قبل 2 شهور
تمارا برو
46 قراءة

العلاقات الصينية الأميركية عقب زيارة سوليفان لبكين

على مدى 3 أيام، بحث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، ملفات الخلاف بين بكين وواشنطن بهدف تهدئة التوترات بين البلدين قبيل الانتخابات الأميركية المزمع عقدها في 5 تشرين الثاني/نوفمبر القادم، وكثيرة هي الملفات الشائكة بين الصين والولايات المتحدة، من الاقتصاد والتكنولوجيا وتايوان والحرب الروسية الأوكرانية والتوترات في بحر الصين الجنوبي وحقوق الإنسان إلى غيرها من الملفات التي لم يصل الطرفان إلى نتيجة لحلها.

تكتسب زيارة سوليفان أهمية كبيرة لكونها الزيارة الأولى لمستشار الأمن القومي الأميركي إلى الصين منذ العام 2016، والزيارة الأولى لسوليفان إلى بكين بعدما عقد، خلال السنوات الماضية، اجتماعات مع كبير الدبلوماسيين الصينيين ووزير الخارجية وانغ يي في فيينا وبانكوك ومالطا وواشنطن. وفي بعض الأحيان، اتسمت الاجتماعات بين وانغ وسوليفان بالسرية، إذ لم يتم الإعلان عنها إلا بعد حصولها.

وتميّزت أيضاً زيارة سوليفان إلى الصين باجتماعه مع الزعيم الصيني شي جين بينغ. ولم يلفّ الزيارة الغموض حول ما إذا كان سيلتقي الرئيس الصيني كما حصل مع الزيارات السابقة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إذ لم تكن الصين تؤكد حصول اللقاء بين شي وبلينكن إلا قبل الاجتماع بساعات قليلة.

كما اجتمع سوليفان مع أكبر ضابط عسكري في الصين، الجنرال تشانغ يوشيا، لمعالجة القضايا الأمنية بين البلدين، والتي ارتفعت وتيرتها خلال السنوات الماضية.

كثفت الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات الأخيرة من زيارة مسؤوليها إلى بكين لضمان أن لا تتحول المنافسة بينهما إلى صراع، فواشنطن عندما كانت تشعر بأن ضغوطاتها على بكين بدأت تُغضب الأخيرة كانت تسارع إلى إرسال مسؤوليها إلى الصين لتخفيف التوترات.

بشكل عام، ساهمت اللقاءات بين المسؤولين الصينيين والأميركيين في منع انزلاق التوترات بين البلدين إلى صراع. ونجح البلدان في تحقيق تقدم في بعض الملفات الشائكة التي كان هناك إمكانية للتفاوض عليها، كقضية "الفنتانيل"، فبعد عقد عدة لقاءات بين الولايات المتحدة والصين وافقت الأخيرة على تشديد الضوابط على المواد الكيميائية المستخدمة في صنع مخدر الفنتانيل.

من ناحية أخرى، نجحت اللقاءات في إعادة التواصل العسكري بين البلدين بعدما علقتها الصين في إثر زيارة نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان عام 2022، كما استؤنفت المفاوضات بشأن الحد من التسلح والانتشار النووي، غير أن بكين علّقتها مجدداً بسبب إرسال واشنطن أسلحة إلى تايبيه.

وفي إطار آخر، تتعاون الصين وأميركا لتنظيم الذكاء الاصطناعي والتقليل من مخاطره، وذلك بعدما اتفق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الصيني وانغ يي أثناء اللقاء الذي جمعهما في بكين خلال شهر نيسان/أبريل الماضي على إجراء أول محادثات ثنائية رسمية بينهما حول هذا الموضوع.

أما الملفات الشائكة، كقضية تايوان ودعم الصين لروسيا والتوترات في بحر الصين الجنوبي وغيرها من المواضيع، فلم يتم التوصل إلى حلّ لها على الرغم من الاجتماعات والزيارات المتبادلة بسبب فقدان الثقة بين البلدين وخلافاتهما بشأن شكل النظام العالمي.

لا يمكن القول إن زيارة سوليفان إلى بكين فشلت تماماً في تهدئة التوترات بين البلدين؛ فمن نتائج الزيارة أنها هيأت الأجواء للتواصل هاتفياً بين رئيسي البلدين خلال الأسابيع القادمة تمهيداً لإمكانية عقد لقاء بينهما على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في البيرو خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بعدما أكد كلا الجانبين حضوره قمة المنتدى، أو خلال قمة مجموعة العشرين المزمع عقدها في البرازيل خلال الشهر ذاته أيضاً.

وساهمت الزيارة في إرجاء الولايات المتحدة مرة أخرى خطط فرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية، بما في ذلك المركبات الكهربائية والمواد المستخدمة في بطارياتها، إلى جانب رقائق أشباه الموصلات والخلايا الشمسية، غير أن الزيارة فشلت في معالجة الملفات الشائكة بين البلدين، مثل رفع القيود المفروضة على الرقائق الإلكترونية والتعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، فقد طلبت بكين مراراً من واشنطن إزالة التعريفات الجمركية المفروضة على السلع الصينية والقيود المفروضة على الرقائق الإلكترونية الحساسة، إلا أن الولايات المتحدة كانت ترفض ذلك، حتى إن سوليفان صرّح من بكين أن واشنطن ستواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع استخدام التقنيات الأميركية المتقدمة لتقويض أمن واشنطن القومي.

تحاول واشنطن تقييد وصول بكين إلى الرقائق الإلكترونية المتطورة بهدف إعاقة نموها التكنولوجي. لذلك، من غير المحتمل أن ترفع الإدراة الأميركية القيود على تصدير الرقائق الإلكترونية، مع العلم أنَّ هذه القيود لم تحقّق الهدف المرجو منها بالكامل، إذ إنّ الصين استطاعت الحصول على الرقائق الإلكترونية المتطورة، وهي تعمل على تعزيز قدراتها التكنولوجية المحلية.

وبشأن الحرب الروسية الأوكرانية، التي تتهم واشنطن بكين بدعم موسكو فيها عسكرياً، فقد صرّح سوليفان بعد اجتماعه بالرئيس الصيني بأن الصين والولايات المتحدة فشلتا في إحراز تقدم بشأن الأزمة الأوكرانية.

كذلك، لم يحدث تقدم في معالجة ملفي بحر الصين الجنوبي وتايوان، إذ تطالب الصين الولايات المتحدة بوقف دعم تايوان عسكرياً، فبعد مغادرة سوليفان الصين نددت الولايات المتحدة بالإجراءات "الخطيرة والتصعيدية" التي اتخذتها الصين ضد ما وصفتها بالعمليات البحرية المشروعة للفلبين في بحر الصين، وذلك بعدما حصل احتكاك بين سفن صينية وفلبينية في الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.

أتت زيارة سوليفان إلى الصين لضمان استقرار العلاقات قبيل الانتخابات الأميركية وطمأنة صناع السياسات الصينيين إلى أن المرشحة الرئاسية كامالا هاريس لن تتبنى نهجاً أكثر عدائية تجاه العلاقة بين البلدين من الرئيس الأميركي جو بايدن. لذلك، ترجو الإدارة الأميركية الحالية أن لا تتدخل الصين في الانتخابات الرئاسية لمصلحة الجمهوري دونالد ترامب.

وتبقى الصين عالقة بين مرشحين أحلاهما مرّ، ويمكن أن نستشف من تعهد هاريس في خطابها في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي بضمان أن تكون أميركا، وليس الصين، الفائزة في المنافسة على القرن الـ21، وأن تقود الولايات المتحدة العالم إلى المستقبل في مجال الفضاء والذكاء الاصطناعي، أنها ستركز في حال فوزها بالرئاسة على الذكاء الاصطناعي والفضاء، وسيستمر التنافس بين البلدين ما دام الخلاف الجوهري بينهما على شكل النظام العالمي وعلى الريادة العالمية.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP