظهار المواقف والحقول التاريخية التي مشيناها وصنعنا منها طريق السلام، لا طريق التحريض على الفتن والتعامل مع الكافرين ضد المؤمنين!

من الخطأ إذاً أن يذهب العابثون بالأمن القومي العربي للتهافت على التطبيع والخيانة، ويتهمون من يرفضون ذلك بأنهم لا يؤمنون بالتطور وحاصل الأفكار الجديدة، ومن الخطأ أيضاً أن تبقى أحلام المتشبثين بالأوهام كإحدى المعجزات في نظرهم. إن الأمم التي صنعت التاريخ لها ولغيرها لا تخضع للظلم، ولا تسمح للغو السياسي في بيتها السياسي من أيّ طرف كان، لأن هناك منطقاً وهناك خرافة، والجزائر تحتكم دائماً للمنطق، مثلها مثل سوريا والعراق ولبنان. أما هؤلاء، فهم خرافيون أكثر من الخرافة. وبالتأكيد، إنَّ المبني على الخطأ لا يملك صفة الدوام.

إنَّ الذين يلعبون بالنار باسم مساعدة الإنكشاريين في ليبيا وعيونهم على الجزائر، يظنّون أن حدودنا مفتوحة لهم، وأنهم بالتالي لها منتظرون، ولكنهم يلعبون بمصيرهم ومصير شعوبهم، وما حصل مؤخراً في قاعدة الطية في ليبيا من تدمير للمطار وأهم الأجهزة العسكرية التركية فيه خير دليل، فهل المطالبة بتغيير النظام يحتاج إلى مرتزقة وفرنسيين أدوا لسنوات دوراً بارزاً في الانقلابات التي شهدتها أفريقيا، لكن المرتزقة الجدد ربما لا يعلمون من التاريخ شيئاً، وأنّ فرنسا نفسها اليوم تعيش نوماً سيئاً في التاريخ سوف يدفع بها إلى أفران حرب لا تبقي ولا تذر، لكنَّ اللوم الأصعب في التاريخ يبدو في المحن التي تعيشها ليبيا ومالي؛ محن جاءت بها قطر والإمارات والسعودية بالأساس، لأن فرنسا معروفة بإجرامها ضد الشعوب الأفريقية. 

إنَّ الدّول التي تكون العمالة فيها أكثر من شعبها هي دول محكوم عليها بالانهيار والاحتراق سياسياً من أجل تدمير الآخرين، وهو بداية السقوط في اللعبة القذرة. من المؤكد أن الجزائر لا تتوقع الخير ممن يتعامل مع المرتزقة، لأنها عاشت خرابهم وتعرفهم بتاريخهم الأسود... فهي منذ البداية صنعت الطريق الفاصلة؛ طريق المقاومة لها وللآخرين، لا طريق التحريض على التخريب والمساهمة فيه، وكل الشعوب تعرفها بذلك، وقد سجَّل التاريخ لها مواقع لا تملكها أية دولة حديثة. لا نقول هذا افتخاراً، ولكن توضيحاً للحقيقة، ودفعاً للمتآمرين علينا من وراء الستار.

لقد ذهب الملك فيصل ضحية مواقفه الإسلامية العروبية، وذهب أيضاً بومدين وجمال عبد الناصر (رحمهم الله)، ولا زلنا نقف لهؤلاء جميعاً في ذكراهم ترحماً وإجلالاً، ونأخذ منهم، وخصوصاً في الظروف الحرجة، العبرة والمواقف.

أما الباقي فهم منا في الجغرافيا، وليسوا منا في المبدأ والموقف، بعد أن أعلنوها حرباً مع الصهاينة ضد الأمة العربية، والسؤال: ماذا فعلت ليبيا حتى يفعلوا بها ما فعله المغول في العراق؟ وماذا فعلت سوريا لهم حتى يفعلوا بها ما فعله هتلر في أوروبا؟ وماذا فعل لهم اليمن الحضارة والتاريخ والعروبة؟ السؤال يبقى مفتوحاً، والتاريخ هو الفيصل بين الكل!

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP