قبل 6 سنە
محمّد لواتي
564 قراءة

إشكالية أوهام أميركا

مخاطر الغضب، ومخاطر المواجهة، ثم خطر الخوف من زوال مصالحهم بفعل  قوّة المقاومة التي دخلت المنطقة كمفهوم سياسي عسكري ذي أبعاد إستراتيجية، خاصة و أن قوى الرفض فيها تجذرت، و على مستوى الشعوب لا على مستوى الأحزاب والمؤسّسات، ذلك أن منطق الافتراض المبني على أساس-المُساءلة المُسبَقة، والفوضى الخلاقة- منطق شبيه بمنطق من يمشي في النوم وهو يتكلّم.

من أسوأ ما أنتجته الإدارة الأميركية خلال عهدتيّ "بوش الأب، و بوش الإبن" ولاحقاً  الرئيس دونالد  ترامب الجماعة المتطرّفة والخرق المُمنهج  للقانون الدولي ،  وقد تم ذلك مع الأسف  بأموال سعودية وبإيديولوجية وهّابية أيضاً ، وقد تم فرضها في مناطق عدّة وفق رؤى تصبّ في خانة الحلم السياسي الضائع وسط متاهات التاريخ، والحفر الجغرافي، لكن، هل أدركت أميركا بعض تلك العواصف التي تطاردها من هذه الجماعة وتلاحق سياستها الخارجية، فضلاً عن الغضب العارِم الذي ينهش وجودها في كثير من دول العالم،أم أنها ستستمر في تجاهل الانكسارات التي تلاحقها..؟ الواقع أن الظاهرة الأميركية سياسياً رغم محاولات الإغراء، و الإرغام النفسي على تقبّلها عالمياً تتراجع دولياً، لفائدة الصين، اقتصادياً ولفائدة روسيا عسكرياً، ثم تراجعها  لمواجهة روسيا، في سوريا وبالتحديد تخلّيها عن الكرد والتقارُب الجدّي مع روسيا من وراء الستار،  هو أيضاً   يقود إلى احتمال واحد،هو أن أميركا بدأت تدرك جيداً أن محاولاتها لفرض واقعها وإيديولوجيتها على العالم العربي  سواء من منظور حفر العولمة، أو من منظور "الرانجاس" العسكري الذي لم يعد له أيّ معنى  استفزازي إلا في بعض أذهان المنظّرين السياسيين فيها ممّن يتقمّصون الفكر الاستعبادي كنظرة تاريخية بواقعها السيّئ مثل  ما حدث عهد الاستعمار المباشر..صحيح أن أميركا قوّة عظمى، لكن في المقابل هي قوّة رهينة الأحداث المتلاحقة ضدها، أحداث هي من صنع الفراغ السياسي الذي تحاول فرضه على الكثير من الدول، بعد أن حوّلت هيئة الأمم المتحدة و مجلس الأمن الدولي إلى ذيل من ذيولها السياسية، لكن الفراغ سيظل مثل حادثة، المقتول فيها فاعلها.

هناك أيضاً مجموعة من الضغوط هي بمثابة الخراب المستمر يلاحق قواها اقتصادياً و سياسياً، فظاهرة الإرهاب التي تستند إليها في فرض قيمها، هي إحدى مهماتها و مرتكزاتها، ذلك أن تفاعلات الواقع البشري اليوم هي تفاعلات ترفض المجازفة  بالأفكار،إذ في المفاهيم المنظرة للظلم تتوغّل المأساة دائماً، لقد ظلّت إسرائيل أهم قاعدة أميركية لتسويق محنها إلى الآخرين، و لا تلزمها حتى القوانين الإنسانية لكنها اليوم هي بمثابة المسمار تحت وطأة الشعور العام الذي ينتفض في كل دول العالم، شعور حاد، وأحياناً قاس، فالعالم اهتزّ ضميره منذ أن شاهد فعلاً جرائم إسرائيل في غزّة، و من ثم لم تعد لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأميركية بمنأى عن النقد، وأحياناً عن الوصف ب: (إرهاب الدولة).

بل إن إسرائيل تعاني اليوم من العزلة الدولية، وأغلب حكّامها تلاحقهم عدالة الدول، متاعبها داخلياَ  وخارجياَ هي أكثر مما تصوّر، وأكثر مما تحكيه وسائل إعلامها.. و هي اليوم مُجبرة تحت ضغط الخطأ الذي أجبرها أن تلتزم بمبدأ الاعتماد بالضغط الذي هي عليه ، وإلا فما عليها إلا أن تأخذ طريق العزلة كمرحلة للوصول إلى مرحلة الانكماش، ذلك أن أميركا، وأمام تعدّد أزماتها، وتعدّد فشلها، وسقوط العولمة كظاهرة استعمارية لا يمكنها أن تظل إلى ما لا نهاية تغطّي جرائم إسرائيل، وهي في حاجة إلى مَن يساعدها على تغطية جرائمها، حتى أن تناقضات البيت الأبيض لم تعد تحتمل ومن الطرائف التي ساقها  الصحافي وود ورد  في كتابه الأخير"البيت الأبيض مدينة مجنونة يديرها أحمق "، كما  وصف وزير الدفاع الأميركي ترامب  بقوله " إنّ استخفافه يشير إلى تصرّفات ومدارك معرفية لطلاب في مستوى المرحلة الابتدائية." إنها الآن أضحت تعيش هاجس الموت من الانتشار النووي،( النموذج إيران  وكوريا الشمالية) والذي قد يجد طريقه إلى تنظيم القاعدة. وقد أضحت التكنولوجيا في متناول الجميع تقريباً، جرّاء انتشار الثقافة العلمية، وانتشار المخابر ذات الاستعمال المحدود والقادرة على خلط كل الأوراق بما في ذلك الأوراق العسكرية.. إنها بالتأكيد بداية البديل للحروب المنظمة و للقواعد العسكرية المُتعارَف عليها.

إن إمكانية استعمال حرب نووية محدودة الزمان والمكان قد تكون متاحة لتنظيم القاعدة و لكل من يؤمن يقيناً بأن أميركا دولة إرهابية يجب مواجهتها. وهنا يبدو لي بأن العالم مُقدم على خطوة أخرى تُرجِع للسلام قوّته، والالتزام بالمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة جذوتها.. فلا الولايات المتحدة قادرة على ردم قوة التفاعل الحضاري خارج التجاوب الأخلاقي والإنساني، ولا الغرب قادر على توقيف الإحساس بالشعور القومي والانتماء الحضاري للشعوب المكوّنة له.

وأعتقد بأن يده الذي امتدت إلى صوامع المساجد، والنقاب، وربما أيضاً اللغة سيقيم لها وزناً، هذا الشعور العابر للسياسة و القانون المجرم له..  لكن دعني أقول ، إن الفوضى التي تحكم غالبية المفاهيم في أميركا هي نتاج تراكم أخطاء سادت مواقع صنع القرار فيها، فأحياناً تجعل من الحصار الاقتصادي مسرحاً للابتزاز السياسي، والجريمة  أيضاً وأحياناً تجعل من الحصار التكنولوجي محيطاً لها للبقاء التكنولوجي ضمن محيطها، أملاً في بقاء من لا يملكها ضمن إطار التبعية، و معروف أن غياب الاستعمار المباشر قد عُوّض باستعمار لا يقلّ خطورة عنه، وهو الاستعمار بمخزون التغذية.

وأية دولة لا تملك زمام هذا المخزون معرّضة للتلاشي،أو لاستعمار آخر تحت يافطة ديون النقد الدولي، و تجربة الجزائر في السنوات الماضية مع هذا الصندوق تجربة مريرة  وكادت أن ترهن الوطن بكامله لدى البنوك الأجنبية، حتى اليونان اليوم وهي عضو في الإتحاد الأوروبي تتعرّض لأخطر ابتزاز في تاريخها، فقد رفضت أوروبا بكاملها مساعدتها عن طريق صندوق النقد الدولي، إلا إذا أخذت بمبدأ التقشّف الأسوأ، بل ذهبت بعض الدول الأوروبية إلى مطالبتها ببيع جزرها لمواجهة الأزمة التي تلاحقها، وهي أصلا أزمة ناتجة من الأزمة الأميركية، وحين تطالب أميركا في وثيقة من العالم العربي، تعميم السلام على إسرائيل قبل التطرّق إلى ترسانتها النووية  فهذا يعني إخلاء العالم العربي،  وبالتحديد إيران من الصناعة النووية لأجل السلام، وتترك إسرائيل تعوم في ترسانتها النووية، وذلك يعني بأن العربة هي التي تجرّ الحصان وليس العكس، لقد حاولت أوروبا مع أميركا تمرير هذه الوثيقة،لا من أجل شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، وإنما من أجل الحفاظ على التفوّق الإسرائيلي في المنطقة بعدما أصبحت قوّة الردع متوازنة فيها، بواسطة حزب الله وإيران، وبعدما أصبحت فكرة الحرب الإسرائيلية على دولة لوحدها من الماضي، باعتبار دخول المنطقة في مفهوم الحرب الشاملة،(محور المقاومة) إن الذين يحاولون توزيع ورود السلام من باب المُخادعة والإغراء السياسي أصبحوا يُدركون جيداً أن هذا المنحى أصبح محفوفاً بعدة مخاطر..

مخاطر الغضب، ومخاطر المواجهة، ثم خطر الخوف من زوال مصالحهم بفعل  قوّة المقاومة التي دخلت المنطقة كمفهوم سياسي عسكري ذي أبعاد إستراتيجية، خاصة و أن قوى الرفض فيها تجذرت، و على مستوى الشعوب لا على مستوى الأحزاب والمؤسّسات، ذلك أن منطق الافتراض المبني على أساس-المُساءلة المُسبَقة، والفوضى الخلاقة- منطق شبيه بمنطق من يمشي في النوم وهو يتكلّم.. لقد خسرت أميركا حتى أذنيها بالغضب الذي تفجّر ضدها بمواقفها الخادعة لكل القِيَم، و لكل الأعراف الدولية، ولمواقفها لصالح إسرائيل رغم الجرائم التي ترتكب فيها. وقد فقدت حتى شواطئها خوفاً من ضربات قد تصيبها من أيّ حامل للحقد ضدها و إن اقتضى الحال تفجير جسد بشري في شاطئ مكتظّ بالمُصطافين.

 

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP