هل تساهم الصين في تخفيف التصعيد بعد اغتيال إسماعيل هنية؟
خلال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، كانت الصين تدعو الأطراف المتنازعة، وعلى وجه الخصوص "إسرائيل"، إلى ضبط النفس ووقف القتال وحماية المدنيين. فمثلاً، خلال عدوان "إسرائيل" على القطاع عام 2012، حثت الصين جميع الأطراف المعنية، والجانب الإسرائيلي على وجه الخصوص، إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.
وفي عام 2021، صرّح وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأن بكين تدين بشدة أعمال العنف ضد المدنيين، وتحث طرفي النزاع على وقف الأعمال العسكرية والعدائية على الفور.
وعلى الرغم من أن الصين كانت تدعو "إسرائيل" إلى وقف عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة، فإن العلاقات الإسرائيلية الصينية ظلت قوية، بحيث حرصت بكين على المحافظة على علاقات قوية بـ"تل أبيب"، والتشبث بموقفها المؤيد لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية.
إلا أنه في الأعوام الأخيرة، أخذت الصين تنخرط أكثر في القضية الفلسطينية، وإنما بحذر شديد. فالعام الماضي استقبلت الصين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأعلنت رغبتها في التوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ودعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى زيارتها. وكان من المقرر أن تتم الزيارة أواخر العام الماضي، لكن عملية طوفان الأقصى ألغتها. كما أبدت الصين استعدادها لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. وفي حرب غزة الدائرة حالياً، لم يقتصر دور الصين على الدعوة إلى ضبط النفس ووقف أعمال القتال، بل بذلت مساعيَ إضافية لوقف الحرب.
فمنذ بداية طوفان الأقصى، رفضت بكين إدانة حركة حماس على الرغم من الضغوط الأميركية والإسرائيلية التي مورست عليها. وأرسلت مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط، بحيث عقد اجتماعات مع مختلف الأطراف المعنية، كما اجتمع في قطر أحد دبلوماسييها، السفير وانغ كيجيان، برئيس المكتب السياسي لحماس الراحل إسماعيل هنية. وكانت المرة الأولى التي تلتقي فيها الصين مسؤولين من حركة حماس منذ بداية طوفان الأقصى، فضلاً عن الاتصالات والاجتماعات التي عقدها المسؤولون الصينيون مع نظرائهم الإسرائيليين والأميركيين، والمشاروات التي تمت بين إيران والصين لخفض التصعيد في المنطقة والعمل لوقف الحرب.
ووصلت مساعي الصين إلى عقد اجتماعات للفصائل الفلسطينية في بكين وتقريب وجهات النظر بينها. فعقدت الجولة الأولى من المشاورات في شهر نيسان/أبريل الماضي، وكان من المقرر عقد الجولة الثانية من المباحثات أواخر شهر حزيران/يونيو الماضي، لكنها تأجلت لأسباب قد يكون للولايات المتحدة الأميركية دور فيها، إذ من المحتمل أن تكون واشنطن ضغطت على الرئيس محمود عباس لعدم المشاركة في الحوار، فليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تتحقق المصالحة بين الطرفين على يد الصين في ظل التنافس الصيني الأميركي، إلا أن الصين ضغطت لإجراء المرحلة الثانية من المفاوضات التي عُقدت الشهر الماضي، وأسفرت عن إعلان بكين، الذي تضمن بصورة أساسية تشكيل حكومة وفاق وطني موقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية بشأن إدارة غزة بعد الحرب.
ترى الصين أن استمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني يجعل من الصعب على فلسطين التواصل مع الدول الأخرى بصوت واحد. كما تدرك جيداً أن مهمة المصالحة بين فتح وحماس صعبة بسبب تعقيدات المشهد السياسي وتباين المواقف والبرامج السياسية بين الحركتين، والضغوطات التي يمكن أن تمارسها واشنطن و"تل أبيب" على حركة فتح. ومع ذلك أصرت بكين على عقد الجولات لتقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية.
ولدى بكين قناعة بأنها إذا لم تنجح في تحقيق إعلان بكين وتطبيقه فهي لن تخسر شيئاً، بل تكون قد أظهرت للعالم أنها راعية للسلام، وقامت بواجبها كدولة مسؤولة.
تلتزم الصين سياسة العمل بصمت وبعيداً عن الإعلام، لذلك من المحتمل أنها أدت دوراً في احتواء التصعيد في الشرق الأوسط.
فمثلاً، عندما استهدفت "إسرائيل" القنصلية الإيرانية في دمشق، ردت طهران على الاعتداءات بأن أطلقت المسيرات والصواريخ على "تل أبيب". وفي سعيها لمنع التصعيد، أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي اتصالاً بوزير خارجية إيران السابق الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أعرب فيه عن ثقة بكين بأن طهران لا تسعى للتصعيد في المنطقة، وأنها قادرة على التعامل مع الوضع بصورة جيدة من دون التصعيد وعبر حماية سيادتها وكرامتها. وبالفعل، لم تصل التوترات حينها إلى مرحلة التصعيد والانزلاق نحو حرب واسعة، بسبب عدة عوامل، منها أن إيران غير راغبة في التصعيد وجاءت الصين للتخفيف أيضاً من حدة التوترات عبر إجراء المشاورات مع الأطراف المعنية فاكتفت إيران بإطلاق المسيرات.
ومع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، تصرّ الأخيرة على الرد دفاعاً عن سيادتها وأمنها. ودعمت الصين إيران في الدفاع عن أراضيها. وفي اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية الصيني بالقائم بأعمال وزارة الخارجية الإيرانية علي باقر كني دان فيه وانغ يي اغتيال هنية، وأكد حق إيران في الدفاع عن سيادتها.
لدى بكين قناعة بأن من حق إيران الرد على اغتيال إسماعيل هنية في أراضيها دفاعاً عن سيادتها، ولردع "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية اللتين تعبثان بأمن المنطقة وتهددان السلم والأمن فيها.
والصين على ثقة بأن إيران سترد على انتهاك سيادتها بطريقة مدروسة وحكيمة من دون أن يفضي ردها إلى اندلاع حرب في المنطقة، لأن إيران لا تريد التصعيد، لكنها ترى أن من حقها أن ترد على اغتيال هنية لأن عدم الرد سيفسح المجال أمام "إسرائيل" لتكرار انتهاك سيادتها.
ليس من مصلحة الصين التصعيد في الشرق الأوسط لأن ذلك سيلحق ضرراً كبيراً بمصالحها، وخصوصاً أنها تستورد أكثر من نصف حاجاتها النفطية من المنطقة. وتعطيل الملاحة في مضيق هرمز أو باب المندب سيلحق خسائر بها أيضاً.
لذلك، من غير المستبعد أن تكون الصين على تواصل مع الأطراف المعنية في المنطقة من أجل منع التصعيد، ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
ما زالت بكين لغاية اليوم حذرة في الانخراط بصورة كبيرة في حرب غزة وتداعياتها، وتكتفي بالمشاورات والاتصالات ما دامت الحرب لم تلحق بها خسائر كبيرة جداً. لكن، في حال توسع الحرب وإلحاق الضرر الكبير بمصالحها، فستجد الصين نفسها مضطرة إلى الانخراط أكثر، والعمل على التهدئة ووقف الحرب. ومن المحتمل، في حال نشوب حرب، أن تضطر إلى استخدام القوة العسكرية البحرية لحماية سفنها وبضائعها ونفطها.
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة