السعودية.. النفط والتطبيع مُقابل دم خاشقجي!!
ونتيجة لهذه الأهوال فإن ابن سلمان سيتشبَّث بسلطة وليّ العهد في انتظار تولّيه السلطة كامِلة، وهنا تؤكِّد تقارير من داخل أركان حُكمه بأنه على وشك جرّ المملكة إلى انقلابٍ دموي، وهذا ربما قَيْد التحضير، فلا يُمكن لعاقلٍ يؤمن بأداء فريضة الحج وزيارة الأماكن المُقدَّسة في وقت تسيطر عليها عصابة لا تؤمن بحُرمتها ولا حتى بحُرمة الروح الإنسانية.
الصين تدعو روسيا إلى انتزاع السلطة العالمية من الولايات المتحدة، والصين وروسيا أيضاً بعيدتان إلى حد الآن عمّا يجري من مُتاجرةٍ بدم جمال خاشقجي، ويبدو ذلك كله أن في الأمر سرّاً يلوح في الأفق وهو سقوط أميركا من على الشجرة، وأن ذلك" سيدفع الإمبراطورية الأميركية نحو الانهيار" حسب The American Conservative، خاصة إذا عَلِمنا أن ترامب لا يُقدِّس الحقيقة بل يُقدِّس المصالح الأميركية تحت مظلَّة العنصرية، والمصالح الخاصة على وجه الدِقّة تحت عباءة الشراكة الاستراتيجية مع السعودية؟، ومعروف للعام والخاص أن محمّد بن سلمان ارتقى العرش بوصيّةٍ من ترامب، ومعروف أيضاً الارتباط العضوي والمالي بين محمّد بن سلمان وعائلة ترامب بقيادة كوشنير زوج إبنته، مع أن ترامب يؤكّد أن "السعودية كانت جزءاً كبيراً من الإرهاب ولولاها لكانت إسرائيل في ورطةٍ كبيرة"، بل إنه يُقايض أسعارالنفط مقابل دم خاشقجي.
مع أن الجريمة بشعة ولا يتقبّلها عقل، فمصادر الاستخبارات التركية حسب صحيفة صباح التركية، تُشير إلى أن "رئيس الطب الشرعي السعودي قام بعد خلعه لملابس خاشقجي، بسحب دمه من الوريد وتجفيفه، لكي لا يتطاير أو يترك أثراً، وسكبه في الحمّام". فإذا كانت الصين بثقلها الاقتصادي على العالم وروسيا بثقلها العسكري والسياسي في العالم تتّخذان موقفاً لا شيطنة القاتِل ولا شيطنة المقتول، فإنهما بالتالي تدركان جيّداً أن شيطنة الأطراف المُتاجِرة بدم القتيل الأصل في القضية، والمرجع في كل ما جرى و يجري تحت الطاولة بين المملكة والبيت الأبيض. وإذ هي تُطالب روسيا بقيادة العالم فإن ذلك لم يأتِ من فراغ أو من رؤية لا صدى لها بما يجري من تحوّلات في الواقع الدولي، فهي بالأساس على شراكة استراتيجيةٍ مع روسيا، والإثنتان معاً تعملان من أجل عالم متعدد الأقطاب. صحيح أن محمد بن سلمان انتهى سياسياً وأخلاقياً، وصحيح أيضاً أن السعودية باتت عبئاً ثقيلاً على العالم الإسلامي والعربي لأن جريمة مقتل خاشقجي هي الأسوأ في تاريخ دولة تدعي زعامة العالم الإسلامي، يُضاف إليها إلى جرائمها في اليمن والتي يُقال ومن أعلى منبر الأمم المتحدة "إنها الأسوأ في التاريخ البشري"، لكن الصحيح أيضاً أن محمّد بن سلمان لن يتنازل عن العرش لأنه أصلاً لا يؤمن بالقِيَم الإنسانية ولا يُعير أيّ اهتمام لضميره وللضمير البشري ككل. أما الضمير الديني الذي تتغنّى به أسرة بني سعود الحاكِمة مند ظهور المملكة فإنه مُجرّد غلافٍ سياسي لأفعال لا صلة لها بالدين يقول ترامب: "إسرائيل كانت لتصبح في مأزقٍ كبيرٍ لولا السعودية"، والاعتراف هنا يؤيِّد ضمنياً ما قدَّمته السعودية لإسرائيل في حرب لبنان الأخيرة وحماس لا يُقدّر بثمن، بل تقول مصادر استخباراتية عدّة إن تكلفة الحرب على لبنان سدَّدت ثمنها السعودية عن طريق اللوبي الصهيوني في أميركا .. لقد ظلّت مذ تأسيسها تشتري الذِمَم وعلى مستوى القارات الخمس لصالح عرشها حتى ولو أدَّى بالعالم إلى ما يُشبه طوفان نوح عليه السلام. لقد دمَّرت سوريا والعراق لصالح إسرائيل بل جعلت من إيران الإسلامية العدو لها وللعالم ككل!!
ونتيجة لهذه الأهوال فإن ابن سلمان سيتشبَّث بسلطة وليّ العهد في انتظار تولّيه السلطة كامِلة، وهنا تؤكِّد تقارير من داخل أركان حُكمه بأنه على وشك جرّ المملكة إلى انقلابٍ دموي، وهذا ربما قَيْد التحضير، فلا يُمكن لعاقلٍ يؤمن بأداء فريضة الحج وزيارة الأماكن المُقدَّسة في وقت تسيطر عليها عصابة لا تؤمن بحُرمتها ولا حتى بحُرمة الروح الإنسانية. ونفس الإشكالية مطروحة على ترامب لأنه كما تؤكِّد دوائر صُنْع القرار السياسي في أميركا يُدافِع لصالح شخصٍ مُتهالِكٍ ويقوِّض- بالتالي - قِيَم حقوق الإنسان والديمقراطية اللتين تتفاخر بهما أميركا، لذلك فإن إعلاماً وساسة أميركيين يؤكّدون أن "ترامب خان قِيَم أميركا، وباع نفسه للسعوديين"، وبالتالي إنْ لم يتراجع - وأظنّه لن يتراجع لتهوّره، فإنه في الحال الأخيرة إما تُسحَب منه الرئاسة بالعَزْل وإما يُقتَل مثل ما قُتِلَ جون كينيدي.
ليس من الممكن فهم سياسة ترامب خارج منطق "البزنس"، فالرجل مُقاوِل ويحمل ثقافة الكراهية للكل ولا يُجيد أبجديات التعامُل الدبلوماسي مع الداخل والخارج. مع الداخل يبدو غير مُتجانِس حتى مع الطبقة العميقة التي أوصلته إلى الرئاسة، فهي في نظره طبقة للبيض فقط. ومع الخارج يتعامل وكأنه إله بين المُحافظين الجُدُد فيتجاوز بتصرّفاته كل الأعراف الدولية ليصنع لنفسه من ذلك وَهْم النموذج المُنتَظر والصانِع للجمهورية الرابعة في أميركا، وهو حلم شبيه بحلم مَن يتحدَّث في النوم. والحقيقة التي لا يُناقِش فيها أحد هو إما مُمثّل لأظافر الشيطان، وأما أنه الوجه الجميل للشيطان بتعبير الإعلام الفرنسي في وصف هنري ليفي.
وعليه، يبدو أن ترامب ينحو صوب "تسعير" العداء باتجاه روسيا وإيران وحلفائهما، في المدى المنظور، وربما إشعال حروب، من دون الالتفات إلى تداعيات تلك السياسات على مكانة واشنطن العالمية في المَديين القصير والمتوسّط. هو إذن، أمام نارين، نار الإثبات باليقين بأن ليس للنظام السعودي الدور الأساس في مقتل خاشقجي خلافاً للكل، أكانوا إعلاميين وسياسيين، ولذلك فإن صحيفة "واشنطن بوست" تدعو الكونغرس إلى الجَهْرِ بالصواب خلافاً لترامب، تقول: "ينبغي على الكونغرس الأميركي التحرّك لكي تكون السياسة الخارجية الأميركية مبنية على الحقائق لا على الأكاذيب". إذ ليس بإمكانه في ظلّ الأزمات التي يُعاني منها وأهمّها أنه رجل يوصَف بالمعتوه ولا يَصلُح لقيادة أميركا، ثم العزلة الدولية التي تُعاني منها أميركا وليس إيران بسبب سياسته العنصرية القائمة على مبدأ الرجل الأبيض لا غير أدّى بدوره إلى "الاحتقان الشخصي بين مختلف مراكز القوى في الإدارة تشتدّ وطأتها بعد الانتخابات النصفية".
السعودية هي أيضاً تُعاني من العزلة وعلى الأكثر في العالم الإسلامي والعربي بسبب حرائق الإرهاب الذي أسّسته وكوَّنته إيديولوجياً وفقاً للعقيدة الوهّابية التكفيرية، وكذلك حربها الإرهابية في اليمن، وهي حرب سعودية بالوكالة لصالح أميركا وإسرائيل ولا وجود لِما اصطُلِح عليه ب"التحالف العربي". بل الصحيح "التعالف" العربي، فمصر ابتزَّت به السعودية مالياً وما أخذته تجاوز الثلاثين مليار دولار، والبحرين لأزمتها المالية والاجتماعية صارت ميزانيتها عالة على بعض دول الخليج كالسعودية والإمارات والكويت، ونظامها آيل إلى السقوط بسبب جرائمها في حق شعبها. ولكن من المُبكِر جداً الحُكم على خروج ابن سلمان سالِماً من الاتّهام بالقتل، لكن من المُبكِر أيضاً القول إنه سيخرج من الحُكم بعد الاتّهام لأنه قد يرفض ويبقى حاكِماً لكن داخلياً، أما خارجياً فلا مجال للتأويل فإنه لا يستطيع أن يطوف العالم من دون مُساءلة قانونية أو على الأقل أخلاقية. لكن في المنظور الديني شيء آخر باعتبار السعودية تُشرِف على الحَرمين الشريفين فإن ذلك يبدو أمراً غير مقبول من كل دول العالم الإسلامي، لأن الجريمة فضلاً عن الطائفية التي تمارس بإسمها سياستها يضعانها في مأزقٍ ربما يصل إلى حد المُطالبة بتغيير سلوكها كلياً، وتمتثل لقواعد الحكمة وما توحي به الأماكن الإسلامية فيها من قداسةٍ لكل المسلمين، وإلا فإن تأسيس منظمة إسلامية للإشراف عليها سيكون البديل المطلوب إسلامياً، إن السعودية في الأصل لم تكن وفيّة للأماكن المُقدَّسة فيها بل تجاوزت كثيراً ما هو مُطالَب منها شرعاً، بل ذهب بها الوَهْم الوهّابي إلى تدمير الكثير من المعالم الإسلامية فيها، إنها أيضا تتآمر على القدس وتعطي لإسرائيل حق إنشاء دولتها اليهودية فيها حسب ما صرَّح به محمّد بن سلمان نفسه، إن حمَّام الدم والمجاعة والإبادة الجماعية التي تُمارسها في اليمن لا يمكن أن تدَّعي بعدها إنها دولة إسلامية جامِعة بل تجاوزت بها حتى أخلاق الجاهلية إن لم تكن تمارسها على بقايا الجاهلية.. ويؤكّد صحّة هذا التوجّه بندر العيبان بقوله: "تلقّينا 258 توصية أممية حول أوضاع حقوق الإنسان في المملكة".
A.Z